الشعراء الصعاليك
[frame="2 80"]هم جماعة من الفقراء اللصوص ، انتشروا في الجزيرة العربية خرجوا عن طاعة رؤساء قبائلهم ولم يخضعوا للأعراف القبلية بل تمرّدوا عليها ، ولم يتقيدوا بالتزام القبيلة أو محالفاتها لقبائل أخرى أو تعرض القبيلة لأخطار جسيمة ، وإلى ذلك عرف هؤلاء الصعاليك الشعراء بجرأتهم وإقدامهم على اقتحام المهالك ويمتازون بالشجاعة والصبر وسرعة العدو فكانوا من العدّائين الذين لا يجارون في سرعة عدوهم ، فالحياة والموت سواء في نظرهم و كانوا يغيرون على البدو والحضر ، ويقطعون الطريق ويغيرون على القوافل فيقتلون و يسلبون فيسرعون في النهب ، لذلك يتردد في شعرهم صيحات الجزع والفقر والثورة وكانوا يغزون على أقدامهم فإذا عدوا فاتوا مطارديهم فلم يدركوهم ، وكانوا يقولون الشعر الذي يصوّر أحوالهم ، وكان الصعاليك يجتمعون معاً في بعض الأحيان في غزو بعض القبائل، فقد كانوا يعطفون على الفقراء والمساكين ، وكثيراً ما كان هدف الغزوة توزيع الغنائم على ذوي الحاجة ، و توجه غزواتهم عادةً إلى الأغنياء و البخلاء .
وحين نرجع إلى أخبار الصعاليك نجدها حافلة بالحديث عن الفقر ، فكل الصعاليك فقراء لا نستثني منهم أحداً حتى عروة بن الورد سيد الصعاليك الذين كانوا يلجئون إليه كلما قست عليهم الحياة ليجدوا مأوى حتى يستغنوا ، فالرواة يذكرون انه كان صعلوكا فقيرا مثلهم ،
ولم يعترفوا بالمعاهدات أو الاتفاقيات بين قبائلهم والقبائل الأخرى ما أدى إلى طردهم من قبل قبائلهم، وبالتالي عاشوا حياة ثورية تحارب الفقر والاضطهاد وتسعى للتحرر في شكله المتمرد.واصطبغت أدبيات الصعاليك برؤيتهم عن الحياة فجاءت معظم قصائدهم تحكي عن شجاعتهم وقدرتهم و تحديهم للمجتمع.
قال صاحب كتاب «جمهرة أشعار العرب» . الصعلوك في نظر الفقه اللغوي ـ هو لص، فاتك ، خليع ، ذئب . وهم أولئك المغيرون ، أبناء الليل ، الذين يسهرون ليلهم من أجل السلب والنهب، وممارسة الاغارة على القبائل والقوافل التجارية .
ولهذا اتصلت أوصال مجتمع شعراء صعاليك جاهلية العرب ، واتحدت مشاعرهم بوطأة الظلم ، والفقر ، الواقع على كاهلهم ، فبادروا الى الأخذ عن الغني ، البخيل ، ومناصرة الفقير البائس، فحملت نفوسهم أخلاق نبيلة ، وقيم سلوكية رفيعة ، تغنوا بها في أشعارهم ، كالكرم الذي أتصف به أغلبهم .
يقول أحد مشاهير هؤلاء الصعاليك ، وهو (عروة بن الورد)
فراشي فراش الضيف والبيت بيته ***ولم يلهني عنه غزال مقنع
وهم ـ أيضا ـ أصحاب أنفة واعتداد بالنفس ، فيتحملون الأذى الجسدي، والجوع ، من أن يستجدى أحدهم غيره . والمدهش أنهم لا يستأثرون بما يأخذون ، بل كانوا يؤثرون من كان بهم خصاصة ، من أصحاب الحاجات المعوذين على أنفسهم . يقول (المبرد): «انما سمي عروة الصعاليك لأنه اذا اشتكى اليه فتى من فتيان قومه الفقر أعطاه فرسا ورمحا ، وقال له :
إن لم تستغن بهما فلا أغناك الله.
وهؤلاء الشعراء الصعاليك ، الذين خرجوا عن السياق القبلي، لأسباب مختلفة، بعضها سياسي، أو اقتصادي ، وبعضها اجتماعي أو نفسي ـ قدموا صورة مغايرة للمرأة ، حيث تحولت من موقعها الغزلي ـ كفتاة مدللة ـ الى كيانات متنوعة ، فهي الوفية التي لا تتوانى عن الوقوف خلف زوجها ، أيا كانت مشكلاته وهي الحكيمة التي تقدم النصح الجديد، وهي الشخصية الانسانية في تساميها ، حين تقوم بدورها النبيل ، مكافحة ومصارعة مشاق الحياة، من أجل البقاء .
وذلك لأن المرأة لدى الشعراء الصعاليك غاية يراد بلوغها ، اذ إن الشاعر المحب يصور المرأة كما يراها هو أو كما يحب أن يراها، ويعبر عن عاطفته الذاتية لا عن عواطف الغير، ويتغزل مدفوعا بميله الفني في تصويره ما يحس به فجاء غزل شعر بعض هؤلاء الصعاليك عفيفا عذريا ، كأحد أبرز عناصر الصورة الجمالية عندهم ، حتى أن كثيراً منهم شكا من تمنع بعض الحبيبات ، نتيجة حيائهن ، يقول (قيس بن الحدادية)
وان الذي أملت من أم مالك ***أشاب قذالي واستهام فؤاديا
او كقول السليك بن السلكة وهو يصفها فى أشعاره بين جمال الخلقه وجمال الخلق :
لعمر أبيك والابناء تنمي ***لنعم الجار أخت بني عوارا
من الخفرات لم تفضح أخاها ***ولم ترفع لوالدها شنارا
كأن مجامع الأرداف منها ***نقى درجت عليه الريح هارا [/frame]