إطلالة على عالم مختلف

[syrus]

منذ ثلاثة أيام نشر موقع ماركا الاسبانية فيديو للعداء الجامايكي يوساين بولت في احد نوادي برشلونة الليلية يرتدي قميصا لميسي و كان العنوان : بولت يرقص رقصة "الغانغنام" , الرقصة كانت سخيفة , و اعتقدت انها احد رقصات الراغا و الريغي و ما شابهها من الطبوع الأفروامريكية . و تساءلت ما المهم في هذه الرقصة الغبية , لكنني تجاوزت الموضوع سريعا و نسيته ... في صبيحة اليوم الموالي دخلت كالعادة على موقع الجزيرة الانجليزية لأجد اول عنوان عن صعود موسيقى البوب الكورية و عن أغنية "الغانغنام" التي تحطم رقما قياسيا على اليوتيوب . دخلت لقراءة الموضوع لأجد أن أغنية لمغني راب كوري حققت اكثر من 860 مليون مشاهد في الشهور القليلة الاخيرة متجاوزا رقم جاستن بيبر الذي لم اكن على علم ان أحد اغانية تجاوزت هي الأخرى ال800 مليون مشاهدة !!!!!!!!!!!!!!

ابتسمت و ادركت أن اغلبية العالم قد ضبط إيقاعاته على نغمة مختلفة . و دفعني الفضول لمشاهدة هذا الفيديو الخارق الذي لا شك انه سيكسر حاجز المليار مشاهدة قريبا ... و كان الفيديو لا يختلف كثيرا عن الفيديوهات السخيفة لأغاني البوب و الراب . نفس النمط تقريبا . لكن عنصر واحد صنع الفارق على ما يبدو . و هو رقصة "الغانغنام" , و قد يتساءل احدكم ما الذي يميز هذه الرقصة العجيبة حتى تحقق ذلك الرقم القياسي. و الجواب : لا شيء مميز سوى انها سخيفة و مضحكة لكنها جديدة ... أنه فقط التجديد و الإبداع في السخافة , و لان العالم في معظمه سخيف . وافق هذا التجديد و الإبداع هواهم فنقل صاحبه في غضون شهور قليلة إلى مصاف المشاهير و المليونيرات , و صار للأغنية صفحة طويلة جدا على موقع الويكيبيديا . و إن كان هناك درس يمكن ان نستخلصه هو ان التجديد و الإبداع مثمران في كل شيء. في التجارة و الفن و الادب و العلم و الفكر ... في كل شيء

و يبدو ان جمهور الفن في اغلبه يميل للإيقاع على حساب الألحان و يميل الصور و الالوان و البهرجة و الضجيج و الصخب اكثر من غيرها. و ذكرني هذا بمفارقة عجيبة لكنها تعبر عن حقيقة الحشود و الجماهير ... الجميع لاحظ الفرق بين جمهور الحفلات السيمفونية و جمهور حفلات الروك الصاخبة . الجمهور الأول هادئ و ينصت في شبه خشوع لألحان الاوركسترا . و يقف في النهاية في موجة تصفيق عارمة تحية للاوركسترا, اما جمهور الروك فهو في زعيق و نعيق و تصفير و صراخ دون كلل أو ملل ... لكن ماذا لو غزفت اوركسترا سيمفونية امام الجمهور الثاني ... ربما لم نكن لنتخيل حدوث هذا لولا المشاريع المشتركة بين بعض فرق الروك الشهيرة و بعض المجموعات السيمفونية الكبيرة , التي على ما يبدو صارت تجد صعوبة في توفير التمويل نظرا لحصتها الضئيلة من سوق المبيعات ... و في تلك الحفلات التي تمتزج فيها موسيقى الروك بالموسيقى السيمفونية يمكنك ان تسمع الزعيق و النعيق مصاحبا لعزف الاوركسترا , معلنة إنتصار الحشود على النخبة . فكما في السياسة و الدين , تضطر النخب ان تتماشى مع الحشود الغبية و مسايرتها و التكيف معها. و هذه الحشود تذكرنا في كل مرة ننعزل فيها في بروجنا العاجية انها هي الورقة الرابحة , مما لايزال يشكل صداعا لناشدي المثالية و المدينة الفاضلة في هذا العالم ... فالنخب لازالت تخاطب نفسها ثم تنشد بعد ذلك ان يصل صوتها إلى الجمهور ... و هذا الجمهور لا زال يرقص على انغام مختلفة ... إنه يرقص اليوم على انغام "الغانغنام"... أما انا فأفضل العودة لعالمي الخاص بعد هذه الإطلالة الموجزة على جزء من العالم الحقيقي .