![]() |
|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
أسباب ضعف المسلمين أمام عدوهم ووسائل العلاج لذلك
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() أسبابضعف المسلمين أمام عدوهم ووسائل العلاج لذلك للشيخ عبد العزيز بن باز الحمد لله رب العالمين والعاقبةللمتقين ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته منخلقه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وعلى آلهوأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين . أما بعد :
فلقد اهتم أرباب الفكر الإسلامي وأصحاب الغيرة الإسلامية وأصحاب التفكرالكثير بحال المسلمين وما آل إليه أمرهم . . لقد شغلهم هذا الأمر كثيرا وفكروا كثيرا في أسباب ضعف المسلمين وفي أسبابتأخرهم أمام عدوهم وفي أسباب تفرقهم واختلافهم ، وفي أسباب تسليط العدوعليهم حتى أخذ بعض بلادهم . ثم بعد أن عرفوا الأسباب - وهي واضحة - اهتموا أيضا بأن يعرفوا العلاجلهذه الأسباب التي أوجبت التأخر والضعف وهي معلومة أيضا ، ولكن يجب أنتنشر وأن تبين ، فإن وصف الداء ثم الدواء من أعظم أسباب الشفاء والعافية . فإن المريض متى عرف داءه وعرف دواءه فهو جدير بأن يبادر إلى أخذ الدواءثم يضعه على الداء . هذه طبيعة الإنسان العاقل الذي يحب الحياة ويحب الخلاص من الأمراض ، يهمهأن يعرف الداء وأن يعرف الدواء . ولكن بعض الناس قد يغلب عليه الداء ويستولي عليه حتى يرضى به ويستلذ وحتىيموت شعوره ، فلا يبالي بمن يصف له الدواء لأن الداء صار سجية وطبيعة لهيرتاح له ويقنع بالبقاء معه لانحراف مزاجه وضعف بصيرته وغلبة الهوى عليهوعلى عقله وقلبه وتصرفاته كما هو الواقع في أكثر الناس بالنسبة للأدواءالدينية وعلاجها . فقد استلذ الأكثر وطاب له البقاء على أمراضه وسيئاته التي أضعفته وعطلتحركاته وجعلته لا يحس بالداء في الحقيقة ولا يحس بنتائجه ولا بما يترتبعليه في العاجل والآجل ولا ينشد الدواء ولا يحرص عليه ولو وصف له وبين لهولو كان قريبا منه؛ لأنه لا يهم ذلك ، وما ذاك إلا لاستحكام الداءوارتياح النفس له وخفاء ضرره عليه وعدم الهمة العالية لتحصيل المطالبالعالية . وقد بين العلماء وأصحاب الفكر النير وأرباب البصيرة النافذة والخبرةبأحوال الأمم في هذا العصر وقبله بعصور أسباب ضعف المسلمين وتأخرهم ، كمابينوا وسائل العلاج الناجع ونتائجه وعاقبته إذا أحسن استعمال الدواء . وترجع أسباب الضعف والتأخر وتسليط الأعداء إلى سبب نشأت عنه أسباب كثيرةوعامل واحد نشأت عنه عوامل كثيرة ، وهذا السبب الواحد والعامل الواحد هو : الجهل؛ الجهل بالله وبدينه وبالعواقب التي استولت على الأكثرية ، فصارالعلم قليلا والجهل غالبا . وعن هذا الجهل نشأت أسباب وعوامل منها حب الدنيا وكراهية الموت ، ومنهاإضاعة الصلوات واتباع الشهوات ، ومنها عدم الإعداد للعدو والرضى بأخذحاجاتهم من عدوهم وعدم الهمة العالية في إنتاج حاجاتهم من بلادهموثرواتهم ، ونشأ عن ذلك أيضا التفرق والاختلاف وعدم جمع الكلمة وعدمالاتحاد وعدم التعاون . فعن هذه الأسباب الخطيرة وثمراتها وموجباتها حصل ما حصل من الضعف أمامالعدو والتأخر في كل شيء إلا ما شاء الله والإقبال على الشهوات المحرمةوالشغل بما يصد عن سبيل الله وعن الهدى وعدم الإعداد للعدو لا من جهةالصناعة ولا من جهة السلاح الكافي الذي يخيف العدو ويعين على قتالهوجهاده وأخذ الحق منه وعدم إعداد الأبدان للجهاد وعدم صرف الأموال فيماينبغي لإعداد العدة للعدو والتحرز من شره والدفاع عن الدين والوطن . ونشأ عن ذلك المرض الحرص على تحصيل الدنيا بكل وسيلة وعلى جمعها بكل سببوأصبح كل إنسان لا يهمه إلا نفسه وما يتعلق ببلاده وإن ذهب في ذلك دينهأو أكثره . هذا هو حال الأكثرية وهذا هو الغالب على الدول المنتسبةللإسلام اليوم بل يصح أن نقول إن هذا هو الواقع إلا ما شاء الله جل وعلامن بعض الإعداد وبعض التحرز على وجه ليس بالأكمل وليس بالمطلوب من كلالوجوه . ويدل على أن أعظم الأسباب هو الجهل بالله وبدينه وبالحقائق التي يجبالتمسك والأخذ بها - هو قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين رواه الشيخان البخاري ومسلم فيالصحيحين ، مع آيات في المعنى وأحاديث كلها تدل على خبث الجهل وخبثعواقبه ونهايته وما يترتب عليه بل القرآن الكريم مملوء بالتنديد بالجهلوأهله والتحذير منه كما قال الله تعالى : (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْيَجْهَلُونَ) وقال سبحانه : (وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) إلى غير ذلكمن الآيات التي تدل على ذم الجهل بالله والجهل بدينه والجهل بالعدو وبمايجب إعداده من الأهبة والاتحاد والتعاون وعن الجهل نشأت هذه الأشياء التيسبقت من فرقة واختلاف وإقبال على الشهوات وإضاعة لما أوجب الله وعدمإيثار الآخرة وعدم الانتساب إليها بصدق بل لا يهم الأكثرية إلا هذهالعاجلة كما جاء في الآية الكريمة من كتاب الله (كَلا بَلْ تُحِبُّونَالْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ وكما في قوله جل وعلا فَأَمَّا مَنْطَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَالْمَأْوَى) إلخ . وعن الجهل أيضا نشأت هذه الكوارث وهذه العواقب الرديئة التي هي حب الدنياوكراهية الموت والإقبال على الشهوات وإضاعة الواجبات والصلوات وإضاعةالإعداد للعدو من كل الوجوه إلا ما شاء الله من ذلك . ومن ذلك التفرقوالاختلاف وعدم الاتحاد والتعاون إلى غير ذلك . فقوله صلى الله عليه وسلم : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين يدل علىأن من علامات الخير والسعادة للفرد والشعب والدولة أن يتفقهوا في الدين ،فإن الإقبال على التفقه في الدين والتعلم والتبصر بما يجب عليهم فيالعاجل والآجل من أوجب الواجبات ، وفي ذلك علامة على أن الله أراد بهمخيرا . ومن ذلك - مع إعداد للعدو - تأدية فرائض الله والانتهاء عن محارم اللهوالوقوف عند حدود الله . ومن ذلك أيضا أن يوجد في بلاد المسلمين من الصناعة والإعداد والقوة مايستطيع كل فرد بكل وسيلة ، حتى لا تكون حاجاته عند عدوه ، وحتى يعلم عدوهما لديه من الإعداد والاستعداد فيرهبه وينصفه ويعطيه حقوقه ويقف عند حدهوحتى يحصل إعداد الأبدان وعدم الرفاهية التي تضعف القوى والقلوب عنمقاتلة العدو وحتى تقوى على الجهاد . والتفقه في الدين أيضا يعطي المعلومات الكافية عن الآخرة وعن الجنةونعيمها وقصورها وما فيها من خير عظيم وعن النار وعذابها وأنكالها وأنواعما فيها من العذاب فيكسب القلوب نشاطا في طلب الآخرة وزهدا في الدنياوإعدادا للأعداء وحرصا على الجهاد في سبيل الله والاستشهاد في سبيلهسبحانه وتعالى . كما أن التفقه في الدين يعطي الشعب والوالي النشاط الكامل في كل ما يحبهالله ويرضاه وفي البعد عن كل ما يغضب الله سبحانه وتعالى ويعطي القلوبالرغبة الكاملة في الاتحاد مع بقية المسلمين والتعاون معهم ضد العدو وفيإقامة أمر الله وتحكيم شريعته والوقوف عند حدوده ، ويحصل بذلك أيضاالتعاون على كل ما يجب لله ولعباده ، فإن العلم النافع يدعو إلى العملوالتكاتف والتناصح والتعاون على الخير ، ويعطيهم أيضا الحرص الكامل علىأداء الفرائض والبعد عن المحارم والشوق إلى الآخرة وعدم كراهية الموت فيسبيل الحق وفي الجهاد في سبيل الله وفي قتال العدو وأخذ الحقوق منه . وبالعلم تكون النفوس والأموال رخيصة في جلب رضا الله وفي سبيل إعلاء كلمةالله وفي سبيل إنقاذ المسلمين من سيطرة عدوهم وتخليصهم مما أصابهم منأنواع البلاء وفي سبيل استنقاذ المستضعفين من أيدي أعدائهم وفي سبيل حفظكيان المسلمين وحوزتهم وأن لا تنتقص بلادهم وحقوقهم . فإذا كان الجهلفقدت هذه الأشياء وهذه الحقوق وهذه الخيرات وهذه المعلومات وهذا الإيثاروهذا الإرخاص للنفوس والأموال في سبيل الحق ، وقد قال الشاعر : ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه فالجهل داء عضال يميت القلوب والشعور ويضعف الأبدان والقوى ويجعل أهلهأشبه بالأنعام لا يهمهم إلا شهوات الفروج والبطون وما زاد على ذلك فهوتابع لذلك من شهوات المساكن والملابس . فالجاهل قد ضعف قلبه وضعف شعورهوقلت بصيرته ، فليس وراء شهوته الحاضرة وحاجته العاجلة شيء يطمح إليهويريد أن ينظر إليه . وقد جاء في الحديث الذي رواه أحمد وغيره بإسناد حسنعن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يوشك أن تداعىعليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها قيل يا رسول الله أمن قلة بنا؟قال لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل تنزع المهابة من قلوب عدوكم منكم ويوضعفي قلوبكم الوهن قالوا يا رسول الله وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهيةالموت وهذا الوهن الذي ورد في الحديث إنما نشأ عن الجهل الذي صاروا به غثاءكغثاء السيل ، ما عندهم بصيرة بما يجب عليهم بسبب هذا الجهل الذي صاروابه بهذه المثابة . فقد سيطر الوهن عليهم واستقر في قلوبهم ولا يستطيعون الحراك إلى المقاماتالعالية والجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمته؛ لأن حبهم للدنيا وشهواتها منمآكل ومشارب وملابس ومساكن وغير ذلك أقعدهم عن طلب المعالي وعن الجهاد فيسبيل الله فيخشون أن تفوتهم هذه الأشياء . وكذلك أوجب لهم البخل حتى لا تصرف الأموال إلا في هذه الشهوات ، وأفقدهمهذا الجهل القيادة الصالحة المؤثرة العظيمة التي لا يهمها إلا إعلاء كلمةالله والجهاد في سبيل الله وسيادة المسلمين وحفظ كيانهم من عدوهم وإعدادالعدة بكل طريق وبكل وسيلة لحفظ دين المسلمين وصيانته وإعلائه وحفظ بلادالمسلمين ونفوسهم وذرياتهم عن عدوهم . فالجهل أضراره عظيمة وعواقبه وخيمة ومن ذلك ما بينه النبي صلى الله عليهوسلم من ذل المسلمين أمام عدوهم ووصفهم بأنهم غثاء كغثاء السيل وأن أسبابذلك نزع المهابة من قلوب أعدائهم منهم؛ أي أن أعداءهم لا يهابونهم ولايقدرونهم لما عرفوا من جهلهم وتكالبهم على الدنيا والركون إليها . فالعدو إنما يعظم القوة والنشاط والهمة العالية والتضحية العظيمة في سبيلمبدئه . فإذا رأى العدو أن هذا الخصم المقابل له ليس له هذه الهمة وإنماهو يهتم لشهواته وحظه العاجل أعطاه من ذلك حتى يوهن قوته أمامه ويصرفه عنالتفكير في قتاله لانشغاله بحب الدنيا والانكباب على الشهوات. فالوهن أصاب القلوب إلا ما شاء الله واستحكم عليها إلا من رحم ربك وماأقلهم ، فهم في الغالب قد ضعفوا أمام عدوهم ونزعت المهابة من قلوبأعدائهم منهم وصار أعداؤهم لا يهتمون بهم ولا يبالون بهم ولا ينصفونهملأنهم عرفوا حالهم وعرفوا أنهم لا قوة ولا غيرة عندهم ولا صبر لهم علىالقتال ولا قوة أيضا تعينهم على القتال ولم يعدوا لهذا المقام عدته ،فلذلك احتقرهم العدو ولم يبال بشأنهم وعاملهم معاملة السيد للمسودوالرئيس للمرءوس وهم سادرون في حب الدنيا والبعد عن أسباب الموت إلا منرحم ربك حريصون على تحصيل الشهوات المطلوبة بكل وسيلة ، حذرون من الموتحريصون على العلاج والدواء عن كل صغيرة وكبيرة من الأدواء خوف الموت ،وحريصون أيضا ألا يتعاطوا أمرا يسبب الموت والانقطاع عن هذه الشهوات . ومن أراد الآخرة وأراد إعلاء كلمة الله والجهاد في سبيل الله لا تكونحاله هكذا ، وفيما جرى لسلفنا الصالح في عهد نبينا عليه الصلاة والسلاموعهد صحابته المرضيين ومن سار على طريقهم بعد ذلك فيما فعلوا من الجهادوفيما أعدوا من العدة وفيما صبروا عليه من التعب والأذى قدوة لنا وذكرىلنا لإعلاء كلمة الله والجهاد في سبيله وإنقاذ بلادنا وقومنا من أيديأعدائنا صبرا وتحملا وجهادا وإيثارا للآخرة وبذلا للمال والنفس للجهاد فيسبيل الله عز وجل وتدربا على الجهاد والقتال وحرصا على الخشونة والصبروالتحمل وذكرا للآخرة دائما وعناية بكل ما يعين على جهاد الأعداء وصبراعلى ذلك وتعاونا وجمعا للكلمة واتحادا للصف حتى يحصل المراد من إعلاءكلمة الله وإنقاذ المسلمين من كيد عدوهم . وإذا علمنا الداء وهو بين وواضح وهو كما علمنا غلبة الجهل وعدم التعلموالتفقه في الدين والإعراض عن العلم الشرعي ورضا بالعلوم الدنيوية التيتؤهل للوظائف فقط غير العلوم التي توجب الاستغناء عن الأعداء والقيامبأمر الله والبعد عن مساخطه سبحانه ، وإنما هي علوم قاصرة ضعيفة قصاراهاأن تؤهل لعمل عاجل دنيوي في بلاد الفرد ودولته - إذا علم ذلك فإن الواجبعلاجه بالعلم الشرعي ، إذ قَلَّ من يعنى بالعلم النافع الذي جاء بهالمصطفى عليه الصلاة والسلام وقل من يعنى بالإعداد للأعداء حتى يتمكن ذلكالشعب وتلك الدولة من إيجاد ما يغني عن الأعداء . فالداء واضح وبيِّن وهو مكون من عدة أدواء نشأت عن الجهل والإعراضوالغفلة حتى صار الموت مرهوبا والدنيا مؤثرة ومرغوب فيها وحتى صار الجهادشبحا مخيفا لا يقبله إلا القليل من الناس وصار الهدف ليس لإعلاء كلمةالله بل إما لقومية وإما لوطنية وإما لأشياء أخرى غير إعلاء كلمة اللهوإظهار دينه والقضاء على ما خالف ذلك . فالإعداد ضعيف أو معدوم والأهدافمنحرفة إلا ما شاء الله . فطريق النجاح وطريق التقدم ضد الأعداء وعدمالضعف أمامهم وطريق الفلاح والنجاح والحصول على المقامات العاليةوالمطالب الرفيعة والنصر على الأعداء - طريق كل ذلك هو في الإقبال علىالعلم النافع والتفقه في الدين وإيثار مرضاة الله على مساخطه والعنايةبما أوجب الله وترك ما حرم الله والتوبة إلى الله مما وقع من سالف الذنوبومن التقصير توبة صادقة والتعاون الكامل بين الدولة والشعب على ما يجب منطاعة الله ورسوله والكف عن محارم الله عز وجل وعلى ما يجب أيضا من إعدادالعدة كما قال الله سبحانه وتعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْمِنْ قُوَّةٍ) إلخ . فلا بد من إعداد العدة البدنية والمادية وسائر أنواع العدة من جميعالوجوه حتى نستغني بما أعطانا الله سبحانه عما عند أعدائنا فإن قتالأعدائنا بما في أيديهم من الصعب جدا الحصول عليه ، فإذا منع العدو عنكالسلاح فبأي شيء تقاتل؟ مع ضعف البصيرة وقلة العلم . فلا بد من إعداد المستطاع ، ويكفي المستطاع ما دام المسلمون قاصدينالاستغناء عن عدوهم وجهاد عدوهم واستنقاذ بلادهم قاصدين إقامة أمر اللهفي بلاد الله قاصدين الآخرة ما استطاعوا لكل ذلك . فإن الله سبحانهوتعالى يقول (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) إلخ ،ولم يقل وأعدوا لهم مثل قوتهم؛ لأن هذا قد لا يستطاع . فإذا صدق المسلمون وتكاتفوا وأعدوا لعدوهم ما استطاعوا من العدة ونصروادين الله فالله يعينهم وينصرهم سبحانه وتعالى ويجعلهم أمام العدو وفوقالعدو لا تحت العدو ، يقول الله وهو الصادق في قوله ووعده : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْوَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) والله ليس بعاجز ولا في حاجة إلى الناس ولكنهيبتلي عباده الأخيار بالأشرار ليعلم صدق الصادقين وكذب