بسم الله الرحمن الرحيم
تصحيح أخطاء كثيرة وردت في برنامج "ساعة من ذهب"
الذي يبث على التلفزيون الجزائري ويقدمه سليمان بخليلي
بقلم: رضوان بوحناش Redouane Bouhannache
الجزء الأول
بني قشة في شهر ماي مايو أيار 2007
ملاحظة: أرسلت في شهر جوان يونيو حزيران 2007 نسختين الكترونيتين من هذا المقال إلى جريدتي الشروق و الخبر اليوميتين الجزائريتين، فضلا عن نسخة ورقية قمت بإرسالها إلى جريدة الشروق اليومي، هذا كي يتم نشره، لكن يبدو أنه لم ينشر في نهاية المطاف.
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة و السلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء و المرسلين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، أما بعد.
شاهدت ثلاثة أعداد من الحصة التلفزيونية الجديدة "ساعة من ذهب"، وقد ذهلت للقدر الكبير من الأخطاء التي تضمنتها. وبما أنه حري بالإنسان أن يكون متأكدا من صحة ما يقول حتى و لو كان في جلسة خاصة بين أصدقائه، أرى أنه كان من المفروض أن يسهر الطاقم المشرف على تحضير الأسئلة و الأجوبة على التيقن من صحة المعلومات التي يريدون إيصالها إلى المشاهد، وتوخي الصحة و الدقة العلمية فيها، خاصة و أن الحصة رسمية، تبث على قناة رسمية، و يمكن أن يشاهدها الملايين داخل الوطن و خارجه.
هذا وحرصا مني على الأمانة العلمية و الثقافية، ارتأيت أن أكتب هذا المقال لتصحيح بعض الأخطاء التي وردت، وقد بلغ عددها تسعة، وقد كان أغلبها يتمثل في معلومات خاطئة تماما 100 % وثلاثة منها تشكل معلومات خاطئة جزئيا وبها خلط كبير بين الأمور. وأرجو أن يتقبل طاقم الحصة هذه التصويبات بطيب خاطر حيث فالمقصود منها النقد البناء لفائدة الجميع.
ها هي قائمة الأخطاء التي وردت:
أولا: اسم كليوباترا Cléopâtre
قال مقدم الحصة أن معناه "امرأة من صخر". في الواقع هذا الاسم لا علاقة له على الإطلاق لا بالمرأة ولا بالصخر، لا من قريب و لا من بعيد. الجواب الصحيح هو أنه اسم إغريقي معناه: "مجد أبيها" وعلاقتة بالمرأة لا تتعدى النسبة بالضمير المتصل. ويمكن لطاقم الحصة أو لأي أحد من القراء أن يتأكد من هذه المعلومة.
هذا الاسم مركب من كلمتين يونانيتين: Cleo التي تعني المجد، و باترا Patra التي أتت من كلمة Pater التي تعني "الأب" باليونانية.
و اسم كليوباترا الكامل باليونانية هو Cleopatra Selene Philopator ويعني حرفيا: "مجد أبيها، القمر، المحبة لأبيها" وليس للصخر. ويرى القارئ أن كلمة pater تتغير و السبب أن اليونانية لغة متحركة أو معربة –أي تعرب- كالعربية، تتغير فيها أشكال الأسماء حسب وظيفتها البنيوية اللغوية، بخلاف الفرنسية أو الانكليزية مثلا.
وقد اشتق من كلمة pater اليونانية كلمة paternus اللاتينية و التي أعطت فيما بعد الصفة paternel في الفرنسية و كثير من اللغات الأخرى. ويعلم الجميع أن paternel تعني "أبوي".
لم تكن كليوباترا مصرية كما قال السيد سليمان بخليلي، بل كانت ملكة على مصر فحسب. والصواب أنها مقدونية الأصل من مقاطعة مقدونيا القديمة شمال اليونان، تنتمي إلى أسرة البطالسة أو البطالمة أو اللاجيين، وهي سلالة هلينستية –أي إغريقية قديمة- حكمت مصر من مدينة الإسكندرية، وهذا بعد وفاة الإسكندر الكبير المقدوني عام 323 ق.م إلى 30 ق.م. أطلق على هذه السلالة اسم البطالمة أو البطالسة لأن كل الملوك الذكور حملوا لقب بطليموس. أما اسم "اللاجيين" فنسبة إلى بطليموس لاجوس، أحد قادة – جنرالات - الاسكندر الكبير المقدوني، الذي ولاه هذا الأخير على مصر ثم أصبح ملكا عليها بعد وفاته.
في الواقع حملت لقب كليوباترا سبع ملكات لاجيات كانت أشهرهن السابعة و الأخيرة.
يبدو جليا أن محضري السؤال قد خمنوا بأن مقطع "باترا " يشبه كثيرا المقطع الموجود في كلمتي "البتراء" و "البترول" و الذي اشتق فعلا من الصخر، و قد استشهد مقدم الحصة بكلمة بترول في شرحه. وبما أن كليوباترا امرأة فإن كليو تعني حتما امرأة باليونانية حسب رأيهم، وقد كانوا مخطئين تمام الخطأ في ذلك.
فمدينة البتراء الأردنية تكتب Pétra والبترول Pétrole باستعمال حرف e أما Cléopâtre فتكتب بحرف a .
هناك بون شاسع بين حرفي ألفا و إبسيلون اليونانيين، تماما مثلما أن هناك فرقا شاسعا بينa و e في أي لغة أوروبية تستعمل الأبجدية اللاتينية. فلو أنك استبدلت حرف a بـ e في أي لغة فإن الكلمة تتحول إلى كلمة أخرى ذات معنى مغاير تماما للأولى.
بالفعل اشتق اسم مدينة البتراء الأردنية المنحوتة في الصخر من petra اليونانية و التي تعني الصخرة. أما كلمة البترول فهجينة حيث اشتقت من اللاتينية الوسيطية petra التي استعيرت من الإغريق زائد الكلمة اللاتينية oleum الزيت وليس oil الإنجليزية، وبالتالي تعني زيت الصخر. و هناك أيضا كلمة petros التي تعني الحجر و ليس الصخر و التي شكلت كلمات كثيرة تبدأ بـ petro.
أما عن المرأة فإن ترجمتها باليونانية هي gune. وقد استبدل اللاتين بمرور الزمن حرف u أوبسيلون اليوناني الذي ينطق مثل حرف u الفرنسي أو ü الألماني بـ y في كل الكلمات التي استعاروها عن الإغريق، لهذا تحولتgune إلى gyn. والدليل أن الجميع يعلم أن كلمة gynécologie الفرنسية مثلا تعني علم أمراض النساء، لأن gyn تعني امرأة باليونانية.
هذا، وكمعلومة إضافية، لا يزال تصغير اسم كليوباترا كليو Cléo مستخدما إلى الآن ويعني المجد، لكن ينبغي عدم الخلط مع اسم السيارة Clio الذي يمثل ربة الفن الإغريقية الراعية للتاريخ.
ملاحظة: لم استعمل علامات النبرة accents في الكلمات اليونانية، بخلاف الكلمات الفرنسية.
ثانيا: لقب دكتور
قال مقدم الحصة أن لقب دكتور لا يطلق على أطباء "جراحي" الأسنان، متعللا بانتمائهم إلى سلك الجراحة. في الواقع يطلق لقب دكتور على كل ممتهني الطب وفروعه المباشرة وخصوصا منها الجراحة. ورغم أن أطباء الأسنان لا يزاولون دراسة الطب العام بل يتخصصون مباشرة، فإنهم ينالون هذا اللقب. ولا يستثنى من هذا الجراحون الإختصاصيون. فلا أحد فوق كوكب الأرض يقول للجراح "يا جراح"، بل يناديه الجميع – أكاديميين كانوا أم من عامة الناس - "يا دكتور"، لأن الجراح طبيب أصلا تخصص فيما بعد في فرع من فروع الطب هو الجراحة.
ثالثا: أول من صنع العود
قال مقدم الحصة أنه "لامك بن قابيل بن آدم"، ويبدو أنه استقاه من كتاب العهد القديم. في الواقع الله أعلم بمن اخترعه، لكن بافتراض أن المعلومة قد نجت من التحريف الذي طرأ على العهد القديم على مر العصور، فإن لامك بن قابيل هذا غير موجود أصلا. ورد في سفر التكوين أصحاح 4 عدد 17-22 نسل قابيل "قايين":
"وَعَرَفَ قَايِينُ امْرَأَتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ حَنُوكَ. وَكَانَ يَبْنِي مَدِينَةً فَدَعَا اسْمَ الْمَدِينَةِ كَاسْمِ ابْنِهِ حَنُوكَ. وَوُلِدَ لِحَنُوكَ عِيرَادُ. وَعِيرَادُ وَلَدَ مَحُويَائِيلَ. وَمَحُويَائِيلُ وَلَدَ مَتُوشَائِيلَ. وَمَتُوشَائِيلُ وَلَدَ لاَمَكَ. وَاتَّخَذَ لاَمَكُ لِنَفْسِهِ امْرَأَتَيْنِ: اسْمُ الْوَاحِدَةِ عَادَةُ وَاسْمُ الأُخْرَى صِلَّةُ. فَوَلَدَتْ عَادَةُ يَابَالَ الَّذِي كَانَ أَباً لِسَاكِنِي الْخِيَامِ وَرُعَاةِ الْمَوَاشِي. وَاسْمُ أَخِيهِ يُوبَالُ الَّذِي كَانَ أَباً لِكُلِّ ضَارِبٍ بِالْعُودِ وَالْمِزْمَارِ. وَصِلَّةُ أَيْضاً وَلَدَتْ تُوبَالَ قَايِينَ الضَّارِبَ كُلَّ آلَةٍ مِنْ نُحَاسٍ وَحَدِيدٍ. "
إذن لامك هو ولد متوشائيل، و هو حفيد بعيد لقابيل. أما الذي صنع العود فهو يوبال بن لامك. وليس لامك.
رابعا: اسم يعقوب
قال مقدم الحصة أن معناه "ذكر الحجل". أظن أنه لا يخفى على أحد أن أصل هذا الاسم عبري. ورد في سفر التكوين عن قصة ميلاد يعقوب و عيسو "العيص" لأبيهما اسحاق و أمهما رفقة، في اَلأَصْحَاح 25، عدد 24-26: "فَلَمَّا كَمُلَتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ إِذَا فِي بَطْنِهَا تَوْأَمَانِ. فَخَرَجَ الأَوَّلُ أَحْمَرَ كُلُّهُ كَفَرْوَةِ شَعْرٍ فَدَعُوا اسْمَهُ عِيسُوَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ خَرَجَ أَخُوهُ وَيَدُهُ قَابِضَةٌ بِعَقِبِ عِيسُو فَدُعِيَ اسْمُهُ يَعْقُوبَ. وَكَانَ إِسْحَاقُ ابْنَ سِتِّينَ سَنَةً لَمَّا وَلَدَتْهُمَا. "
في الواقع أجمع كبار أئمتنا المسلمين من شيوخ التفسير على أن معنى يعقوب هو "يمسك بعقبه" أو "يعقبه" أو "يتعقبه". فمثلا يقول المفسر الشهير العلامة الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتابه البداية والنهاية في قصة يعقوب:"وذكر أهل الكتاب: أن إسحاق لما تزوج رفقا بنت بتواييل في حياة أبيه كان عمره أربعين سنة، وأنها كانت عاقراً فدعا الله لها فحملت، فولدت غلامين توأمين أولهما سموه (عيصو) وهو الذي تسميه العرب العيص، وهو والد الروم. والثاني خرج وهو آخذ بعقب أخيه فسموه "يعقوب" وهو إسرائيل الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل."
هذا و يقول أيضا ابن منظور صاحب قاموس لسان العرب، رائد كل ما صنف على الإطلاق من قواميس في اللغة العربية:
"وسُمِّيَ يَعقُوبُ بهذا الاسم، لأَنه وُلِدَ مع عِيصَوْ فـي بطن واحد. وُلِدَ عِيصَوْ قبله، ويَعْقُوبُ متعلق بعَقِبه، خَرَجا معاً، فعِيصَوْ أَبو الرُّوم. قال الله تعالـى فـي قصة إِبراهيم وامرأَته، علـيهما السلام: {فَبَشَّرْناها بإِسْحق، ومن وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ}"
أما عن ذكر الحجل - المعرف بالإضافة كما كتب في الحصة - فهو "الـيعقوب" معرف بـالألف و اللام. أما ذكر حجل – الذي هو نكرة – فهو يعقوب. و لمزيد من الدقة اليعقوب هو ذكر الحجل و القطا.
خامسا: أصل كلمة ملف dossier
قال المقدم أن أصل كلمة dossier الفرنسية أتت من فعل docereاللاتيني بمعنى يعلم وهذا عين الخطأ.
docere أعطت اسم doctor اللاتيني بمعنى المعلم والدي حرف لاحقا إلى docteur بالفرنسية.
أماdossier فقد وصلت عبر الإفرنجية – الفرنسية القديمة – من اللاتينية العامية dossum التي حرفت من الكلمة اللاتينية الكلاسيكية الفصحى dorsum بمعنى الظهر. لأن الإفرنج أطلقوا هذا الاسم أولا على كل مسند للظهر. ثم أطلقوه لاحقا على حزمة الورق التي يكتب على ظهرها عنوان ما تحتويه، تشبيها لها بظهر الكتاب. ومن الفصحى dorsum اشتقت الصفة الفرنسية المعروفة dorsal,e كالفقرات الظهرية Vertèbres dorsales مثلا.
و الدليل أن نفس اللفظ في الفرنسية يطلق أولا وقبل كل شيء على متكأ أو مسند الظهر في الكرسي مثلا dossier d'une chaise . وهناك كلمات كثيرة أخرى اشتقت من نفس الأصل اللاتيني مثل dossière ظهر السلحفاة و الدرع، dossard وهي الظهارة أي الرقم الذي يوضع على ظهر المتبارين الرياضيين، و غيرها من الكثير من الأمثلة. ونكرر أن معنى dossier الأساسي و الأول هو مسند الظهر، ثم يأتي الملف كمعنى ثانوي، و يمكن لأي أحد التحقق من هذا في أي قاموس شاء.
سادسا: الإلياذة و الأوديسا
قال المقدم أن الشاعر الإغريقي هوميروس أرخ للأساطير بـ "الإلياذة" التي تروي ملحمة "الأوديسا". في الحقيقة الإلياذة شيء و الأوديسا شي آخر.
أرخت الإلياذة بالفعل لملحمة، لكنها لم تكن أبدا ملحمة الأوديسا، بل ملحمة حرب طروادة الشهيرة التي جرت بين الإغريق و الطرواديين، سكان مدينة طروادة. وقد حاصر الإغريق هذه المدينة عشر سنين ولم يتمكنوا من دخولها و إحراقها إلا بعد استعمال حيلة حصان طروادة الشهيرة. وكان أخيل أشهر أبطال الإغريق في هذه الحرب. وأصل تسمية الإلياذة من إليون، وهو الاسم الذي أطلقه الإغريق على المدينة نسبة إلى مؤسس الحاضرة -مركز المدينة- إيلوس، وهو ابن تروس الذي اشتق منه اسم المدينة ككل "طروادة".
احتوت أشعار الملحمة فعلا على الكثير من أساطير "ميثولوجيا" الإغريق، لكن ملحمة الحرب في حد ذاتها ليست أسطورة. فقد اكتشف الأثري هاينريش شليمانHeinrich Schliemann عام 1870 أسوار مدينة طروادة شمال غرب تركيا على بعد 7 كيلومترات من مضيق الدردنيل. وتوالت الاكتشافات بعد هذا التاريخ، و أظهرت عدة أنقاض عدة مدن شيدت أحيانا كل مدينة على أنقاض سابقتها. وقد وجد الأثريون أدلة قاطعة أن الإغريق قاموا بحملة عسكرية كبيرة كالتي تشكل موضوع الإلياذة، للقضاء على منافسة المدينة التجارية وتحكمها في الملاحة عبر مضيق الدردنيل. وقد حددوا زمن الحرب بين حوالي 1194 و 1184 ق.م.
هذا عن الإلياذة، أما عن الأوديسا فهي ليست ملحمة بل تروي أحداث رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر دامت عشر سنوات قام بها أودوسيوسOdusseus ورفقاؤه - أودوسيوس كان أدهى المحاربين الإغريق و هو صاحب فكرة الحصان - للعودة من طروادة إلى موطنه في جزيرة عيتاقة Ithaque التي كان ملكا عليها، وهي إحدى الجزر الأيونية الوقعة غرب اليونان. وقد أسماه الرومان Ulysses والعرب عولس. واستبدل في اسم Odusseus حرف u بـ y مشكلا مثلا كلمة Odyssée الحالية في الفرنسية.
سابعا: أصل تسمية اسبانيا
هناك رأيان أساسيان:
1. نظرية الأوبار: تقول هذه النظرية أن اسم اسبانياEspagne اشتق من الفينيقية hisphanim وليس hispanim و هي تعني "جزيرة الأوبار" وليس "جلد الأرنب" كما قيل. شبه الفينيقيون الأرانب البرية التي وجدوها في اسبانيا والتي لم تكن معروفة آنذاك في آسيا و إفريقيا بحيوانات الوبر او الزلم damans وهي حيوانات ثديية صغيرة شبيه بالأرنب لكنها من ذوات الحوافر كانت ولاتزال منتشرة في إفريقيا و آسيا. هذا وقد استعملت النصوص الإغريقية القديمة دائما اسم إيبيريا و التي تطلق الآن على كل شبه الجزيرة – أسبانيا، البرتغال، أندورا و جبل طارق. أما النصوص الرومانية فقد استعملت اسم هسبانيا Hispania وكان أول من دون هذا الاسم الشاعر كوينتوس إينيوس Quintus Ennius حوالي 200 قبل الميلاد.
2. أما النظرية الثانية فتقول أن أصل الاسم هو الكلمة الفينيقية سفان Sphanالتي تعنى الشمال، لأنها اسبانيا تقع شمال سواحل مناطق نفوذ الفينيقيين الممتدة إلى ساحل الأطلسي الغربي، تماما مثلما أطلق الإغريق اسم Hesperia أي أرض مغرب الشمس على إيطاليا لكونها واقعة غرب اليونان، وكما أطلق العرب لقب المغرب المعروف لدى الجميع.
ثامنا: كذبة أو سمكة أفريل - نيسان
تسمية سمكة أفريل ذات علاقة مباشرة بالأبراج، وهي أن الشمس تكون قد غادرت تماما برج الحوت في بداية أفريل، ودخلت في برج الحمل. ومعروف لدى الناس أن مواليد هذا البرج من 19 فبراير إلى 20 مارس – مع اختلاف طفيف في التواريخ بالطبع من جهة لأخرى. وكانت الأعياد التي ذكرها مقدم الحصة تقام من 25 مارس الى 1 أبريل، ولها ارتباط قديم بعيد الربيع الروماني القديم هيلاريا الذي كان يقام احتفالا بموت و انبعاث أتيس، إله النبات في ميثولوجيا الإغريق و الرومان. واستمرت الأمور على هذه الحال إلى أن جاء الملك الفرنسي شارل التاسع و نقلها إلى نهاية السنة. وتجدر الإشارة إلى أن تغيير بداية السنة إلى 1 يناير لم يضعه شارل التاسع في القرن السادس عشر، بل وضع وصار ساري المفعول قبل ذلك بفترة طويلة، وكان هذا من قبل الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر سنة 46 ق.م. الذي كلف الفلكي سوسيجينس بوضع تقويم جديد كان من بين ما أفرزه نقل بداية السنة من 1 مارس إلى 1 يناير، أقول مارس وليس أفريل لأن مارس كان أول الشهور في التقويم الروماني القديم.
ويعلم الجميع أن اسم برج الحوت عند الفرنسيين هو حرفيا الأسماك Poissons بالفرنسية، كما عند معظم الأوروبيين. وبما أنه لا توجد سمكة في السماء قبالة الشمس في شهر أفريل، فإن السمكة تكون كاذبة، لأن الشمس تكون في برج الحمل. أما عن الهدايا التي كانت تقدم فقد كانت هداية خداعية simulacres de cadeaux ولا تحتوي على سمكة بالضرورة كما قيل في الحصة.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن تعبير سمكة أفريل خاص بالفرنسيين أساسا، فالأنجلوسكسون مثلا يطلقون اسمان مغايران هما
April Fools' Day أو All Fools' Day ومعناهما حرفيا يوم حمقى أبريل أو يوم جميع الحمقى. أما الألمان فيسمونها بكل بساطة مزحة أبريل Aprilscherz .
تاسعا: شارة الطبابة و الصيدلة
أصل الرمز يوناني إغريقي وليس رومانيا كما قيل في الحصة. ومعروف لدى الجميع أن الإغريق كانوا أهل علوم وحكمة و فلسفة عكس الرومان. يسمى الرمز شارة الطبابة أو صولجان أسقليبيوس أو أسقلاب Caducée d'Esculape ويدعى أحيانا أخرى عصا أسقلاب Bâton d'Esculape. ويرجى عدم الخلط مع صولجان عطارد، هرمس Hermès عند الاغريق، مركور Mercure عند الرومان، رسول الألهة وراعي التجار، وقد ظل هذا الصولجان زمنا طويلا رمزا للتجارة. ويمثل عصا تلتف عليها حيتان ويعلوهما جناحان.
أما أسقليبيوس Asclépios فهو إله الطب عند الإغريق والذي أسماه الرومان فيما بعد أسقلاب Esculape وتوجد في صولجانه حية واحدة. والواقع أن تلك الحية الممثلة في الرمز ليست ثعبانا كما قيل بل حفثا، يدعى حفث اسقليبيوس Couleuvre d'Esculape و الحفث جنس غير سام من الحيات.
و قدكان لأسقليبيوس معبد قديم مشهور في بلاد اليونان يسمى معبد ابيداوروس Epidaure، وكان كهنتة يدعون الأسقلابيين. ويذكر أن أبقراط الطبيب اليوناني الشهير كان في البدء أحد هؤلاء الأسقلابيين، ذكر هذا أفلاطون و غيره. وقد ظم قسم أبقراط الشركي الوثني الأصلي قسما بأسقليبيوس. وكان معبد ابيداوروس يظم رمز صولجان أسقليبيوس مجسدا في رسوم و تماثيل وغيرها. وكان يقال أن أسقليبيوس يأخذ شكل حية في المنام في المعبد، و منه رمز الحية.
وكي نكون دقيقين فإن صولجان الطب يختلف عن صولجان الصيدلة. فصولجان الطب يمثل عصا ملتف حولها حفث تعلوهما مرآة تسمى مرآة الحذر، وترمز الى الحذر الذي ينبغي أن يتوخاه الطبيب قبل اتخاذ أي قرار في تشخيصه. أما صولجان الصيدلة فيمثل كأسا و هو كأس هيجيا Hygie ابنة أسقليبيوس و إلهة الصحة عند الإغريق و التي يشرب منها حفث أسقليبيوس. ومن Hygea وhugies اليونانية بمعنى سليم أو معافى اشتقت الكلمة الحالية hygiène بمعنى قواعد الصحة أو النظافة الصحية. وهناك أيضا صولجانات مختلفة أخرى للقابلات ولمخابر التحاليل الطبية.
أما عن الأسطورة الرومانية التي تكلم عنها مقدم الحصة فقد ذكرها الأديب الروماني أوفيديوسOvide قي كتابه تحولات أو انمساخات Métamorphoses الذي ألفه في السنة الثانية للميلاد. ومعروف أن أوفيديوس نقل معظم حكاياته عن ميثولوجيا الإغريق.
لكن هذه الأسطورة بالذات التي قال فيها مقدم الحصة أن إله الطب خلص روما من وبائها، والتي ذكرها أوفيديوس في الفصل الخامس عشر من كتابه تحولات تقول ما فحواه:
"ذهب نواب من روما إلى معبد دلفي في بلاد اليونان لطلب المساعدة من أبولون، فأرشدهم إلى ابنه أسقليبيوس في معبد ابيداوروس. فبعثوا وفدا آخر إلى ابيداوروس و توسلوا الإغريق وأسقليبيوس و كهنته أن يساعدوهم. ثم ظهر لهم أسقليبيوس في المنام و قبل الذهاب معهم إلى روما لتخليصهم من الوباء. "
و ينهي أوفيديوس قصته قائلا بالحرف الواحد: "ومع هذا فإن أسقلاب – أسقليبيوس- ليس في معابدنا – يقصد معابد الرومان – إلا إلها أجنبيا"، لأنه من بلاد الإغريق. وهكذا نرى أنه حتى أوفيديوس الروماني نفسه لم ينسب هذا الإله وصولجانه إلى شعبه. لكن يبدو حسب منطق طاقم حصة ساعة من ذهب أن زيارة خاطفة واحدة إلى روما قد نزعت السبق من الإغريق و منحته الرومان.
وفضلا عن هذا فقد ذكر الشاعر الإغريقي هوميروس الذي عاش قبل أوفيديوس بثمانية قرون ولدي أسقليبيوس في الإلياذة، مخاوون وبوداليريوس ، والذين كانا طبيبي الإغريق في حرب طروادة. وعاش أبقراط، المذكور آنفا، الطبيب المشهور وكاهن أسقليبيوس قبل أوفيديوس بخمسة قرون. ومن هذا كله نرى أنه لم يكن للرومان أبدا أدنى دور في نشأة ميثولوجيا أسقليبيوس وصولجانه.
هذا و نلقاكم إن شاء الله تعالى في الجزء الثاني مع مزيد من التصحيحات. ومن كان لديه ملاحظة فالرجاء إرسالها إلى - البريد الإلكتروني حذف من قبل الإدارة (غير مسموح بكتابة البريد) - والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
رضوان بوحناش، مهندس جيوفيزيائي،
بني قشة، ولاية ميلة، الجزائر