أُنَاجِي الله في مُدُني التي احْتَرَقَتْ ...
وَيَبْكي القَلبْ مَكْلُوماً بما اقْتَرَفَتْ ...
أَيادي الظُّلِم يا وطَنيْ ..
فأنتَ سَليبُ ..
قَريبٌ أنتَ يا وطني ..
وأنتَ غَريبُ ...
سَماؤُكَ لَسْتُ أذْكُرُ أنّها زَرُقَتْ ..
وَأرْضُكَ رَغْمَ ذاكَ المَدِّ ..
ما رَحُبَتْ ..
وتِلكَ شِفَاهُكَ الثَّكْلى ..
يَذُوبُ بها النَّحيبُ ...
ولا أَدْرِي ..!!
متى تَهْتَزُّ يا وطني ..؟
متى تَكْسِرْ قُيودَ الصَّمْتِ عَن لُغَتِيْ ..
متى عن بعضِ أَسْئِلَتِي ..
أيَا وطَني تُجِيبُ ...؟
مَتى ...؟
مَتى يَصْحو بِكَ المَوْتُ ..
متى تَرْتَاحُ أَغْصانِي ..
متى تَغْفُو بَسَاتِينِي بأَحْضَاني ..
مَتى يَشْدُو بِكَ الصَّوتُ ...؟
أَتَبْقَى مَسْرَحَاً لِدَمِي ..
وَيُعْبَدُ فيكَ طَاغوتُ ..
أَتَظَلُّ روحِي تَقْتَفِي حُلُمِي ..
فَيَأسِرها رَغِيفُ الخُبْزِ والقُوتُ ..
أَتُرَى سَأبْقَى دَائِماً أبَداً ..
أُهَاجِرُ مِن غَدِي لِغَدِيْ ..
وَيُعيدُني لِأَنِينِ الأَمْسِ تَابُوتُ ..؟
فَأُمْضِيْ العُمْرَ مُلْتَفٌّ بِأَحْزَانِيْ ..
وَمَلْغُومٌ بِأحْلامي ..
وَمَوْقُوتُ ..؟
أَتُرَاكَ يا وطني ..
يَومَاً سَتُنْصِفُنِي ..
أَمْ أنَّ آخِرَ مَا تُفَكِّرُ فيه ..
إِنْصَافِي ..
فَإلى مَتَى...
سَتَظَلّ مَعْشُوقِي وَسَيَّافِي ؟
وإلى مَتى سَتَظَلّ تَذْبَحُنِي بِسِكِّينِي ..
فَتَنْعَاني وَتُعْلِنْ بَالِغَ الأَسَفِ ؟
إلى مَتى بِأرْضِ الغَيْرِ تَزْرَعُنِي ..
وَتُسْكِنُ مَنْزِلِيْ ضَيْفِي ؟
إلى مَتى سَتَظَلّ الرِّيحُ تُشْعِلُ فِتْنَتِيْ ..
فَتَشْطُرُ حَرْبَتِيْ كَبِدِيْ ..
وَيُغْرَسُ دَاخِليْ سَيْفِيْ ؟
إِلى مَتى سَأَظَلُّ أُخْفِيْ ثَورَتِيْ خَلْفَ قَافِيَتِي ..
فَيَخْفُتُ في الفَضَا ضُوئِيْ ..
وَيَكْبُرُ في المَدَى خَوْفِيْ ؟
إِلى مَتى سَتَظَلّ القُدْسُ تَطْلُبنيْ ..
وَيَبْقَى مُبْعَدٌ جَسَدِي ..
فَيَسْرِيْ نَحْوَهَا طَيْفِيْ ؟
مَتى تُوقِنْ بَأنَّهُ فَاضَ الكَيْلُ ..
أَو يَكْفِي ؟
مَتى يا بِلادَ الخَيْلِ والسَّعْفِ ؟
***************
إلَهيْ ...
