الفرع الثالث : آثار الصلح بين الزوجين
اثر الصلح بين الزوجين هو حسم النزاع الذي وقع عليه ، و الصلح في الأصل يكشف الحقوق لا ينشئها ، و أثره نسبي بالنسبة للأشخاص و بالنسبة إلى المحل و السبب ، و عليه نتكلم في نقطتين هما : 1/ حسم النزاع 2/ الأثر الكاشف و النسبي للصلح .
1/ حسم النزاع : يتم حسم النزاع بين الزوجين و ذلك بانقضاء الحقوق و الادعاءات التي نزل عنها كل منهما و يستطيع كل واحد منهما أن يلزم الآخر بما تم عليه الصلح أو يطلب فسخه لعدم التنفيذ .
أ- انقضاء الحقوق و الادعاءات : نصت المادة 462 ق م على " ينهي الصلح النزاعات التي يتناولها / و يترتب عليه إسقاط الحقوق و الادعاءات التي تنازل عنها احد الطرفين بصفة نهائية " كما نصت المادة 50 من قانون الأسرة على انه " من راجع زوجته اثناء محاولة الصلح لا يحتاج الى عقد جديد و من راجعها بعد صدور الحكم بالطلاق يحتاج الى عقد جديد " من هنا يتبين أن الصلح له اثر انقضاء الحقوق و الادعاءات دون الحاجة إلى عقد زواج جديد ، ما تم التنازل عليه ينقضي و ما تم الصلح عليه يثبت .
على أن تفسير عبارات التنازل التي تضمنها عقد الصلح بين الزوجين يجب أن تكون في نطاق ضيق حيث يتناول الحقوق التي كانت محل نزاع و حسمها الصلح فقط دون غيرها [3] ، و يستند في ذلك قاضي الموضوع إلى أسباب معقولة ، و الواقع أن مثل هذا الصلح القضائي قد لا يثير أي إشكال في تفسيره كون انه تم تحت إشراف القاضي ، غير أن الصلح الإتفاقي الذي يتم بين الزوجين و تصادق عليه المحكمة قد يشكل إشكال فقد يتضمن صياغة غير محكمة و دقيقة مما يعرضه إلى الوقوع في الغموض فعندئذ يلجأ إلى القواعد العامة في تفسير العقود .
ب- طرق الإلزام بالصلح : و يتم بطريقين إما بالدفع به لعدم تجديد النزاع أو بطلب فسخ الصلح إذا اخل احد الطرفين به .
ـ الدفع بالصلح : إذا إنحسم النزاع طبقا للمادة 49 من ق الاسرة و المادة 443 من ق إ م إ ، لم يجز لأي من الزوجين المتصالحين أن يجدد هذا النزاع ، لا بإقامة دعوى جديد و لا بالمضي في الدعوى التي كانت مرفوعة ، و يستطيع المتصالح الآخر الدفع به و تنقضي ولاية المحكمة على الخصومة و لا يصح ان تحكم فيها حتى بالمصروفات ما دام الصلح قد ابرم بمعرفتها طبقا للمواد 106 ، 107/ 1 و 2 ، ، كما يجوز للزوجين المتصالحين وضع شرط جزائي للتأخر في تنفيذه فتتبع في ذلك القواعد العامة المقررة طبقا للمادة 183 من القانون المدني .
ـ فسخ الصلح : بما أن الصلح بين الزوجين عقد ملزم لجانبين فيرد عليه الفسخ وفقا للقواعد العامة المقررة في نظرية العقود ، فيجوز لكل من المتصالحين الطعن فيه بدعوى أصلية لإبطاله لعيب من عيوب الإرادة أو لغيره من أسباب البطلان .
كما يجوز المطالبة بفسخ الصلح كما هو الأمر في سائر العقود الملزمة لجانبين ، فإذا اخل احد الزوجين بالتزامه المحدد في عقد الصلح جاز للطرف الآخر المطالبة بفسخه ، غير أن فريقا من الفقهاء في فرنسا اعترضوا على ذلك كون أن الصلح كاشف للحق فإذا تصالح زوجان وارثان تنازعا على ميراث بيت و ارض و اختص احدهما بالبيت و الثاني بالأرض اعتبر كل منهما مالكا لما اختص به لا بعقد الصلح بل بالميراث ، فلا يتصور إذن فسخ الصلح في هذه الحالة ما دام كل منهما قد اقر للآخر بملكية ما اختص به و الإقرار إخبار لا إنشاء .