الكاذبين وليعلمالمجاهد من غيره وليعلم الراغب في النجاة من غيره ، وإلا فهو القادر علىنصر أوليائه وإهلاك أعدائه من دون حرب ومن دون حاجة إلى جهاد وعدة وغيرذلك ، كما قال سبحانه (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَمِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) وقال سبحانه في سورةالأنفال في قصة بدر : (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَىوَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) يعني إمدادهم بالمدد من الملائكة ،وقال سبحانه (وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِالْحَكِيمِ) وفي آية آل عمران كذلك قال تعالى : (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُإِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُإِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) فالنصر من عنده جل وعلا، ولكنه سبحانه جعل المدد بالملائكة ، وما يعطي من السلاح والمال وكثرةالجند كل ذلك من أسباب النصر والتبشير والطمأنينة ، وليس النصر معلقابذلك ، قال سبحانه (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةًكَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) وكانوا يوم بدر ثلاثمائة وبضعة عشر ، والسلاح قليل والمركوب قليلوالمشهور أن الإبل كانت سبعين وكانوا يتعاقبونها وكان السلاح قليلا وليسمعهم من الخيل في المشهور سوى فرسين ، وكان جيش الكفار حوالي الألف ،وعندهم القوة العظمية والسلاح الكثير ، ولما أراد الله هزيمتهم هزمهم ولمتنفعهم قوتهم ولا جنودهم ، وهزم الله الألف وما عندهم من القوة العظيمةبالثلاثمائة وبضعة عشر وما عندهم من القوة الضعيفة ، ولكن بتيسير اللهونصره وتأييده غلبوا ونصروا وأسروا من الكفار سبعين وقتلوا سبعين وهزمالباقون لا يلوي أحد على أحد وكل ذلك من آيات الله ونصره . وفي يوم الأحزاب غزا الكفار المدينة بعشرة آلاف مقاتل من أصناف العرب منقريش وغيرهم وحاصروا المدينة واتخذ النبي صلى الله عليه وسلم الخندق ،وذلك من أسباب النصر الحسي ، ومكثوا مدة وهم يحاصرون المدينة ، ثم أزالهمالله بغير قتال ، فأنزل في قلوبهم الرعب وسلط عليهم الرياح وجنودا منعنده حتى لم يقر لهم قرار وانصرفوا خائبين إلى بلادهم ، وكل هذا من نصرهوتأييده سبحانه وتعالى ، ثم خذلوا فلم يغزوا النبي صلى الله عليه وسلمبالمدينة ، بل غزاهم هو يوم الحديبية وجرى الصلح المعروف ، ثم غزاهم فيالسنة الثامنة في رمضان وفتح الله عليه مكة ، ثم دخل الناس أفواجا في دينالله بعد ذلك . فالمقصود أن النصر بيد الله سبحانه وتعالى ، وهو الناصر لعباده ، ولكنهسبحانه أمر بالأسباب ، وأعظم الأسباب طاعة الله ورسوله صلى الله عليهوسلم ، ومن طاعة الله ورسوله التعلم والتفقه في الدين حتى تعرف حكم اللهوشريعته لنفسك وفي نفسك وفي غيرك وفي جهاد عدوك وحتى تعد العدة لعدوكوحتى تكف عن محارم الله وحتى تؤدي فرائض الله وحتى تقف عند حدود اللهوحتى تتعاون مع إخوانك المسلمين وحتى تقدم الغالي والنفيس من نفسك ومالكفي سبيل الله عز وجل وفي سبيل نصر دين الله وإعلاء كلمته لا في سبيلالوطن الفلاني ولا القومية الفلانية . فهذا هو الطريق وهذا هو السبيل للنصر على الأعداء بالتعليم الشرعيوالتفقه في دين الله من الولاة والرعايا والكبير والصغير ، ثم العملبمقتضى ذلك وترك ما نحن عليه مما حرم الله ، قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَلا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) فمنأراد من الله النصر والتأييد وإعلاء الكلمة فعليه بتغيير ما هو عليه منالمعاصي والسيئات المخالفة لأمر الله ، وربك يقول جل