وَقَفْتُ يَوْمَاً عَلى بَوَّابَةِ الوَطَنِ ..
مُنِعْتُ مِنْهُ بِأَبْوَابٍ مُغَلَّقَةٍ ...
صِحْتُ فِيه لِيَحْنُو وَيُدْخِلَنِي ..
فَرَدَّ عَلَيَّ بِأَصْواتٍ مُعَتَّقَةٍ ...
قَالَ: مَنْ؟
قُلْتُ: أَنَا المَنْفِيُّ خَلْفَ السُّور ...
أنا نَخْلٌ بِأَرْضٍ بُور ...
إِنْ كُنتَ تَجْهَلني ..
أنا ابْنُ اللَّيْلِ وابْنُ النُّور ..
وابْنُ خَالِدَ والمَنْصُور ..
أنا ابْنُ مُنْجِبَةِ الزُّهُور ...
مَالِيْ أَرَاكَ وَهِنْتَ ..
فَصِرْتَ أَوْهَنُ منْ بُيوتِ العَنْكَبُوتِ ..
وأَقْسَى من صُخُور ...
إلى متى سَتَظَلّ تَحْلُمُ بانْتِصَاراتِ القُبُور ؟
إلى مَتى سَيَظَلُّ فيكَ النَّمْلُ ...
يَصْطَادُ الصُّقور ؟
إلى مَتى سَتَظَلّ بُرْكَاناً عَتيقَاً ..
لا يَثُور ؟
متى يَمْتَدُّ غَضَبي مِن ضِفَافِكَ ..
كالجُسُور ؟
قالَ: يَكْفي ..
قَدْ أَزْعَجْتَ سُكَّانَ القُبور ...
قُلْتُ: إِذَنْ ..
لا تَصْحُ وطَني وَاسْقِنِي كَأسَ المُدَامْ ..
عَلَّنِي أَنْسَى جِرَاحِي ..
فَهذِي قِصَّتي ..
هُزِمَتْ بِأَسْطُرِهَا أَسَاطِيلُ الغَرَامْ ...
وإِلى الوَرَاءِ تَقَدَّمْ .. تاركاً زَمَني ..
وَكُنْ ظُلُمَاً طَريداً للظَّلامْ ...
واخْضَع بِعِزٍّ .. وَسَلِّمْ غُرْبَتِيْ ..
لِسَلامٍ هَاجَرَتْ مِنهُ حَمَامَاتُ السَّلامْ ...
واخْلُدْ لنَومٍ ... عَلَّني ..
آتيكَ فَجْرَاً في المَنامْ ...
***************
أَعَلِمْتَ وطني ؟
قَدْ صَارَ عِشْقي للزَّنابِقِ سَاحَة ..
فيها حُدودُ الله في الأرضِ ..
مُبَاحَة ...
فيها يَغيبُ الفَجْرُ دَهْراً ..
وَيُحَاكَمُ الدِّيكُ لو في اللَّيلِ صَاحَا ...
فيها يَصِيرُ الجِرْذُ مُهْراً ..
وَتُفَتِّشُ المُهْرُ وَقْتاً لاستِراحة ...
فيها يَتِيهُ الدُّودُ شَرَفاً ..
ويقلَّدُ الخِنزيرُ لَقَبَ سَمَاحَة ...
فيها تَهيمُ ذِئَابُ حَاكِمِها بَغْياً وَعَرْبَدَةً ..
فإذا اكْتَفَتْ ..
تُسَامِرُ الأَقْداحا ..
***************
حِينَها ...
وَجَّهْتُ وَجْهي للضَّياعِ مُغَادِرا ...
وَهَجَرْتُ أَحْلامي تَئِنُّ ..
مُكَابِرَا ...
وَدَعَوْتُ رَبِّي .. مِثْلَ نُوحٍ يائِسَاً ..
أَن لا يُخَلِّفَ فَوقَ أرِضِهِ كَافِرَا ...