2/ الأثر الكاشف و النسبي للصلح : إن الصلح بين الزوجين في الأصل يكشف عن الحقوق لا ينشئها و أثره نسبي للأشخاص و السبب .
أ – الأثر الكاشف للصلح :
ـ بالنسبة للحقوق المتنازع عليها : من نص المادتين 36 ، 37 من قانون الأسرة يتبين أن الصلح بين الزوجين له اثر كاشف في الحقوق المتنازع فيها طبقا لوجود ذمة مالية مستقلة لكل زوج عن الآخر ، فالحقوق تستند في أصلها إلى ما تقرر من واجبات على الزوجين و إلى الأموال المكتسبة لأي منهما . كما نصت المادة 463 من القانون المدني على " للصلح اثر كاشف بالنسبة لما اشتمل عليه من حقوق ، و يقتصر هذا الأثر على الحقوق المتنازع فيها دون غيرها"
و عليه فان الحق الذي يخلص للزوج المتصالح بالصلح يستند إلى مصدره الأول لا إلى الصلح ، فإذا اشترى زوجان أرضا بالشيوع ثم تنازعا على نصيب كل واحد منهما فيها ، و تصالحا على أن يكون لكل منهما نصيب معين اعتبر كل منهما مالكا لهذا النصيب بعقد البيع الذي اشتريا به الأرض لا بعقد الصلح .
ـ بالنسبة للحقوق غير المتنازع فيها : للصلح بين الزوجين اثر منشئ او ناقل للحقوق غير المتنازع فيها ، و التي قد تكون حقوقا غير مالية كما أنها قد تتضمن حقوقا مالية .
وقد اقتصر نص المادة 463 من ق المدني على الأثر الكاشف للحقوق المتنازع فيها دون غيرها ، غير ان الصلح قد يتضمن حقوقا غير متنازع فيها ، و في هاته الحالة ينشئ الصلح التزامات أو ينقل حقوقا فيكون له اثر منشئ او ناقل لا اثر كاشف و مثال ذلك ( أن ينزل زوج صلحا عن ارض متنازع فيها للزوج الآخر في نظير أن يلتزم الآخر للأول بدفع مبلغ من النقود أو يعطيه دارا ، فهنا الصلح يعتبر منشئا بالنسبة إلى الالتزام بدفع المبلغ من النقود و ناقلا بالنسبة إلى الدار و كاشف بالنسبة إلى الأرض لأنها هي الحق المتنازع عليه ) .
ب - الأثر النسبي للصلح :
ـ بالنسبة لأطرافه : نصت المادة 04 من ق الأسرة على أن " الزواج عقد رضائي يتم بين رجل و امرأة على الوجه الشرعي ، من أهدافه تكوين أسرة أساسها المودة و الرحمة و التعاون ، و إحصان الزوجين و المحافظة على الأنساب " و نظرا لطبيعة عقد الزواج الخاصة و المتسمة بالقدسية ، فاذا ابرم زوجان عقد صلح بينهما فان اثره لا ينصرف للغير من الناس و لو كانوا من الاقارب كالورثة ، فاذا تصالحت الزوجة المصابة مع الزوج المسؤول عن الاصابة ، ثم ماتت الزوجة من جرائها ، فان الصلح لا يحتج به من قبل الزوج المتصالح على ورثة الزوجة المصابة فيما يخص بالتعويض المستحق لهم شخصيا بسبب وفاة المصابة و يستثنى من هته القاعدة فيما اذا كان احد الزوجين احد المدينين المتضامنين ، فان الصلح بين الزوجين في هته الحالة ينصرف اثره الى جميع المدينين المتضامنين فيما يتعلق باكتساب الحقوق دون تحمل الالتزامات طبقا للقواعد العامة ، ذلك ان التضامن بين المدينين مفترض ، و اذا قام احدهم بالوفاء للزوج المتصالح الدائن سقط الدين عن الزوج المتصالح المدين .
و نصت المادة 108 من ق المدني على انه لا يترتب على الصلح نفع و لا ضرر لغير عاقدين ، حتى لو وقع على محل لا يقبل التجزئة ، فاذا تصالح زوج وارث مع زوج موصى له على وصية فالورثة الآخرون غير الزوجين لا يحتجون بهذا الصلح ، و لا يحتج به عليهم . [4]
ـ بالنسبة للمحل و السبب : تناولت المادة 36 من ق الأسرة واجبات الزوجين و أكدت المادة 37 من ق الأسرة الذمة المستقلة لكل واحد منهما و أجازت عقد الصلح فيما يطرأ من حقوق مالية متنازع عليها فإذا وقع هذا الصلح فيجب أن يقتصر على الحق المتنازع عليه دون غيره و هذا ما يعرف بالأثر النسبي للصلح في المحل ، كما أن الصلح بين الزوجين له اثر نسبي فيما يتعلق بالسبب فإذا تم على حق أو حق تلقاه احدهما على سبب معين ثم تلقى نفس الحق من شخص آخر أو على سبب آخر فان هذا الحق المكتسب لا يرتبط بالصلح ، و مثال ذلك : تصالح الزوج مع زوجه على ارض اشتراها منه و بعد ذلك اشترى نفس الأرض من شخص آخر ، فالصلح لا يجاوز النزاع القديم إلى السبب الجديد ، و يحتج الزوج المتصالح على زوجه بالبيع الصادر له من الشخص الآخر [5] ، فهنا اثر الصلح بين الزوجين في النزاع بينهما يقتصر على سبب يختلف تماما عن سبب البيع الجديد ، فهنا الصلح بين الزوجين لا يمكن أن يمتد إليه و إن كان المحل واحد و هو نفس الأرض إلا أن هناك سببان مختلفان .
و حسب المادة 462/1 من ق المدني فان الصلح بين الزوجين يجب أن يكون مقصورا على النزاع الذي تناوله مما يدل على أن له اثر نسبي فيما يتعلق بالمحل ، فإذا تصالح زوج موصى له مع زوج وارث على وصية ، لم يتناول الصلح إلا الوصية التي وقع النزاع بشأنها ، فلا يشمل وصية أخرى للموصى له تظهر بعد ذلك ، و طبقا للمادة 97 من ق المدني فان الزوج إذا تصالح مع زوجه على حق له أو على حق تلقاه على سبب معين ، ثم تلقى هذا الحق ذاته من شخص آخر أو بناءا على سبب آخر ، لا يكون هذا الحق الذي كسبه من جديد مرتبطا بالصلح السابق ، و مثاله إذا نازع الزوج الوارث في صحة وصية صادرة لشخصين احدهما زوجه الذي تصالح معه ، فان هذا الصلح لا يحتج به الموصى له الآخر ، و لا يحتج به عليه .
الخاتمة :
جــاء في كلـمة القـاضي الأول في البـلاد , رئـيس الجمـهورية , بمـــناسبة إفـتتاحه للســنة القــضائية 2002/2003 قولــه : ﴿ ... فــعلى القــاضي أن يكون واعيا و مدركا لمسئوليته , ويمكــنكم بترجــيح الصـلح على المقـاضاة أن تخفـفوا من اكتظاظ المـحاكم و تيســـروا حـياة المواطنــين الذين يلجــؤون إليكم ... ﴾ . فما أحوجـنا إلى الصـلح و خاصة في هذا الظرف بالـذات , إنـه الصــلح بأبعاده الأخلاقية والاجتماعية و الإقتصادية , و مـــا يهـــمنا هــنا هـو الصـلح كآلية فــعالة وأســلوب متمــيز لإنهاء النـــزاعات أيــا كــان طابــعها , فــقد رأينا أن المــشرع أجــازه في المواد المدنية بنص المادة 04 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية كأصـل عــام .
و قد رأينا في بحثنا هذا أن للصلح أهمية بالغة في إنهاء الخصومات ، فهو يعد – بحق – من أساليب الحلول البديلة لفض النزاعات المدنية ، و أن المشرع الجزائري اذ استدرك الفراغ الذي كان موجودا و نظم أحكام الصلح في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد ، حيث حدد إجراءاته و بين آثاره ، فانه يكون قد مكن القاضي من القيام بمهمة الصلح على الوجه المطلوب منه ، مساهما بذلك في تقليص حجم القضايا المطروحة على القضاء و التي هي في تزايد مستمر.
غير أن إجراء الصلح يتطلب إرادة قوية و حكمة ووعي لدى الأطراف للوصول إلى الحل الودي.
قائمة المراجع
أولا : الكتب :
1/ عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي ، الاختيار لتعليل المختار ، الجزء الثاني ، دار الخير ، سنة 1998 .
2/ د :أحسن بوسقيعة , المصالحة في المواد الجزائية بوجه عام وفي المادة الجمركية بوجه خاص , الطبعة الأولى, الديوان الوطني للأشغال التربوية ,2001 .
3 / د: إبراهيم أحمد زكي بدوي:القاموس القانوني,فرنسي- عربي, مكتبة لبنان .
4/ د: محمود زناتى : نظم القانون الروماني.
5 / د: عبد الرزاق السنهوري , الوسيط في شرح القانون المدني , المجلد الثاني , دار إحياء التراث العربي بيروت – لبنان ، 1952.
6 / د: عبد الرزاق السنهوري , الوسيط في شرح القانون المدني , الجزء الخامس , دار إحياء التراث العربي بيروت – لبنان ، 1952 .
7 / مجلة المحكمة العليا ، عدد خاص جزء 02 ، الطرق البديلة لحل النزاعات : الوساطة و الصلح و التحكيم ، المحكمة العليا ، الجزائر ، 2009 .
8 / أ/ أحمية سليمان ,آليات تسوية منازعات العمل والضمان الاجتماعي في القانون الجزائري , ديوان المطبوعات الجامعية ، طبعة 04 ، سنة 2005 .
ثانيا المذكرات :
1 / الصلح في المنازعات المدنية والإدارية , مذكرة من إعداد الطالبة القاضي : لشهب نسيمة , الدفعة الحادية عشر - 2000 / 2003 - المعهد الوطني للقضاء ..
2 / الصلح بين الزوجين , مذكرة نهاية التخرج لنيل شهادة ليسانس في العلوم القانونية والإدارية , من إعداد الطالبين : عبد المالك عرفة ، عبد المجيد بوزيد ، جامعة ورقلة ، سنة 2007/2005 .
النصوص التشريعية :
1 / قانون 08/09 المؤرخ في 25/02/2008 المتضمن الإجراءات المدنية و الإدارية .
2 / قانون 05/02 المؤرخ في 06/02/2005 المعدل و المتمم للأمر75/59 من القانون التجاري .
3 / قانون 90/04 المؤرخ في 06/02/1990 المتضمن تسوية النزاعات الفردية في العمل ، ج ر عدد 06 المؤرخ في 07/02/1990 .
4 / قانون 90/02 المؤرخ في المؤرخ في 06/02/1990 المتضمن تسوية النزاعات الجماعية و ممارسة حق الإضراب ، ج ر عدد 06 المؤرخ في 07/02/1990 .
5 / القانون المدني الجزائري .
6 / الأمر 05/02 المؤرخ في 27/02/2005 المعدل و المتمم لقانون الأسرة
[1] احمية سليمان ،آليات تسوية منازعات العمل و الضمان الاجتماعي في القانون الجزائري ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الطبعة الرابعة 2005 ، ص 23-24
[2] انظر المواد من 439 إلى 442 من قانون رقم 08-09 مؤرّخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008، يتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية .
[3] انظر المادة 464 من القانون المدني
[4] الصلح بين الزوجين , مذكرة نهاية التخرج لنيل شهادة ليسانس في العلوم القانونية والإدارية , من إعداد الطالبين : عبد المالك عرفة ، عبد المجيد بوزيد ، جامعة ورقلة ، سنة 2007/2005 ، ص 38 .
[5] د عبدالرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، المجلد الثاني ، دار التراث العربي ، بيروت ، 1952 ، ص 593 .