
-توطئة : من أقوال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله تعالى: " أي أبنائي المعلمين ... إنكم في زمن، كراسي المعلّمين فيه أجدى على الأمم من عروش الملوك، وأعود عليها بالخير والمنفعة. وكراسي المعلّمين فيه أمنع جانبًا وأعزّ قبيلًا من عروش الملوك: فكم عصفت العواصف الفكرية بالعروش، ولكنها لم تعصف يومًا بكرسي المعلم. إنكم تجلسون من كراسي التعليم على عروش ممالك، رعا
ياها أطفال الأمّة، فسُوسُوهم بالرفق والإحسان، وتدرّجوا بهم من مرحلة كاملة في التربية إلى مرحلة أكمل. إنهم أمانة الله عندكم، وودائع الأمّة بين أيديكم، سلّمتهم إليكم أطفالًا، لتردّوهم إليها رجالًا، وقدّمتهم إليكم هياكل لتنفخوا فيها الروح، وألفاظًا لتعمروها بالمعاني، وأوعية لتملأوها بالفضيلة والمعرفة".إ.هـ.
************************************************** ************
بقلم : البشير بوكثير / رأس الوادي.
* إهداء : إلى زملائي المعلمين والأساتذة بمناسبة الدّخول المدرسي الجديد.
أيّها الملوك على عروش العلم والعرفــان...
ويا قياصرة الفكر والبيـان...
ويا جهابذة الفصاحة والتّبيــان...
ويا أكاسرة الدّرر الحِسـان...
إليكم كلاما صيّبا طيّبا فاسمعوه وعـوه :
إنّ العلم أساس كلّ حضارة ، ووهج كلّ منارة...
وركن كلّ رقيّ ، وعمود كلّ تمــدّن...
وما خابت بلا د مجَّدت العلم ونشرت أفنانـه...
ولا اندرست حواضر تضوّعت عبقه وقوّمت أغصانه...
وحضّت عليه وعلى إكرام أهله وإجزال العطاء لهم، وحفظت مقامه...
ولنا في تاريخنا الإسلامي صور رائعـات مُشرّفات ،ومواقف مُشرِقات ،ومشاهد ناصعات ...
على علوّ كعبنا في مضمار العلم والعرفـــان، وفي كلّ مناحي الحياة...
فقرطبة، وغرناطة، ودمشق، وبغداد... حواضر العلم خير شاهد، وأحسن رائد على نبوغ سلفنا، وعبقرية أجدادنا، في الطلب والتحصيل، والدّرس الطويل.
لقد صار "ابن سينا " الشيخ الرئيس، بعدما نبغ في علوم سابقيه وبــــــــــزّ معاصريه، فكان موسوعة علمية وأدبية وفلسفية لاتُضاهى في الثراء الفكري والمعرفي والطبي على الخصوص.
والشيء نفسه يقال عن "الفارابي " و"ابن رشد"، و "ابن الطفيل" و"ابن عربي"، و"الغزالي "،و"الزهراوي"، و"ابن البيطار"، و"ثابت بن قرّة"،و "الخوارزمي"، و "الإدريسي"،وهلمّ جرّا وكرّا....
إنّهم كانوا أساتذة جهابذة يُشار إليهم بالبنان، في سعة العلم والعرفان.
لقد كان لقب الأستاذ والمعلم لا يطلق على الشخص إلاّ إذا نبغ في شتى ضروب العلوم والمعارف من : فقه، ولغة ، وتاريخ، وطبّ ، وفلك ، وكيمياء،و غيرها من العلوم.
إنّ مهنة التعليم من أشرف وأسمى وأنبل المهن على الإطلاق ، أوَ ليستْ نفحة من النبوّة ، وسنا من الرسالة؟
ولأمرٍ ما قال نبي البشرية :" إنّما بعثت معلّما".
ولأمرٍ ما قال أمير الشعراء بيته الرائع:
قم للمعلم وفّـه التبجيــلا
كاد المعلم أن يكون رســـولا.
نعم زملا ئي في الطبشور والسطور...
إنّ مهنتكم مهنة الأصفياء...وإنّ رسالتكم رسالة الأنبياء، لايستطيعها ولا يتحمّل أعباءها ويؤدها تمام الأداء، إلاّ من كان قوي الشكيمة ، عالي الهمّة ، نافذ البصيرة، سليم الذوق والروح، خفيف المزاج، جلدا صبورا ، حليما شكورا.
إنّي أتمثـّلك أيها المعلم :
خليلا فراهيديا في العروض، وسيبويهيا في النحو، وجرجانيا في البلاغة، ومتنبيا في القوافي ، وعميدا في الكتابة، وخلدونيا في الاجتماع، وإدريسيا في الجغرافيا، وبطوطيا في الرحلات، وجابريا في الكيمياء، وهيثميا في البصريات ، وخوارزميا في الرياضيات ...
فكن مربيّا حليما ، ومعلّما حكيما، وأستاذا رحيما بطلاّبك وبتلامذتك ...تنل أجرا عظيما .
والله المستعان ، وعليه التُّكلان.