وعلا (وَعَدَاللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِلَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْقَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْوَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لايُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) ما قال الله : وعد الله الذين ينتسبون إلى قريشأو العرب أو الذين يبنون القصور ويستخرجون البترول . . . إلخ ، بل علقالحكم بالإيمان الصادق والعمل الصالح سواء كانوا عربا أو عجما . هذه هي أسباب النصر والاستخلاف في الأرض لا العروبة ولا غير العروبةولكنه إيمان صادق بالله ورسوله وعمل صالح . هذا هو السبب وهذا هو الشرط وهذا هو المحور الذي عليه المدار ، فمناستقام عليه فله التمكين والاستخلاف في الأرض والنصر على الأعداء ، ومنتخلف عن ذلك لم يضمن له النصر ولا السلامة ولا العز ، بل قد ينصر كافرعلى كافر ، وقد ينصر مجرم على مجرم وقد يعان منافق على منافق ولكن النصرالمضمون الذي وعد الله به عباده المؤمنين لهم على عدوهم إنما يحصلبالشروط التي بينها سبحانه وبالصفات التي أوضحها جل وعلا وهو الإيمانالصادق والعمل الصالح . ومن ذلك نصر دين الله قال تعالى : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْيَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْمَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَوَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) هذا هو نصر دينالله فمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فقد نصر دين الله؛ لأن من ضمن ذلكأداء فرائض الله وترك محارم الله . وقال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَأُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَعَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) وقال سبحانه (وَلْتَكُنْمِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَبِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُالْمُفْلِحُونَ) فأهل الفلاح والنصر والعاقبة الحميدة هم الذين عملوا الصالحات وأمروابالمعروف ونهوا عن المنكر وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ونصروا الله عزوجل . وهم المذكورون في قوله تعالى : وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُالْمُؤْمِنِينَ فالدواء واضح والعلاج بيِّن ، لكن أين من يريد الدواءوأين من يريد العلاج وأين من يستعمله؟! هذا واجب ولاة الأمور والعلماءوالأعيان في كل مكان وفي جميع الدول الإسلامية إذا كانوا صادقين فيالدعوة إلى الإسلام؛ وذلك بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحفاظ على ذلكوالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتفقه في الدين وإصلاح المناهج فيالمدارس في جميع المراحل والتعاون أيضا في التكاتف ضد الأعداء والاتحادمع الإخلاص لله في العمل والصدق فيه ونية الآخرة . وبذلك يستحقون النصر من الله والتأييد منه سبحانه كما كان الأمر كذلك عندسلفنا الصالح مما لا يخفى على أهل العلم . وبالأمس القريب الإمام المجددلمعالم الإسلام في القرن الثاني عشر لما رأى ما رأى من الجهل العظيموتعطيل أحكام الشريعة وكثرة الجهل في الجزيرة وغيرها وقلة الدعاة إلىالله عز وجل وانقسام أهل هذه الجزيرة إلى دويلات صغيرة على غير هدى وعلىغير علم . رأى أن من الواجب عليه أن يقوم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وأنينبههم إلى ما وقعوا فيه من الخطر وأن يسعى على جمع كلمتهم على الحق وعلىرئيس واحد يقيم فيهم أمر الله ويجاهدون في سبيل الله ، فجد رحمه الله فيذلك ودعا إلى الله واتصل بالأمراء وكتب الرسائل في أمر التوحيد وتحكيمشريعة الله وترك الشرك به ، ولم يزل صابرا على ذلك محتسبا بعد ما درسوتفقه في الدين على مشايخ البلاد وغيرهم ، ثم جد في الدعوة إلى اللهوالجهاد في سبيله وجمع الكلمة في حريملاء أولا ثم في العيينة ثم انتقلبعد أمور وشئون إلى الدرعية وبايعه محمد بن سعود رحمه الله على الجهاد فيسبيل الله وإقامة أمر الله ، فصدقوا جمعيا في ذلك وتكاتفوا في ذلكوجاهدوا على ضعفهم حتى نصرهم الله وأيدهم وأعلنوا التوحيد ودعوا الناسإلى الحق والهدى وحكموا شريعة الله في عباد الله وبسبب الصدق والاستعانةبالله وحسن المقصد أيدهم الله وأعانهم ، وأخبارهم لا تخفى على كثير ممنله أدنى بصيرة . ثم جاء بعد ما جرى من الفتور والانقسام جاء الملك عبد العزيز رحمه اللهوجد في هذا الأمر وحرص فيه واستعان بالله سبحانه ثم بأهل العلم والإيمانوالبصيرة وأعانه الله وأيده وجمع له الله كلمة المسلمين في هذه الجزيرةعلى كلمة واحدة وعلى تحكيم شريعة الله وعلى الجهاد في سبيل الله حتىاستقام أمره وتوحدت هذه الجزيرة ( من شمالها إلى جنوبها وشرقها وغربها ) على الحق والهدى بأسباب الصدق والجهاد وإعلاء كلمة الله تعالى ، فالمقصودأن الأمثلة كثيرة في ذلك . وهكذا صلاح الدين الأيوبي قصته معروفة ومحمود زنكي كذلك . فالمقصود أنسلفنا الصالح الأوائل لما صدقوا في جهادهم في وقت نبيهم وبعده أعزهم اللهوأعلى شأنهم واستولوا على المملكتين العظمتين - مملكة الأكاسرة ومملكةالروم في الشام وما حولها - ثم من بعدهم ممن صدق في دين الله نصرهم اللهلما عندهم من الصدق والتكاتف في إعلاء كلمة الله . ثم في أوقات متعددةمتغايرة يأتي أناس لهم من الصدق والإخلاص ما لهم فيؤيدون وينصرون علىعدوهم على قدر إخلاصهم واجتهادهم وبذلهم . والذي نصر الأولين ونصر الآخرين سبحانه وتعالى هو الله عز وجل وهو ناصرمن نصره وخاذل من خذله كما قال الله تعالى : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍعَبْدَهُ) وقال سبحانه (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْكَيْدُهُمْ شَيْئًا) وقال عز وجل : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْفِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) ولكن المصيبة في أنفسنا كما قال عز وجل وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍفَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ فالمصيبة جاءت منضعف المسلمين وتكاسلهم وجهلهم وإيثارهم العاجلة وحبهم الدنيا وكراهةالموت وتخلفهم عما أوجب الله وترك الصلوات واتباع الشهوات وإيثار العاجلةوالعكوف على المحارم والأغاني الخليعة والفساد للقلوب والأخلاق . . إلخ . فمن هذا وأشباهه سلط الله على المسلمين عدوهم كما قال جلوعلا (وَإِذَاأَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوافِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) نسأل الله عز وجل أن يمن علينا وعلى جميع المسلمين وولاة أمرهم بالتوبةإليه والاستقامة على أمره والتعاون على البر والتقوى وعلى إعداد العدةلأعدائنا والتفقه في الدين والصبر على مراضيه والبعد عن مساخطه سبحانه ،كما نسأله سبحانه أن يعيذنا جميعا من مضلات الفتن ومن أسباب النقم وأنينصر دينه ويعلي كلمته ويخذل أعداءه وأن يجمع كلمة المسلمين على الحقوالهدى وأن يصلح ولاة أمرهم وأن يرزقهم البصيرة إنه سميع قريب . وصلىالله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . محاضرة ألقاها سماحة الشيخ في ندوة المسجد الجامع الكبير بالرياض في 29/ 5 / 1399 هـ.
|
||||
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc