طلاب في اختصاصات لا يرغبون بها
مع بداية العام الجامعي الجديد، تبرز هموم ومشكلات عديدة يعاني منها
الطلاب الجامعيون، خصوصاً الجدد منهم، لجهة تخبّطهم بين ما يرغبون في التخصص به وبين الواقع الذي يفرض عليهم، حيث قد لا تتوفر لهم الظروف والفرص السانحة لتحقيق ما يصبون إليه، سواء لناحية عدم تمكنهم من خوض مباريات الدخول إلى كلية معينة لتضارب موعدها مع موعد مباراة أخرى، أو لناحية عدم قدرة ذويهم على تحمّل أقساط الجامعات الخاصة المحلّقة، أو لناحية صعوبة السفر لإكمال تحصيلهم العلمي في الخارج، وغيرها من الهموم التي يعيشها الطالب الجامعي دون أن يشعر ولو مرة بأن أحداً يشاركه بها أو يتحمل مسؤولية شبان سيكونون في المستقبل القريب رجالات الوطن،
خصوصاً وسط انعدام مؤسسات التوجيه المهني التي تتولى توجيه الطالب الثانوي إلى اختصاصات مناسبة يحتاجها سوق العمل اللبناني، وبالتالي تنوير مستقبله الذي لا يعرف مطلقاً كيف يحدده، فتراه يقول: "لا أعرف ماذا سأتخصص، ولكنني أعرف أن شهادتي لن تؤمن لي عملاً مهما كان نوعها أو تخصصها". لذلك يلجأ طالب سنة أولى-في غالبية الأحيان-إلى دراسة اختصاص قد لا يرغب به، ولكن يقول "هذا ما استطعت الحصول عليه"، أو دراسة اختصاص يعرف مسبقاً أنه لن يؤمن له عملاً يعتاش منه، وبالتالي يدرك تماماً أنه لن يعمل به بعد التخرج.
ولعلّ هذه الأمور مجتمعة مؤشر على تدهور مستوى التعليم الجامعي من جهة
بسبب عدم اهتمام الطلاب بجدية بمجال دراستهم، ومؤشر أيضاً على زيادة احتمال نسبة البطالة في السنوات المقبلة نتيجة لهذا الواقع.
تجدر الإشارة إلى أن الجامعة اللبنانية-خصوصاً كلية الآداب والعلوم الانسانية-هي المرتع الأول لهؤلاء الطلاب "الضائعين" الذين اعتمدوا العشوائية في اختيار مجال تخصصهم، فكانت كلية الآداب الملجأ الأسهل والأرخص. ولعلّ زيادة الطلاب في الجامعة اللبنانية في السنوات الأخيرة خير دليل على ذلك، حيث استأثرت بحوالي 77 في المئة من طلاب الجامعات في لبنان. ولا شك في أن حصة كلية الآداب هي الأكبر لأسباب ذكرناها، ولأسباب أخرى مادية بالدرجة الأولى.
"الرقيب" التقت بعض طلاب سنة أولى لاستطلاع آرائهم حول هذا الموضوع،
حيث عبّر قسم منهم عن رضى تام بالمجال الذي اختاره في الجامعة، فيما عبّر القسم الأكبر عن سخط عام تجاه الواقع المفروض عليهم الذي اضطرهم إلى اختيار اختصاص لا يرغبون به.
* مراكيا شندب (لغة إنكليزية) قالت: "وضع الطالب مأساوي حيث أن ظروف البلاد الحالية لا تتيح له التخصص في مجال يرغب فيه، فأنا بدأت السنة الماضية دراسة علم النفس الذي أقنعت نفسي به، بعدما كنت أفضل دراسة الصحافة، إلا أن رفض أهلي فكرة الذهاب إلى بيروت للانتساب إلى كلية الصحافة، درست علم النفس ونجحت في كافة مواد السنة الأولى، إلا أن إلحاحهم طوال السنة دفعني إلى تغيير مجال دراستي إلى اللغة الإنكليزية، بعد أن قيل لي أن لا مجال للعمل في شهادة علم النفس، وأقنعني والداي بدراسة اللغة الإنكليزية كونها مطلوبة أكثر من غيرها في هذه الفترة".
