أنا مَدْيُونِيرْ... وأنت؟

[gatboulerbah]

ثمّةَ عدالةٌ في وطَنِنا لا توجدُ في أيِّ مكانٍ آخر من القارّاتِ التُّرابيّةِ، عدالةٌ توزّعَ بمقتضاها الشعبُ الجزائري إلى فئتيْن: فئةٍ قليلةٍ تتحكّمُ في خيراتِ الأرضِ وجاهِهَا وفئةٍ كثيرةٍ تمتلِكُ مفاتيحَ أبوابِ الفقرِ وتُحْكِمُ إغلاقَها، تحتَ حراسةٍ سياسيّةٍ، حتى تحفَظَ أصحابَ الفئةِ الغنيّةِ من تسرُّبِ الفقرِ إليهم. وبذلك حافظوا على اللاتوازنِ الماليِّ بل أرضعوه لأبنائهم ومن ثمة لأحفادهم حتى تحوّل الفقراءُ حُرّاسًا لأموالِ الأغنياءِ، والحمدُ للهِ على العدلِ في سياساتِ بعضِ حكوماتِنا. ولا يذهبنَّ بكم الظنُّ إلى أنّ ثمّةَ تعارُضًا في المصالحِ بين الفئتيْن أو تضادًّا بسببِ نُزوعِ بني آدمَ إلى التملُّكِ وأكلِ الدُّنيا والآخرةِ، بل إنَّ فلسفاتِ العولمةِ دخلتْ أدمغةَ الفقراءِ وأفرغَتْها من إمكاناتِ الثورةِ على الأوضاعِ القائمةِ وجعلتْ أصحابَها يحلُمونَ بثروةٍ في الآخرةٍ لا تخضع للضرائبِ ولا للأزماتِ المالية العالميّةِ ولا لتأثيرات أنفلوَنْزا الخنازيرِ.

***
وبما أنّ الفئةَ القليلةَ من المجتمعِ العربيِّ استنّتْ لها لفظةَ "مَلْيُونيرْ" اسمًا من جِنْسِ أموالِها وتسمّتْ به وسمّتْ به نوادِيها العاطفيّةَ الخاصّةَ ولياليها الحمراءَ .
فقد تعاطفتِ اللغةُ العربيّةُ في ضَرّاءِ الفئة الكثيرةِ من فقراءِ مجتمعنا الذي يحلُمُ أفرادُه برَطْلٍ من اللحمِ الأبيضِ في زمنٍ عربيٍّ أسودَ صاروا يعيشُون فيه مديونيّةً ماليّةً وعاطفيّةً وسياسيّةً وأخلاقيّةً وثقافيّةً وتاريخيّةً. ومن بابِ التعاطُفِ اللغويِّ معهم، مكّنتْهم العربيةُ من النّحتِ اللفظيِّ منها، في شكلِ دالٍّ لغويٍّ عليهم تُنْبِئُ به لفظةُ "مَدْيُونِيرْ". وبذلك تحقّقَ للفقراءُ ثراءٌ لغويٌّ تعويضًا لهم عن فقرهم الماديِّ، وصارَ بإمكانهم أن يدخلوا كتابَ "غِينيس" للفقراءِ خارجَ اللُّغةِ. وأختِمُ بقولي: اللهمّ أنْعَمْتَ على الأغنياءِ فَكَفى...



أنا مَدْيُونِيرْ... وأنت؟



<<منقول>>