((عجبت من اقوام يدعون العلم، ويملون الى التشبيه بحملهم الاحاديث على ظاهرها،فلو امروها كما جاءت سلموا لان من امر ماجاء ، ومر من غير اعترض فما قال شيء لا له ولا عليه، ولكن قوما قصرت علومهم فرات ان حمل الكلام على غير ظاهره نوع من التعطيل، ولو فهموا سعة اللغة لم يظنوا هذا، وماهم الا بمثابة قول الحجاج لكاتبه وقد مدحته الخنساء فقالت:
اذا هبط الحجاج ارضا مريضة...........تتبع اقصىداءها فشفـــــــــــها
شفاها من الداء العضال الذي بها.........غلام اذا هز القناة شفاهـــــــــا
فلما اتمت القصيدة قال : لكاتبه اقطع لسانها فجاء ذلك الكاتب المغفل بالموسى، فقالت له : ويلك انما قال لك اجزل لها العطاء، ثم ذهبت الى الحجاج فقالت : كاد والله يقطع مقولي.
فكذلك الظاهرية الذين لم يسلمو بالتسليم،فانه من قرأ الايات والاحاديث ولم يزد لم المه وهذه طريقة السلف، فأما من قال الحديث يقتضي كذ، ويحمل على كذ مثل من يقول استوى على العرش بذاته وينزل الى السماء بذاته فهذه زيادة فهمها قائلها من الحس لا من النقل.
ولقد عجبت لرجل اندلسي يقال له ابن عبد البر صنف كتاب التمهيد
فذكر فيه حديث النزول الى السماء الدنيا فقال هذا يدل عن ان الله
تعالى على العرش لانه لولا ذلك لمكان لقوله ينزل معنى.
وهذا كلام جاهل بمعرفة الله عز وجل، لان هذا استسلف من حسه مايعرف من نزول الاجسام فقاس صفة الحق عليه.
فايــــــــــــــــــــــــــن هؤلاء واتباع الاثر؟
ولقد تكلموا بأقبح ما يتكلم به المتأولون ثم عابوا المتكلمين.
اعلم ايها الطالب للرشاد ، انه سبق الينا من العقل والنقل اصلان راسخان عليهما مر الاحاديث كلها:
-اما النقل فقوله سبحانه وتعالى((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ))ومن فهم هذا لم يحمل وصفا على مايوجبه الحــــــــــــــــــــــــس
-واما العقل فانه قد علم مباينة الصانع من المصنوعات، واستدل على حدوثها بتغيرها ودخول الانفعالات عليها فثبت له قدم الصانع)).1
-1-السيد الفاضل عبد الرحمان بن الجوزي"فقرات من كتاب "صيد الخاطر" ص45 دار الرحاب الجزائر