وأضافت: "مع أنني لا أحب التعليم أبداً، إلا أنني رضيت بالأمر الواقع، ونزلت عند رغبة الجميع بهدف الحصول على وظيفة بعد التخرج".
وعن اختيارها الجامعة اللبنانية قالت: "اخترتها لأن الدراسة متوفرة فيها بتكاليف قليلة، علماً أنّ عائلتي تضم ستة أولاد وكل منهم يحتاج إلى مصاريف للتعليم".
* ألسي نصر (إدارة أعمال) قالت: "اخترت إدارة الأعمال لأنني مقتنعة بهذا المجال تماماً، وأرى أن الشهادة في هذا التخصص يمكن أن تتيح لي فرصة للعمل بسهولة أكثر من اختصاصات أخرى، إضافة إلى أن هذا المجال يتلاءم مع شخصيتي".
وأضافت: "فضلّت الجامعة اللبنانية لأن تكاليفها المادية أقل بكثير من الجامعات الخاصة، وشهادتها معترف بها وتلاقي تقديراً واستحساناً في سوق العمل، فضلاً عن أن جوّ الكلية جيد وأنا سعيدة فيها".
* محمد السمّان (حقوق) قال: "إن عدم توجيه طلاب البكالوريا-القسم الثاني بشكل جيد هو الذي أوقعني في ورطة كبيرة، حيث قيل لي أن فرع الاقتصاد يمكّنني من دراسة الهندسة في الجامعة. إلا أن الواقع كان عكس ذلك تماماً، فلم يتم قبولي في كلية الهندسة لا في الجامعة اللبنانية ولا في الجامعات الخاصة، وكانت خيبة أمل كبرى".
وأضاف: "أمام هذا الواقع، فضلت الانتساب إلى كلية الحقوق علماً أن مهنة المحاماة لا تعني لي شيئاً، وأعرف مسبقاً أنني لن أعمل بها، بل سوف أعمل –بعد التخرج-في شركة والدي للمصاعد الكهربائية. وأنا أعتبر دراستي في الجامعة الآن هي للتسلية ليس إلا".
* طلال مكاري (حقوق) قال: "اخترت مهنة المحاماة لأنني أحبها، وشجعتني أختي المحامية على ذلك، خصوصاً أن غالبية وظائف الدولة حالياً تتطلب شهادة في الحقوق، أي أن العمل متوفر في هذا المجال أكثر من غيره".
وعن سبب اختياره للجامعة اللبنانية قال: "من الطبيعي أن أختار الجامعة اللبنانية لأن تكاليف الجامعات الخاصة باهظة، ولأن شهادتها موثوق بها، بالرغم من أن الجامعة اللبنانية أصبحت تعج بالطلاب المتزايدين، حيث يبلغ عدد طلاب سنة أولى حقوق حوالي 850 طالباً، وهذا أمر مزعج ومربك".
سامية المصري (تاريخ) أوضحت أن طلاب الجامعة يصابون بخيبة أمل كبيرة في السنة الأولى تحديداً، فبعد أحلام كبيرة، يصطدمون بواقع لا يسمح لهم باختيار ما يرغبون به خوفاً من بطالة تنتظرهم وقالت: "لو أن الأمر مرتبط برغبتي فقط، لكنت اخترت دراسة علم الآثار التي أحبها جداً، ولكنني أعرف مسبقاً أن لا عمل لي بعد التخرج، خصوصاً أن أهلي لم يشجعوني على ذلك أيضاً، لذلك فضلت دراسة التاريخ وهي الأقرب لعلم الآثار، مع أنني لا أحب التعليم، إلا أنني أعلم أن لا وظيفة لي بشهادتي بعد التخرج إلا في مجال التعليم".
كتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتت تتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتت تتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتتب