الطلب يتجاوز العرض واللجان في فمّ المدفع

قدرت أرقام رسمية الفجوة بين العرض والطلب في قطاع السكن بالجزائر بـ2.7 مليون وحدة سكنية سنة 2015 مقابل 1 مليون وحدة سنة 2008 في حال تأخرت الحكومة بإعادة النظر في السياسية الوطنية المطبقة في القطاع منذ الاستقلال والانتقال السريع نحو إقامة صناعة سكن حقيقية بإخراج الملف عن دائرة الاستخدام السياسي من طرف السلطة لتصفية الخصوم السياسيين في لعبة تحولت مع مرور الزمن إلى أكبر تهديد مباشر للاستقرار الاجتماعي الهش.
وتجمع القراءات الاقتصادية الأكثر موضوعية التي تم تحضيرها مع خبراء البنك العالمي وخبراء كنديين عملوا بالجزائر خلال العشرية الماضية، أن تفكيك قنبلة السكن تمر عبر مقاربة اقتصادية للملف وإبعاد "صناعة السكن" عن التجاذبات السياسوية واستعمال الملف في المزايدات وفي الرشوة السياسية التي تتقن السلطة ممارستها خلال المواعيد الهامة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمواعيد انتخابية عالية الحساسية على غرار الرئاسيات.
واشتدت وتيرة التسيير السياسي لملف السكن مع انتخابات جوان 1990 وفوز جبهة الإنقاد المحلة بالانتخابات المحلية، حيث قررت السلطة يومها نزع صلاحية التصرف في العقار، وقامت السلطة بإنشاء ما أصبح يعرف بالوكالات العقارية التي أسندت لها مهمة تسيير العقار، ومن المفارقات أن نفس السلطة أعادت صلاحية توزيع السكن إلى أميار التجمع الوطني الديمقراطي سنة 1997، غير أن نفس الموقف السلطوي انقلب على ذاته 5 سنوات من بعد، أي مع فوز جبهة التحرير الوطني بأغلبية المجالس الشعبية المحلية سنة 2002، حيث تمت المسارعة إلى نزع تلك الصلاحية ومنحها لرؤساء الدوائر مرة أخرى، مما تسبب في تفجر شجار حقيقي بين مسؤولين كبار في جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي في مواقع متقدمة جدا من الدولة.
.
انجاز 600 ألف وحدة سكنية في 12 سنة
تكشف وثيقة رسمية اطلعت عليها "الشروق"، أن الحكومات المتعاقبة منذ 2000 لم تنجز في الواقع سوى 600 ألف وحدة جديدة على مدار عشرية كاملة على الرغم من الوفرة المالية الرهيبة التي تعيشها البلاد، وتضيف ذات الوثيقة أن الحكومة فشلت في الاستفادة من الدراسات التقنية والمساعدة الفنية التي وفرها للجزائر البنك العالمي لحل إشكالية السكن عبر مقاربة اقتصادية مع ضمان الحماية الاجتماعية عبر الخزينة العامة للفئات الأكثر هشاشة.
وتضيف الوثيقة التي تم إعدادها بالتعاون مع البنك العالمي وخبراء كنديين وفق مقاربة اقتصادية معاصرة، أن الجزائر من الدول القليلة في العالم العربي التي تتوفر على آلية تقنية حديثة لتحريك السوق العقارية من خلال تقنية القروض الرهنية، ولكن الاستخدام السياسي للملف عطل الآلية على الرغم من وجود أزيد من 70 مليار دولار نائمة في البنوك التجارية الجزائرية منها حوالي 2.5 مليار دولار من القدرات التمويلية المباشرة لدى شركة إعادة التمويل الرهني التي تتوفر على صلاحيات كبيرة في مساعدة البنوك على احترام شروط السلامة، ومعايير الملاءمة المفروضة من السلطات النقدية، وهي التقنية التي تسمح بإقامة صناعة سكن حقيقية عبر آليات السوق وتخفيف الضغط على الخزينة العمومية، حيث تقوم شركة التمويل الرهني بشراء القروض العقارية والسكنية، التي تقدمها البنوك التجارية العمومية أو الخاصة للمواطنين، وتصدر مقابلها سندات في السوق المالية، لإعادة تمويل البنوك بسيولة متوسطة وطويلة الأجل، وهي العملية التي أصبحت ممكنة من الناحية القانونية، بفضل قانون توريق القروض الرهنية الصادر سنة 2006 الذي بقي حبرا على ورق بسبب الرغبة المرضية في الاستمرار في الاستخدام السياسي لورقة السكن في الجزائر.
وتشير الوثيقة التي وجهت إلى السلطات العليا أن خطة الإسكان التي باشرتها الدولة، من خلال إنجاز 200 ألف وحدة سكنية سنوياً، يلزمها أدوات تمويل غير تقليدية، قادرة على توفير سيولة لآجال طويلة، وهو ما يتطلب إلزام القطاع المصرفي بلعب دور وطني مفيد لتوفير القروض العقارية، مع الأخذ في الاعتبار، طبيعة الموارد المالية لدى المصارف، والذي لن يتحقق بدون تفعيل هيئات وسيطة بين البنوك والسوق العقارية، تشجع المصارف على تقديم القروض السكنية مع نسبة مخاطر متدنية جداً مع ضرورة تفعيل دور المؤسسات المالية التي تقدم القروض السكنية.