الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
سؤال: هل هذا الأثر صحيح وثابت؟
عن أم المؤمنين أم سلمة- رضي الله عنها- قالت: (برئ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ممن فرَّق دينه واحتزب).
[العلل ومعرفة الرجال (3597)].
الجواب: «ان نبيكم- صلى الله عليه وسلم- قد برئ ممن فرَّقَ دينه واحتَزَب».
وفي رواية: «برئ ممن فرق دينه وكان شيعاً».والمعنى واحد.
وأقول: روى أحمد في «كتاب العلل برواية عبدالله بن أحمد» (548/2 رقم: 3597) قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا حماد بن زيد قال: حدثنا أيوب، قال: سمعت الحسن يقول: شهدتهم يوم تراموا بالحصى، في أمر عثمان، حتى جعلت أنظر، فما أرى أديم السماء من الرَهَج، فسمعت كلام امرأة من بعض الحجر، فقيل لي: هذه أم المؤمنين، فسمعتها تقول: (ان نبيكم صلى لله عليه وسلم، قد برئ ممن فرق دينه واحتزب).
قال عبدالله: قال مؤمل: عائشة.
والصواب: أم سلمة.
قلت: هذا اسناد صحيح، لولا مؤمل بن اسماعيل، فقد وثقه ابن معين، وتكلم فيه غيره، فقال ابن حجر في «التقريب»: صدوق سيئ الحفظ.
ولذا فأقل أحواله أنه صالح في المتابعات والشواهد.
وله شاهد: رواه ابن شبة في «تاريخ المدينة» قال: حدثنا الأصمعي، قال: حدثنا أبو الأشهب، عن الحسن قال: رأيت قتلة عثمان تحاصبوا حتى ما أرى جِلْد السماء، ورفع مصحف من احدى الحجر، فقيل: (يُعْلَم ان محمداً برئ ممن فرق دينه، وكان شيعاً).
قلت: اسناد صحيح، وسماع الحسن البصري من أم سلمة- رضي الله عنها- هو الراجح.
ولقد رواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (39/235) من طريق شيبان، حدثنا أبو الأشهب، عن الحسن قال: لقد رأيت الذين قتلوا عثمان تحاصبوا في المسجد، حتى ما أبصر أديم السماء، وان انساناً رفع مصحفاً من حجرات النبي- صلى الله عليه وسلم-، ثم نادوا: ألم تعلموا ان محمداً- صلى الله عليه وسلم-: (قد برئ ممن فرَّقَ دينه، وكان شيعاً).
< ويتبين من هذا الأثر: ان أمر التحزب والتفرق والتقاطع، قد استقر النهي عنه عند الصحابة والتابعين، وعُلِمَ شَرُّه وضرره على المسلمين، قال تعالى: ﴿انَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ الَيْنَا رَاجِعُونَ﴾ [الأنبياء: 93-92].
قال ابن سعدي في تفسيره: (وكان اللائق الاجتماع على هذا الأمر، وعدم التفرق فيه، ولكن البغي والاعتداء، أبيا الا الافتراق والتقطع، ولهذا قال: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ}، أي: تفرَّق الأحزاب المنتسبون لاتباع الأنبياء فرقاً، وتشتتوا، كلٌ يدَّعي ان الحق معه، والباطل مع الفريق الآخر).
وقال تعالى: {وَانَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون:52- 53].
قال ابن سعدي في تفسيره: «كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»، أي: بما عندهم من العلم والدين، «فَرِحُونَ» يزعمون أنهم المحقون، وغيرهم على غير الحقِّ، مع ان المُحِقَّ منهم، من كان على طريق الرسل.
وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31- 32]، فلا تكونوا عباد الله شيعاً وأحزاباً متفرقين مخالفين لما جاء به المرسلون.
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي