وذي مفاهيم حادثة طارئة في أقوام تشبَّعوا بالخرافات الشركية فاشتبه الأمر عليهم، بل ما ورد من النصوص والمباحث في تحريم الغلوِّ في احترام الموتى والصالِحين، وتقديس الأشخاص، ورفع الناس فوق ما هم عليه، وجاءت نصوص السنَّة الثابتة مُتكاثرة بالنهي الصريح عن كل ذريعة تُفضي إلى ذلك المفهوم الذي يمثِّل خطوة أولى على طريق الانحراف نحو الشرك، وهو ما ظهر في هؤلاء، فصنيعهم ليس ذريعةً للشركِ، بل هو الشرك الأكبر الصريح، والكفر البَواح، لا يقبل التأويل إلا مُكابَرة، فهم لا يَكتفون بطلب الشفاعة والبركة، بل يطلبون منهم الرزق والشفاء والولد ودفع الضرر، بل وتسليط غضبهم على مَن ظلمهم، والصلاة عند قبورهم، وجعل الاعتماد والتوكُّل والتوسل بهم، والخوف منهم خوفًا تعبُّديًّا، ويَذبح لهم القربى، ويُقسِمون بهم في النوازل الشدائد، ويَذكُرونهم في الشدائد قبل ذكر الله - تعالى.
وليتَ شِعري بمُشركي قريش أن يروا هؤلاء، فهل أعزم عليهم أن كانوا أسلموا معهم؛ لأنهم في الشرك سواء؟
كلا بل مُشركو قريش إذا أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين، أما هؤلاء المسلمون إذا أسقط بأيديهم تَسارعوا لقبور موتاهم.
مشركو قريش لا يُقسِمون بالله إلا في العظائم؛ لأنه أجهد الأيمان وأصعبها، أما أولئك فكِبار النوازل وأعظم الأيمان فبالمَقبورين، بل ويُقرُّون بصريح الكلام المَنطوق لا المفهوم بأن لهؤلاء الموتى سلطانًا على الكون تدبيرًا وعِلمًا، وقضاءً وقدرًا؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلُّوا عليَّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم))[38]، ومعنى النهي عن تحويل البيوت لمَقابر، أي لا تَتركوا الصلاة في بيوتكم - صلاة النافلة - لئلا تُشبه المقابر في ترك الصلاة بها، فالمفهوم مِن ذا النص النهي عن الصلاة في المقابر.
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبَد، لعَنَ الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))[39]، هذا في قبر خاتم الرسل وقبور الأنبياء، فكيف الحال مع قبور من دونهم؟
وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال لأبي الهياج: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله: ألا تدعَ تِمثالاً إلا طمسته، ولا قبرًا مُشرفًا إلا سوَّيته"[40].
ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ((يُجصَّص القبر، وأن يُقعَد عليه، وأن يُبنى عليه))، وفي زيادة صحيحة لأبي داود: ((أو أن يُكتَب عليه))، ولعن ((المتَّخذين عليها - أي القبور - المساجد والسُرج))، وعلى ذلك سار سلفنا الصالح من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن تبعهم بإحسان.
"ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من ذلك شيء في بلاد الإسلام، لا في الحجاز، ولا اليمن، ولا الشام، ولا العراق، ولا مصر، ولا خراسان، ولا المغرب، ولم يكن قد أُحدث مشهد، لا على قبر نبي، ولا صاحب، ولا أحد مِن أهل البيت، ولا صالح أصلاً، بل عامة هذه المشاهد محدَثة بعد ذلك، وكان ظهورها وانتشارها حين ضَعُفت خلافة بني العباس، وتفرَّقت الأمة، وكَثُر فيهم الزنادقة الملبِّسون على المسلمين، وفشَت فيهم كلمة أهل البدع، وذلك مِن دولة المقتدر في أواخر المائة الثالثة؛ فإنه إذ ذاك ظهرت القرامطة العُبيدية القدَّاحية في أرض المغرب، ثم جاؤوا بعد ذلك إلى أرض مصر، وقريبًا من ذلك ظهر بنو بويه، وكان في كثير منهم زندقة وبِدَع قوية، وفي دولتهم قوِي بنو عُبيد القداح بأرض مصر، وفي دولتهم أُظهِر المشهد المنسوب إلى علي - رضي الله عنه - بناحية النجف، وإلا فقبْل ذلك لم يكن أحد يقول: "إن قبر علي هناك، وإنما دُفن علي - رضي الله عنه - بقصر الإمارة بالكوفة"[41]، وقد ذكر بعض المتأخِّرين مِن العلماء أنه لا بأس بالسفر إلى المشاهد، واحتجوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي قباء كل سبت راكبًا وماشيًا، أخرجاه في "الصحيحين"[42]، ولا حُجَّة لهم فيه؛ لأن قباء ليس مشهدًا، بل مسجد، وهو منهيٌّ عن السفر إليها باتفاق الأئمة؛ لأن ذلك ليس بسفر مشروع، بل لو سافر إلى قباء من دويرة أهله لم يَجُز، ولكن لو سافر إلى المسجد النبوي ثم ذهب منه إلى قباء فهذا يُستحَبُّ، كما يستحب زيارة قبور أهل البقيع، وشهداء أحد.
وقال بعضهم استدلالاً على جواز شد الرحال للقبور: "ويدلُّ على جواز شد الرحال لزيارة القبور، ما قاله عمر - رضي الله عنه - بعد فتح الشام لكعب الأحبار: يا كعب، ألا تُريد أن تأتي معنا إلى المدينة، فتزور سيد المرسلين؟
قال: نعم يا أمير المؤمنين، أنا أفعل ذلك.
وكذا يدلُّ عليه مجيء بلال - رضي الله عنه - مِن الشام إلى المدينة؛ لزيارة قبره - عليه الصلاة والسلام - وذلك في خلافة عمر - رضي الله عنه".
قال الحافظ ابن عبدالهادي في جوابه للسبكي: "وهو مُطالَب:
أولاً: ببيان صحته.
وثانيًا: ببيان دلالته على مَطلوبه.
ولا سبيل له إلى واحد من الأمرين"[43].
ومن المعلوم أن هذا مِن الأكاذيب والموضوعات على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وفتوح الشام فيها كذب كثير، ولكن شأن هذا المُعترِض الاحتجاج دائمًا بما يظنُّه موافقًا لهواه، ولو كان من المُنخنِقة، والموقودة، والمتردية، وليس هذا شأن أهل التحقيق.
وبيَّن العلماء الفرق بين الزيارة الشرعية للقبور، التي تكون للعظة والاعتبار وتذكُّر الآخرة والدعاء والاستغفار للميت، وبين الزيارات البدعية والشركية التي يُتقرَّب فيها إلى أصحاب القبور بالذبائح والنذور والاستغاثات وما إلى ذلك من أمور الشرك الأكبر المخرج عن ملة الإسلام، وأن هذه الأمور لا تكون إلا لله وحده لا شريك له؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]، ولقوله تعالى: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2]، وزيارة القبور تَنقسِم قسمين؛ زيارة مشروعة، وزيارة غير مشروعة.
الزيارة المشروعة:
هي زيارة القبور مِن أجل تذكُّر الآخرة، والسلام على أهلها، والدعاء لهم، فهذه مقاصد الزيارة الشرعية.
الزيارة غير الشرعية:
أ- الزيارة المحرمة: كالنياحة والجزع، ولطم الخدود، وكثير من الأفعال التي يفعلها العامة مما يوحي بالتسخُّط على قدر الله.
ب- الزيارة البدعية: وهي أن يزور قبرًا من أجل أن يصلي عنده، أو يدعو الله عنده، أو يقرأ القرآن عنده.
ج - الزيارة الشركية: وهي التي يُدعى فيها المقبور من دون الله، ويطلب منه قضاء الحوائج، ودفع المكروه وتفريج الكرب، أو يصلَّى له أو يذبح له أو يُنذَر له؛ فه كل مَن يُقصَد لجلب نفعٍ أو دفع ضرر غيبيٍّ مما لا طاقة للبشر به، وهنا الطلب ليس للتوسُّط ولا للشفاعة؛ بل هو طلب شخصي بالفعل، فهو يقصد لذاته، لا للتوسُّط لغيره.
ولا ريب أن أهل البدع يَحجُّون إلى قبور الأنبياء والصالحين، ويزورونها غير الزيارة الشرعية، لا يقصدون الدعاء لهم كالصلاة على جنائزهم، بل الزيارة عندهم والسفر لذلك من باب تعظيمهم لعِظَم جاهِهم وقدرهم عند الله، ومقصودهم دعاؤهم أو الدعاء لهم أو عندهم، وطلب الحوائج منهم، وغير ذلك مما يقصد بعبادة الله تعالى، ولهذا يقولون: إن مَن نهى عن ذلك فقد تنقَّصهم، فهذا القول مبنيٌّ على ذلك الاعتقاد والقصد والظن.
نشأة المشاهد:
لم يكن في العصور المفضَّلة (مشاهد) على القبور، بل هي على ما أمر به النبي بتسويتها، بلا رفع ولا جصٍّ ولا شاهد ولا بناء، وكل ذلك كان من سنن الأمم السابقة والمُجاورة للمسلمين من مجوس الفرس ونصارى الروم، فلما فُتحت بلدانهم رأى المسلمون تعظيمهم للقبور، وتقديسهم لقبور معظِّميهم حدَّ العبادة، إلا أن هدي النبوة كان قائمًا بقيام الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، إلى أن دارت الدائرة ونزلت النائبة بالمسلمين، حين تسلَّط الرافضة على دول وبسطوا نفوذهم على الخلافة العباسية، وكثر بعد ذلك في دولة بني بويه بناء المشاهد والسرُج والمراقد، وظهرت أصناف النِّحَل، والفلسفات الوثنية، والتنجيم وعبدة الكواكب بما لم يسبق إليه، وشاعت حتى جاهر بها أصحابها، وظهرت القرامطة والقداحية العبيدية بأرض المشرق والمغرب، وإخوان الصفا، وكان بهم زنادقة كفار، مقصودهم تبديل دين الإسلام، ونسخ جميع الأديان وإنكار الصانع.
وكان في بني بويه من المُوافَقة لهم على كثير من ذلك، فبنوا المشاهد المكذوبة، وفي دولتهم أُظهر المشهد المنسوب إلى علي - رضي الله عنه - بناحية النجف، وإلا فقبل ذلك لم يكن أحد يقول: إن قبر علي هناك، وإنما دفن علي - رضي الله عنه - بقصر الإمارة بالكوفة.
فظهرت بدعة الرافضة المجوسية ببناء المشاهد وتعطيل المساجد، ورَووا في إنارة المشاهد وتعظيمها والدعاء عندها من الأكاذيب ما لم يُسبقوا به، وكبر على ذلك الدين أجيال وشابَ عليه شيوخ، وتعلقوا بما يَروي مشايخهم من الإفك، وبهذا يكون إشكالٌ صعب في دعوتهم إلى الحق؛ لاختلاف مصادر الدين ومسالك الاستدلال والأصول، وهنا مكمَن عبقرية الدهاء المجوسي في قطع الصلة بين الصحابة ومن تلاهم، بالطعن في دين الصحابة، وتكفيرهم إلا أفرادًا منهم، فبتروا سند رواية الدين الموروث عن النبي، فكان لهم تشريع ما شاؤوا من بعد، وبناء أصول على ذلك، فإما أن يكون الشيعي بها شيعيًّا أو لا يكون، فهي من أصول الدين، وليس فيهم مَن يُنكِر ذلك، عكس أهل السنة فلم يَجرؤ أحد ممن يُجيز ذلك أن يعدها من أصول الدين، وجمهور علماء أهل السنة على كلمة سواء برمي أصحابها بالبدعة والضلال.
أما "مزارات الشيعة ومشاهدها - اليوم - فقد أصبحت من أكبر مظاهر الشرك بالله تعالى، ولا أمل في تغيير هذا المنكر عندهم؛ لأنه مؤيد بتلك الروايات المنسوبة زورًا لأهل البيت، عكس الأمر عند أهل السنة والذي هو انحراف في واقعهم تُنكِره أصولهم"[44].
يحكي أبو الحسن الندوي بعد زيارته لإيران عن مشهد علي الرضا: "فإذا دخل غريب في مشهد سيدنا علي الرضا لم يَشعُر إلا وأنه داخل الحرم؛ فهو غاصٌّ بالحجيج، مُدوٍّ بالبكاء والضجيج، عامر بالرجال والنساء، مزخرف بأفخر الزخارف والزينات، قد تدفَّقت إليه ثروة الأثرياء، وتبرعات الفقراء"[45].
وذكر المعاصر محمد المظفَّر في "عقائد الإمامية" أن مما امتازت به طائفته واختصت به في أضرحة أئمتهم تشييدَها وإقامة العمارات الضخمة عليها، ولأجلها يُضحُّون بكل غالٍ ورخيص عن إيمان وطيب نفس[46].
وسبب ذلك وصايا الأئمة - في زعمهم - وحثهم لشيعتهم على الزيارة، وترغيبهم فيما لها من الثواب الجزيل، وأن هاتيك القبور - كما يُزعَم - مِن خير المواقع لاستجابة الدعاء[47]؛ حتى إنهم فضلوا مشاهد الأئمة على الحرمين، وما فتئ ثُلَّة من شيوخهم القدامى والمعاصرين يجاهرون بأن كربلاء أفضل من الكعبة المشرفة، فيترنَّم مرجع الشيعة محمد حسين آل كاشف الغطاء:
ومن حديث كربلاء والكعبة
لكربلاء بان علو الرتبة
ويرى أن هذا من ضرورات مذهبهم فيقول بأن كربلاء "أشرف بقاع الأرض بالضرورة"[48]؛ لأنها شهدت آثارهم وأخبارهم، ويجعلون السعي بين ضريح العباس وموسى كالسعي بين الصفا والمروة والمسافة متساوية 385م.
وقال (آية الله) ميرزا حسين الحائري: "كربلاء تلك التربة الطيبة الطاهرة، والأرض المقدسة التي قال في حقها رب السموات والأرضين مخاطبًا للكعبة حينما افتخرت على سائر البقاع:
"قري واستقري، لولا أرض كربلاء وما ضمَّته لما خلقتُك".
وكذلك أصبحت هذه البقعة المباركة بعدما صارت مدفنًا للإمام - رضي الله عنه - مزارًا للمسلمين، وكعبةً للموحِّدين، ومطافًا للملوك والسلاطين، ومسجدًا للمصلين"[49].
ونصوص مصادر الرافضة اعتبرت كربلاء أفضل بقاع الأرض؛ فهي تعتبَر عندهم أرض الله المختارة المقدسة المباركة، وهي في مقاييسهم حَرَمُ الله وحرم رسوله وقبَّة الإسلام، وفي تربتها الشفاء، وأن هذه المزايا لم تجتمع لأي بقعة حتى الكعبة[50].
وعلى ذلك يتضح أن الذين بذروا بذورَ شرك القبور كانوا رافضة، وهذا ما تؤكده لنا عالمة الآثار الدكتورة سعاد ماهر فهمي عندما تَسرُد أوائل الأضرحة ذات القباب، فتقول: "من حيث التاريخ:
• ضريح إسماعيل الساماني، المبني سنة 296 هـ في مدينة بخارى.
• ثم ضريح الإمام علي - رضي الله عنه - في النجف الذي بناه الحمدانيون سنة 317 هـ.
• ثم ضريح محمد بن موسى في مدينة "قم" بإيران سنة 366 هـ.
• ثم ضريح (السبع بنات) في الفسطاط سنة 400هـ.
• وقد احتفظت لنا جبَّانة أسوان بمجموعة كبيرة من الأضرحة ذات القباب التي يرجع تاريخ معظمها إلى العصر الفاطمي في القرن الخامس الهجري"[51].
فبدايات تعظيم القبور واتخاذها مشاهد وأضرحة ارتبطت تاريخيًّا بأسماء: القرامطة، وبني بويه، والفاطميين (العبيديين)، والسامانيين، والحمدانيين، وجميعهم روافض وإن تفاوتوا في درجة الغلوِّ[52].
وأقدم ضريح في الإسلام أقيمت عليه قبة يرجع إلى القرن الثالث الهجري (284هـ)، وقد عُرف هذا الضريح باسم (قبة الصليبية)[53].
وفي أواخر عهد العبيديين بُني المشهد الحسيني عام 550هـ، بعد أن رأوا تزعزع سلطانهم الروحي ليجذبوا العامة نحوهم، وعهدوا إلى ابن مرزوق القرشي (ت564هـ) تربية مريدي الصوفية[54]، فانتظم أتباعه في طوائف وطرق لنشر الدعوة الإسماعيلية، إلا أن هذه التنظيمات انهارت بانهيار الدولة، وتحول المشهد الحسيني إلى "ضريح صوفي" [55].
ومكانة القبور والأضرحة المقدسة غير قابلة للمساومة في دين الرافضة؛ لذا كان لهم نشاط واسع في عمارة وتجديد المساجد ذات الأضرحة، وبخاصة في مصر وسوريا واليمن[56]، وباكستان
والعراق وحتى السودان.
مناسك الرافضة في المشاهد والمراقد:
أ- حكم زيارة المشاهد لدى الرافضة:
لِنَعي مدى تشبُّع العقل الرافضي بهذه المعتقدات، وكيف أصبح دعاء غير الله توحيدًا، والضلال رشدًا، والعمى نورًا، نطالع مصادرهم التي تقرِّر هذه المعتقدات:
عقد المجلسي بابًا بعنوان: "باب أن زيارته - الحسين - واجبة مفترضة مأمور بها، وما ورَد مِن الذم والتأنيب والتوعد على تركها"، وذكر فيه أربعين رواية[57].
وعن هارون بن خارجة عن أبي عبدالله - عليه السلام - قال: "سألته عمَّن ترك زيارة قبر الحسين - عليه السلام - من غير عِلة؟ فقال: هذا رجل من أهل النار"[58]؛ لأن دينهم اعتقاد أن زيارة المشاهد من أركان الإسلام وأصول الدين، وتركها من الكبائر.
وفي رواية: "لا تدع إتيان المشاهد كلها: مسجد قباء؛ فإنه المسجد الذي أُسِّس على التقوى من أول يوم، ومشربة إبراهيم، ومسجد الفسيح، وقبور الشهداء، ومسجد الأحزاب؛ وهو مسجد الفتح"[59].
وفي رواية: "من لم يأتِ قبر الحسين - عليه السلام - حتى يموت كان منتقص الدين، منتقص الإيمان، وإن دخل الجنة كان دون المؤمنين في الجنة"[60].
ورَووا عن جعفر أنه قال: "إن لله حرمًا هو مكة، ولرسوله حرمًا هو المدينة، ولأمير المؤمنين حرمًا وهو الكوفة، ولنا حرمًا وهو قم[61]، ستُدفن فيه امرأة من ولدي تُسمى فاطمة، مَن زارها وجبَت له الجنة"[62]، عن أبي عبدالله: "يا آل المصطفى، إنا لا نملك إلا أن نطوف حول مشاهدكم"[63].
ب- آداب وأدعية زيارة المشاهد:
جاء في "بحار الأنوار" في آداب زيارة ضريح العباس بن علي: "ثم انكبَّ على الضريح وقبِّلِ التربة - على هيئة السجود - وقل: "السلام عليك يا أول مظلوم انتُهك دمه وضيِّعت فيه حرمة الإسلام، فلعن الله أمة أسَّست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت، أشهد أني سِلم لمن سالمتَ، وحرب لمن حاربت، مُبطِل لما أبطلتَ، محقِّق لما حقَّقتَ، فاشفع لي عند ربي وربك في خلاص رقبتي من النار، وقضاء حوائجي في الدنيا والآخرة"[64].
وروي في آداب الزيارة أنه: "إذا أردت زيارة قبر موسى الكاظم وقبر محمد بن علي بن موسى فاغتسلْ وتعطَّرْ والبسْ ثوبَيك الطاهرَين، ثم قل عند قبر الإمام موسى: "السلام عليك يا ولي الله، أتيتُك زائرًا عارفًا بحقِّك، مُعاديًا لأعدائك، مواليًا لأوليائك، فاشفع لي عند ربك يا مولاي".
وكما للمشاهد آداب زيارة في الحلية فلها أوراد حين الدخول لها، ومنها:
روى الكليني في زيارة ضريح علي بن أبي طالب: "يا ولي الله، إن لي ذنوبًا كثيرة فاشفع لي إلى ربك، فإن لك عند الله مقامًا محمودًا معلومًا، وإن لك عند الله جاهًا وشفاعة، وقد قال تعالى: ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ [الأنبياء: 28]"[65].
وفي أخرى: "أتيتُك - يا أمير المؤمنين - عارفًا بحقِّك، مُستبصرًا بشأنك، مُعاديًا لأعدائك، مواليًا لأوليائك، بأبي أنت وأمي، أتيتُك عائذًا بك مِن نار استحقَّها مثلي بما جنيتُ على نفسي، أتيتُك زائرًا أبتغي بزيارتك فكاك رقبتي من النار، أتيتك هاربًا من ذنوبي التي احتطبتُها على ظَهري، أتيتك وافدًا لعظيم حالك ومنزلتك عند ربي، فاشفع لي عند ربك، فإن لي ذنوبًا كثيرة، وإن لك عند الله مقامًا معلومًا، وجاهًا عظيمًا، وشأنًا كبيرًا وشفاعة مقبولة"[66].
ج- فضل زيارة المشاهد عند الرافضة:
في فضائل الزيارة وشدِّ الرحال للمشاهد أساطير وروايات تنمُّ عن سفه عظيم، فلم يَكتفوا بالكذب في مقادير الأجر، بل غالوا حدَّ الشطط، بل حد البلادة في تعداد الثواب، وذا ما هو مقرر في أمهات المصادر بروايات بالمئات.
وفي الغالب يعقدون القياس لزيارة المقام والمشاهد بالحج، ففي كل زيارة يُكتب لك عدد من الحجات، وأحيانًا تُحتسب لك مع الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فمثلاً: "مَن زار الرضا - عليه السلام - أو واحدًا من الأئمة - عليهم السلام - فصلى عنده صلاة، فإنه يُكتَب له بكل ركعة ثوابُ مَن:
• حج ألف حجَّة.
• واعتمر ألف عمرة.
• وأعتق ألف رقبة.
• ووقف ألف وقفة في سبيل الله مع نبي مرسل.
• وله بكل خطوة ثواب مائة حجَّة.
• ومائة عمرة.
• وعتق مائة رقبة في سبيل الله.
• وكُتب له مائة حسنة.
• وحطَّ منه مائة سيئة"[67].
بالله عليكم ما قيمة الحج بعد هذا إن أصبح وحدة للقياس، وإن صارت كل حركة تعدل ما يفوق عمر الإنسان حجًّا، فلِمَ يَحجُّ الرافضي أصلاً، وأمامه أعمال أعظم من الحج آلاف المرات؟
ورَد في "الكافي": "إن زيارة قبر الحسين تعدل عشرين حجة، وأفضل مِن عشرين عمرة وحجَّة"[68].
ورُوي في "الكافي": "كان الحُسين - عليه السلام - ذات يوم في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يلاعبه ويضاحكه، وإن عائشة قالت: يا رسول الله، ما أشدَّ إعجابك بهذا الصبي؟
فقال لها: وكيف لا أحبه، وهو ثمرة فؤادي وقرَّة عيني، أما إن أمتي سَتقتُله، فمَن زاره بعد وفاته كتَب الله له حجَّة مِن حججي.
قالت: يا رسول الله، حجَّة مِن حججك؟ قال نعم؛ وحجتَين، قالت: حجتين؟ قال: نعم وأربعًا، فلم تزل تزايده وهو يَزيد حتى بلغ سبعين حجَّة مِن حجج رسول الله وآله بأعمارها"[69]، وفي رواية: "مَن أتى قبر الحسين - عليه السلام - عارفًا بحقِّه كان كمن حجَّ مائة حجَّة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم وآله"[70]، وفي رواية: ((إن الله - تبارك وتعالى - يتجلى لزُوار الحُسين - صلوات الله وسلامه عليه - قبل أهلِ عرفات، ويَقضي حوائجهم ويَغفِر ذنوبهم، ويُشفِّعهم في مسائلهم، ثم يُثنِّي بأهل عرفات فيفعل ذلك بهم))[71]، ورووا عن أبي جعفر قال: ((لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين - عليه السلام - مِن الفضل لماتوا شوقًا، وتقطَّعت أنفسهم عليه حسرات، قلتُ: وما فيه؟ قال: مَن زاره تشوُّقًا إليه كتَب الله له ألف حجَّة مُتقبَّلة، وألف عمرة مبرورة، وأجر ألف شهيد مِن شهداء بدر، وأجر ألف صائم، وثواب ألف صدقة مقبولة، وثواب ألف نسمة أريد بها وجه الله، ولم يزل محفوظًا سنتَه من كل آفة أهونها الشيطان، ووكِّل به ملك كريم يحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومِن فوق رأسه ومِن تحت قدمه، فإن مات سنته حضرته ملائكة الرحمن يَحضُرون غلسه وأكفانه والاستغفار له، ويشيعونه إلى قبره بالاستغفار له، ويفسح له في قبره مد بصره، ويؤمنه الله من ضغطة القبر، ومن منكر ونكير أن يروِّعاهُ، ويفتح له باب إلى الجنة، ويُعطى كتابه بيمينه، ويُعطَى يوم القيامة نورًا يضيء لنوره ما بين المشرق والمغرب، وينادي منادٍ: هذا مَن زار الحسين شوقًا إليه، فلا يبقى أحد يوم القيامة إلا تمنَّى يومئذ أنه كان مِن زوار الحسين - عليه السلام"[72].
وفي أصوله روايات تضعف الروايات الأولى إلا أنهم يحملونها على التقية [73].
وقد خص الرافضة زيارة الحسين يوم عرفة بفضل عظيم، فرووا: "مَن أتاه يوم عرفة عارفًا بحقِّه، كُتب له ألف حجة وألف عمرة مبرورات متقبلات، وألف غزوة مع نبي مرسَل أو إمام عادل"[74]، وما هذا إلا صريح المُعتقَد بصرفِ الناس عن مناسك الحج لما هو في دينهم أعظم منه.
وفي رواية عن جعفر أنه قال: "لو أني حدثتكم بفضل زياته - أي الحسين - وبفضل قبره لتركتم الحج رأسًا، وما حجَّ منكم أحد، ويحَك أما علمتَ أن الله اتخذ كربلاء مباركًا قبل أن يتَّخذ مكة حرمًا"[75].
وعنون المجلسي بابًا: باب أن زيارته - عليه السلام - من أفضل الأعمال[76].
روى المجلسي عن أحد فُقهائهم، قال: "مَن زار الرِّضا أو واحدًا مِن الأئمة فصلى عنده فإنه يكتب له بكلِّ ركعة يركعها عنده كثواب مَن حجَّ ألف حجَّة، واعتمر ألف عمرة، وأعتق ألف رقبة، وكأنما وقف في سبيل الله ألف ألف مرة مع نبي مرسل"[77].
يقول صاحب ميزان الحكمة: "مسجد الكوفة بيت نوح، لو دخله رجل مائة مرة كتب الله له مائة مَغفِرة؛ لأن فيه دعوة نوح - عليه السلام - حيث قال: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [نوح: 28][78].
ويروي المجلسي رواية عن الصادق أنه قال: "مسجد الكوفة صلى فيه سبعون نبيًّا، وسبعون وصيًّا أنا أحدهم"[79]، وفي رواية: "قال الحسن بن علي - عليهما السلام - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أبتاه، ما جزاء مَن زارك؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا بُني، مَن زارني حيًّا أو ميتًا، أو زار أباك أو أخاك أو زارك، كان حقًّا عليَّ أن أزوره يوم القيامة فأُخلِّصه مِن ذنوبه))[80].
وعن هارون بن خارجة قال: سمعتُ أبا عبدالله - عليه السلام - يقول: وكَّل الله بقبر الحسين أربعة آلاف ملك شُعثٍ غُبرٍ يَبكونه إلى يوم القيامة، فمَن زاره عارفًا بحقِّه شيعوه حتى يُبلغوه مأمنه، وإن مرض عادُوه بُكرةً وعشية، وإن مات شهدوا جنازته، واستغفروا له إلى يوم القيامة"[81].
د- التصنيف في مناسك زيارة المشاهد:
ذكر الشيخ أغابرزك الطهراني أن مجموع مصنفاتهم في المشاهد ومناسِكِها قد بلغ ستين كتابًا[82].
• ضمن المَجلسي "بحار الأنوار" ثلاثة أجزاء عنوانها: كتاب المزار، حوى مئات الروايات، وكذا العاملي في "وسائل الشيعة" ذكر 106 أبواب بعنوان أبواب المزار، والكاشاني في "الوافي" عقد 33 بابًا بعنوان: أبواب المزارات والمَشاهِد، وابن بابَويه في "من لا يَحضُره الفقيه" أبوابًا عِدَّة، وفي "التهذيب" للطوسي، و"مستدرك الوسائل" حوى 86 بابًا في الزيارات والمشاهِد، أما المصنَّفات المُفرَدة للزيارة فقط، فمنها:
• "كامل الزيارات" لابن قولويه.
• و"عمدة الزائر" لحيدر الحسيني.
• و"ضياء الصالحين" للجوهري.
• و"تحفة الزائرين" للمجلسي.
• و"مفاتيح الجنان" لعباسي القمي.
بعض ما في فهرس الكتاب "مفاتيح الجنان":
الفصل الخامس: في تعيين أسماء النبي والأئِمَّة المَعصُومين (ع) بأَيام الأسبوع والزيارات لهم في كُلِّ يَوم.
الفَصلُ السَّادِس: في ذِكر نُبذ مِنَ الدَّعَواتِ المَشهُورة، مِن تِلكَ الدَّعوات دُعاءُ الصَّباح لأمير المؤمنين (ع)، دُعاء كميل بن زياد (رض)، دُعاء العشرات، دعاء السمات، دعاء المشلول، الدعاء المعروف بـ: يستشير، دعاء المجير، دعاء العديلة، دعاء الجوشن الكبير، دعاء الجوشن الصغير، دعاء السيفي الصغير المعروف بـ: (دعاء القاموس القدرة)، دعاء مكارم الأخلاق.
الفصل الثامن: من المناجاة الخامسة عشرة لمولانا علي بن الحسين (ع): مناجاة التائبين.
ثلاث كلمات من مولانا علي (ع) في المناجاة: الفصل الأوَّل: في فضل شهر رجب وأعماله.
الفصل الحادي عشر: في أعمال عامة الشهور، وأعمال النيروز، وأعمال الأشهر الرومية.
القسم الثالث:
الفصل الأول: في آداب الزيارة.
الفصل الثاني: في ذكر الاستئذان للدخول في كل من الروضات الشريفة.
الفصل الثالث: في زيارة النبي والزهراء (ع).
الفصل الرابع: في فضل زيارة مولانا أمير المؤمنين (ع) وكيفيته.
الفصل الخامس: في فضلِ الكوفة ومسجدها الأعظم، وأعماله وزيارة مُسلم (ع).
الفصل السابع: في فضل زيارة أبي عبدالله الحُسين (ع).
الفصل الثامن: في فضل زيارة الكاظمين (ع).
الفصل التاسع: في فضل زيارة إمام الإنس والجنِّ المدفون بأرض الغربة، بضعة سيد الورى.
الفصل العاشر: في زيارة أئمة سُرَّ مَن رأى (ع).
بعض أبواب مِن فهرس كتاب (كامل الزيارات) لأبي القاسم جعفر بن محمد بن قلويه:
الباب 19: ما يُستحَب مِن طين قبر الحسين - عليه السلام - وأنه شفاء.
الباب 39: مِن أين يؤخذ طين قبر الحسين - عليه السلام - وكيف يؤخذ.
الباب 49: ما يقول الرجل إذا أكل طين قبر الحسين - عليه السلام.
ختامًا:
هذا هو حقيق دين القوم؛ لا يُشابه دين المسلمين غير اقتباس المسميات، وأمره مبنيٌّ على دين المجوس بطوائفهم المتكاثرة، وجملة معتقداتهم لا تحيد عن دين الفرس، مع إحاطة الباحث علمًا أن ما كان فيه مُشابهًا لليهود أو النصارى، فهو لم يمرَّ للرافضة بالمجاورة أو الاقتباس، بل بالوراثة عن المجوس، فالزرادشتية تشعَّبتْ كثيرًا لتأثيرات هندوسية ويهودية ونصرانية، والفرس مولعون بالتلفيق بين الأديان، والفلسفة انتشرت في الفرس أيام الكسرى أنوشروان، وانتقلت لهم طقوس النصارى بانتقال المدرسة الفلسفية اللاهوتية مِن الشام الرومانية إلى فارس المجوسيَّة.
أما تسرُّب ديانة الرافضة للمسلمين فكان عبر الصوفية؛ لأنهم لما فتَحوا باب الظاهر والباطن والشريعة والحقيقة، فكأنما شرعوا أبوابهم للباطنية، فكانوا مِن كل حدب ينسلون للتداعي عليهم.
والعامة مولَعون بالتقرب للمَحسوس، وهي مِن أكبر الشُّبَه التي تَحيكها شياطين الإنس للتأسيس للشرك، ولا يَفتقِد المشركون في أي عصر أو مكان أن يُلفِّقوا شُبَههم ويُزخرِفوا القول؛ لئلا يتشابه الأمر، وتتكرَّر الصور، فيُفضَح بيت القصيد.
لكن تحقيق المناط أنَّ شدَّ الرحال للقبور وتقديس القبور هي مظاهر شركية، وليست ذرائع للشرك، وذا فصل الخطاب.
[1] شد الرحال للقبور: مهدي الكاظمي القزويني، مجلة المنار، 22 شعبان 1345، العدد: 28 (349).
[2] تيسير العزيز الحميد: سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب، (ص: 283).
[3] الشيخ المفيد ابن النعمان، كان من أجلِّ مشايخ الشيعة ورئيسهم وأستاذهم، له بحوث واعتزال وأدب، كان من علماء الاثني عشرية الذين ساهموا في إدخال أقوال المعتزلة ومذاهبهم الكلامية في المذهب الاثني عشري، ت: 413 هـ.
[4] محمد بن الحسن بن علي، أبو جعفر الطوسي فقيه الشيعة، أخذ عن ابن النعمان أيضًا وطبقته، له مصنفات كثيرة في الكلام على مذهب الإمامية، وجمع تفسير القرآن، وأملى أحاديث وحكايات في مجلس، حدَّث عن المفيد وهلال الحفار، وَغيرهما، روى عنه ابنه الحسن وَغيره، قال ابن النجار: أُحرقت كتبه عدة نُوَب بمحضر من الناس في رحبة جامع القصر، واستتر هو خوفًا على نفسه بسبب ما يظهر عنه من انتقاص السلف، مات بمشهد عليٍّ في المحرم سنة ستين وأربع مائة؛ لسان الميزان: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني؛ تح: عبدالفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية: بيروت، ط (1)، 2002، (ح: 7)، (ص: 83).
[5] منهاج السنة: ابن تيمية، (1: 474 - 647).
[6] وحقيق قولهم هو تأليه الملائكة الموجودة في الأفلاك؛ لذا تجد بعض تفسيراتهم لأسماء الكواكب على أنها مسميات ملائكة، فعبدة الكواكب طائفة منهم تجعل للكواكب والنجوم روحانيات بعقول وأنفس، وخاصتهم تصنفها بالملائكة؛ لذا تجد أن آخِر فلك يُسمى عند الإسماعيلية بالعقل الفعال وهو (جبريل)، بكل صلاحياته وصفاته.
[7] فجر الإسلام: أحمد أمين، (ص: 276 - 278).
[8] يقول الدكتور محمد أحمد الخطيب في الأصل التاريخي للباطنية: الواقع أن مؤرخي الفرق مختلفون في أصلها ومصدرها؛ فمنهم مَن يُرجعها إلى المجوس، ومنهم من ينسبها إلى صابئة حران، إلا أن هذا الاختلاف يزول عندما نعرف أن الأصول التي يعتمد عليها الباطنية بكل فِرَقها وطوائفها نابعة من الفلسفة اليونانية التي غزَت بأفكارها الكثير مِن الفِرَق، والفلسفة اليونانية الأكثر تأثيرًا هي فلسفة أفلوطين الإشراقية الغنوصية، وفيثاغوراس بفلسفته العددية، ويمكن القول بأن منظومة عبدالله بن سبأ هي منظومة غنوصية باطنية، ويرى المؤرخون أن "التصوف الإسلامي الحلولي" المتطرف ذو طابع غنوصي باطني، كما يُصنَّف بعض غلاة الشيعة ضمن الغنوصيِّين، ويُصنَّف العلويون "النُّصَيريُّون" باعتبارهم جماعة إسلامية ذات توجُّه غنوصي؛ الحركات الباطنية في العالم الإسلامي: محمد أحمد الخطيب، (ص: 20)، دراسات في الفِرق: عبدالله الأمين، (ص: 81).
[9] الردود السلفية على الرافضة الإمامية: مجموعة من العلماء السلفيين، (ص: 60).
[10] راحة العقل: الكرماني، (ص: 189)، وهذا الأسلوب في الكلام عن الصفات من تلبيس الجهمية في نفي الصفات؛ حيث إن مَن لا يعي مقالهم قد يتوهَّم إثبات الصفة، والمقالة على خلاف ذلك؛ فمُرادهم أن الصفة هي عين الموصوف؛ أي أن لا معنى قائم بالذات، فمعنى أنه عالِم هو ذاته وفقط، ولا وصف لله بالعلم يترتَّب عنه علمُه بكلِّ شيء.
[11] دائرة المعارف الإسلامية: (3: 381).
[12] الثائر الحميري الحسن بن الصباح: مصطفى غالب، (ص: 102).
[13] المرجع السابق: (ص: 11)، والحدان العقل الكلي السابق القلم، والنفس الكلية التالي اللوح المحفوظ، يُقابِلهما حدا الدين النبي والوصي، وهما الكاف والنون، ولهما صفات العالم العُلوي في العالم السفلي؛ فالناطق والإمام لهما صفات وأسماء العقل الكلي، فالإمام هو الواحد الفرد الصمد، وذا ما نَجده في أشعار مادِحي الإسماعيليَّة خاصة العُبيديِّين:
ما شئتَ أنتَ لا ما شاءتْ الأقدار
فاحكم فأنتَ الواحد القهار
- أديان المؤيد في الدين داعي الدعاة؛ تحقيق محمد كامل حسين، (ص: 98).
[14] هذه هي نظرية المثل والمثول للإسماعيلية، وليست أكثر من تطوير أو إعادة صياغة لنظرية المثل الأفلاطونية.
[15] تُقابلها في الإنجليزية كلمة " إمانتيزم emanatism، وهي من الكلمة الإنجليزية " إمانيشن emanation"، ولذا تأتي الكلمة على النحو التالي: " إمانيشانزم emanationism"، وهي شكل مِن أشكال القول بوحدة الوجود، ويُعتبر هرقليطس الفيلسوف المادي اليوناني أول مَن عبَّر عن نظرية الفيض بقوله: "كل الأشياء تفيض"، وقد قال الأفلاطونيون المحدثون: إن علاقة المُثُل (الأفلاطونية) بعالم الموجودات الحسية ليست علاقة خلق، وإنما علاقة فيض؛ إذ يفيض الإله عن ذاته فيظهر العالم أو ينبثق عنه العالم، فالفيض يحدث كما تسيل المياه أو كما يصدر النور عن الشمس، ومهما كانت الصورة المستخدَمة، فإن الفيضان أو الانبثاق لا يَنتُج عنهما تَغيُّر في المصدر، وعملية الفيضان والانبثاق تفترض وجود طرف أعلى وطرف أسفل، وقمة وحضيض "ثنائية صلبة"، ولكنهما ليسا منفصلين، فالإله هو العقل الكلي، والنفس الكلية هي التي فاضت عنها نفوس الكواكب ونفوس البشر وسائر الموجودات الحسية، وبذلك تتحقَّق الصلة العضوية الحلولية الكمونية بين العالم الأعلى والعالم الأسفل، والرؤية الفيضيَّة بتأكيدها الصِّلَة العُضوية والمباشرة بين الخالق والمخلوق تُنكِر فكرة الخلقِ مِن العدم، وتفتَح الباب على مصراعيه لتقاليد النبوة المنفتحة التي لا تنتهي، وتناسخ الأرواح، فالإشكالية القائمة لدى الفلاسفة القُدامى هو رفض نظرية الخَلقِ مِن عدم، أي نظرية حدوث العالم، ثم تَليه إشكالية الجمع بين الأحادية والتعددية، أي بين الفرد الواحد والكثرة المتعدِّدة، فإن كان الأول واحدًا لا تعدُّد فيه اسمًا أو صفة أو فِعلاً، فكيف تُفسَّر الكثرة في العالم، وكيف تنشأ من الواحد؟
[16] أربع رسائل إسماعيلية: عارف تامر، (ص: 19).
[17] مذاهب الإسلاميين: عبدالرحمن بدوي، (2: 267).
• الثائر الحميري الحسن بن الصباح: مصطفى غالب، (ص: 113).
[18] مسائل مجموعة من الحقائق العالية، (ص: 180).
[19] راحة العقل، المشرع السادس من السور الثالث، (ص: 195).
[20] حاول البحث في "نظرية الفيض" ستجد اختلافًا طفيفًا في معنى "العقل الأول" و"الأول" و"العقل الكلي"، (وفي الغالب هو تلاعُب لفظي لا أكثر من الباطنية، لذا حاولنا إحصاء المسميات؛ لأنهم يلبسون بين الخالق "الله تعالى" وبين "العقل الأول" المخلوق "الأول"؛ لأنهم يعتقدون أنه هو الخالق، فيحصل الالتباس والتدليس؛ لئلا يقروا بعقيدتهم في الله تعالى، وأن الكون له خالقان إلهَان، هما "العقل الكلي" و"النفس الكلية "فانتبه.
[21] الإسماعيلية؛ تاريخ وعقائد: إحسان إلهي ظهير، (ص: 287).
[22] وهنالك العقل الفعال الثاني، وهو آخر العقول وهو المتواصل مع الأرض وما فيها، وعندهم اللوح المحفوظ، والمعارف والعلوم اللدنيَّة، (والمراد به جبرائيل).
[23] أي العناصر الأربعة: النار، الماء، الهواء، التراب.
[24] الجمادات، النباتات، الحيوانات.
[25] رسالة مطالع الشموس: أبو فراس، (ص: 19 - 20)، (ضمن أربع رسائل إسماعيلية).
[26] رسالة الأصول والأحكام: حاتم بن عمران، (ص: 111).
[27] فضائح الباطنية: الغزالي، (ص: 37 - 39).
[28] مساجد مصر: سعاد ماهر، (ص: 46).
[29] حقيقة القبورية: المنتدى الإسلامي، الرياض، ط (1)، 1999، (ص: 26).
[30] مساجد مصر وأولياؤها الصالحون: سعاد ماهر، (1: 102 - 103).
[31] موالد مصر المحروسة: عرفة عبده علي، (ص: 71).
[32] مجموع الفتاوى: ابن تيمية، (27: 61 - 62).
[33] الرد على البكري: أحمد بن عبدالحليم بن تيمية الحراني أبو العباس؛ تح: محمد علي عجال، مكتبة الغرباء الأثرية: المدينة المنورة، ط (1)، 1417، (ص: 590 - 593).
[34] القاموس المحيط: الفيروزآبادي، (1: 295).
[35] المحكم والمحيط الأعظم: ابن سيده، (1: 455).
[36] تكملة المعاجم العربية: المؤلف: رينهارت بيتر آن دوزي، نقله إلى العربية وعلَّق عليه: محمَّد سليم النعيمي، جمال الخياط، وزارة الثقافة والإعلام: بغداد، ط (1)، من 1979 - 2000 م، (6: 368).
[37] بحار الأنوار: (94: 33).
[38] أخرجه الإمام أحمد، 2: 367، وأبو داود، كتاب المناسك، (باب زيارة القبور)، وصحَّحه الألباني: صحيح سنن أبي داود: (ح: 1769).
[39] أخرجه أخرجه أحمد (2: 246)، وابن سعد في (الطبقات) (2: 362)، وأبو نعيم في (الحلية) (7: 317) بإسناد صحيح، وأما قول الهيثمي، في (مجمع الزوائد)، وصحَّحه الألباني: أحكام الجنائز، (ص: 216).
[40] صحيح مسلم: كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر، (حديث: 1662).
[41] مجموع فتاوى ابن تيمية، (27: 466).
[42] رواه البخاري في صحيحه (13: 303)، ومسلم (2: 1106) عن ابن عمر - رضي الله عنهما.
[43] الصارم المنكي: ابن عبدالهادي، (ص: 12).
[44] أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية: ناصر بن عبدالله بن علي القفاري، (3: 1028).
[45] من نهر كابل إلى نهر اليرموك: أبو الحسن الندوي، مجلة الاعتصام، السنة: 41، العدد 3، (ص: 93).
[46] أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية: ناصر بن عبدالله بن علي القفاري، (3: 1029).
[47] عقائد الإمامية: محمد رضا المظفر، (ص: 133).
[48] الأرض والتربة الحسينية: محمد حسين آل كاشف الغطاء (55 - 56).
[49] أحكام الشيعة: الحائري، (1: 32).
[50] تاريخ كربلاء: عبدالجواد آل طعمة (115 - 116).
[51] مساجد مصر وأولياؤها الصالحون: سعاد ماهر محمد، (1: 46).
[52] التاريخ الإسلامي: عبدالعزيز بن عبدالله الحميدي، (6: 149).
[53] مساجد مصر وأولياؤها الصالِحون: سعاد ماهر محمد، (1: 46).
[54] هذه إحدى التقنيات الرافضية الباطنية الشديدة الخطورة والفاعلية لاختراق أهل السنة - خاصة العامة - بتسريب الأفكار والمعتقدات عبر التصوف، بعرض الباطل في قالب صوفي عرفاني لا يَخضع لا لقانون العقل، ولا هو بحاجة لإثبات بالنقل؛ لأن معياره ذاتي قلبي كشفي.
[55] الصوفية والسياسة في مصر: عمار علي حسن، (ص: 88).
[56] شهر في دمشق: عبدالله بن محمد بن خميس (67).
[57] بحار الأنوار: المجلسي، 100: (1 - 11).
[58] وسائل الشيعة: العاملي، (10: 336 - 337)، (تهذيب الأحكام: الطوسي، (2: 14).
[59] بحار الأنوار: المجلسي (100: 215).
[60] المصدر نفسه: (100: 4).
[61] و"قم" كلمة فارسية لمدينة مقدَّسة ومشهورة عند الشيعة في إيران، قدَّسوها لوجود قبر فاطمة بنت موسى بن جعفر إمامهم السابع، ويرجع الفضل في زيادة أهمية "قم" للشاه عباس الصفوي الكبير، الذي اهتمَّ بتشجيع زيارة القبور داخل المملكة الإيرانية الصفوية؛ حتى لا تتسرَّب الأموال خارج البلاد، ولنفسِ السبب يُعزى دفن الملوك الصفويِّين في قم؛ معجم البلدان: ياقوت الحموي (4: 397).
[62] بحار الأنوار: المجلسي، (102: 276).
[63] بحار الأنوار: المجلسي، (100: 126).
[64] المصدر نفسه: (98: 237).
[65] الكافي: الكليني، (4: 569).
[66] المصدر نفسه: (ص: 571).
[67] بحار الأنوار: المجلسي، (97: 137 - 138).
[68] فروع الكافي: الكليني، (1: 324).
• وسائل الشيعة: العاملي، (10: 348).
• تهذيب الأحكام: الطوسي، (2: 16).
• وسائل الشيعة: العاملي (10: 348).
[69] المصدر نفسه: (10: 351).
[70] وسائل الشيعة: العاملي، (10: 350).
[71] بحار الأنوار: المجلسي، (100: 37).
[72] وسائل الشيعة: العاملي، (1: 35).
[73] بحار الأنوار: المجلسي، (101: 35).
[74] فروع الكافي: الكليني، (1: 324).
• من لا يَحضره الفقيه: ابن بابويه القمي، (1: 182).
• التهذيب: الطوسي، (2: 16).
[75] بحار الأنوار: المجلسي، (101: 33).
[76] المصدر نفسه: (101: 49).
[77] المصدر نفسه: (100: 137 - 138).
[78] ميزان الحكمة: (4: 398).
[79] بحار الأنوار: المجلسي، (11: 58).
[80] المصدر نفسه: (100: 140).
[81] الكافي: الكليني، (4: 584).
[82] الذريعة: آقا بزر الطهراني، (20: 316 - 326).