ذكريات تائب
الحمد لله غافر الذنب، و قابل التوب شديد العقاب ذي الطول ، لا اله إلا هو إليه المصير . الحمد لله الذي يقول للشيء كن فيكون و برحمته نجى موسى و قومه من فرعون ، الحمد لله الذي كان نعم المجيب لنوح إذ دعاه و كشف الضر عن يونس لما ناداه و سبحان من كشف الضر عن أيوب و رد يوسف بعد طول غياب إلى يعقوب. وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله و سلم وبارك عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار وما تعاقب الليل والنهار.
أما بعد: فهذه ذكريات ، ومشاعر وهمسات، أفضى بها التائبون ، واعتبر بها المذنبون ، نعم هي ذكريات اعترف بها شباب لعبت بهم الشهوات و فتيات ولغن في الملذات ، هي ذكريات مرت وانقضت ، وانتهت ونسيت ، لكنها سجلت وكتبت وأحصيت وعدت.
نعم،هذه ذكريات تائب واعترافات منيب و راغب ، في زمن كثرت فيه المغريات ، وتنوعت الشهوات ، وزلت بكثير من الناس الأقدام ،فقار فوا المعاصي والآثام فضعف الإيمان وقوي عليهم شيطانهم ،إنها ذكريات لمن يؤمن بقوله تعالى:" نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم" ويؤمن بقوله: " و أن عذابي هو العذاب الأليم"
هذه أخبار أقوام أخبر ربهم أنه يفرح بتوبة التائبين إليه ، مع غناه عنه ، وشدة حاجتهم إليه ، وكيف لا يفرح بتوبتهم ،و ناداهم بقوله : يا عبادي إنكم تخطؤن الليل و النهار و أنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم .
و ناداهم نبيهم بقوله: (( إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)).
ومن هؤلاء التائبين:
قصته.............
في مساء ليلة شاتيه.....رن جرس الهاتف.....
رفعت السماعة فإذا هو صوت عبد الله...
نعم...عبد الله ... قد تخرج في الكلية في العام الماضي ، و انقطعت العلاقة بيننا منذ ذلك الحين . ما إن سمعت صوته تذكرت حسن منظره وشبابه وصحته.
- حياك الله يا عبد الله ...مرحبا ... كيف حالك ؟ ما أخبارك؟ ما...؟
قاطعني بصوت ضعيف:
- تذكرتني يا شيخ ...أريدك أن تزورني يا شيخ في البيت...ضروري ...هاه...أنا لا أستطيع زيارتك ... لا تسألني لماذا، إذا جئتني عرفت السبب.
و صف لي الطريق بدقة إلى منزله . طرقت الباب ، فتح لي أخوه الصغير.
-أين عبد الله؟
-عبد الله ....في المجلس...تفضل...
مشى الصغير أمامي ، فتح لي باب المجلس فلما دخلت دهشت.... ماذا أرى ؟؟ عبد الله على سرير أبيض ، بجانبه عكاز ومجموعة من الأدوية ، أما هو فجسد ملقى على السرير.
قال لي مرحبا :
- حياك الله يا شيخ ، كلفناك ، وأتعبناك.
- لا..لم تتعبني ، عفوا لم أعلم بمرضك من قبل ، و لكن ماذا أصابك ؟ ألم تحدثني أنك ستتزوج وتبني بيتا وتشتري سيارة . قال: نعم ولكن حدث ما لم يكن في حسباني ، تخرجت قبل شهور وعملت في وظيفة مرموقة و مضت علي الأيام لا يكدر صفوها إلا صداع بسيط ينتابني أحيانا ، ثم بدأ يشتد فكنت أتناول الأدوية المسكنة ، ومضت أيام على هذه الحال ، وقد تعود رأسي على هذا الصداع حتى صرت أنساه في كثير من الأحيان مع شدته .
لكنه ازداد شدة وصاحبه ضعف في النظر . حتى اشتد علي في أحد الليالي ، فذهبت إلى المستشفى ...شاكيا مما يصيبني فلما قابلني الطبيب ، عمل لي التحاليل ، ثم طلب إجراء أشعة دقيقة للرأس ، فأجريتها وجئته بها ، فأخذ يقلب الأوراق وهو يردد: لا حول ولا قوة إلا بالله...
ثم رفع السماعة ، واستدعى مجموعة من كبار الأطباء فبدءوا جميعا يقلبون النتائج ويتكلمون فيما بينهم بالانجليزية ....بينما كنت أقول في نفسي المسألة حلها بسيط حبة مسكن وقطرة عين وانتهى الأمر ....هؤلاء الأطباء يكبرون المسائل دائما ، كل منهم يريد أن يستعرض قواه...حاولت أن أفهم شيئا مما يقولون ولكني مع تركيزي الشديد لم أفهم كلمة واحدة... وفجأة التفت إلي أحدهم و قال: اسمع يا عبد الله أنت أكبر من أن نقول لك أحضر والدك
- خير ان شاء الله يا دكتور... ماذا تقصد؟؟؟
- فقال بصوت حازم: التقارير تدل على أنك مصاب بورم في رأسك ،حجمه يزداد بسرعة كبيرة ،وهو الآن يضغط على عروق العين من الداخل وفي أي لحضه يمكن أن تصاب بعمى ثم تصاب بنزيف داخلي في الدماغ ثم تموت..........
سكت الطبيب ...نعم سكت الطبيب لكن كلمته الأخيرة بدأت تتردد في أذني... تموت..تموت... يا للهول ..ما أقسى هذه الكلمة.. ما أشد وقعها في غل النفس..أموت..نعم أموت...لكن شبابي..رواتبي..وظيفتي..أمي ...أبي...أموت؟؟
- صحت بأعلى صوتي ، يا دكتور ... ماذا؟ كيف؟ متى؟ ورم؟؟ و أنا في هذه السن؟؟ أعوذ بالله ؟ سرطان؟؟لا حول ولا قوة الا بالله .....
- نعم ورم ، و لا بد من علاجه بسرعة ، الليلة ندخلك الى المستشفى و نكمل التحاليل اللازمة وفي الصباح نجري العملية.
أما أنا فلم أكن أستمع اليه بأذني فقط ،بل أضن أن جسدي كله قد تحول إلى أذن تسمع وتعي. فاختلطت عباراته علي ولم يثبت في ذهني الا ورم...سرطان...عملية... فرحت أفكر ماذا لو كتب الله علي الموت أثناء العملية؟؟ ماذا ستفعل أمي ؟أبي الذي جاوز عمره السبعين؟اخواني ؟أخواتي الصغار؟؟
بل كيف سأدخل القبر وحدي ؟ كيف سأمر على السراط؟ كف ؟ وكيف؟ أين تخطيطاتي ...وشهاداتي...الزواج...الوظيفة الجديدة؟ كيف يحصل هذا فجأة ؟؟ أسئلة كثيرة تتردد ببالي ..جعلتني أسبح في بحر من الأفكار لا ساحل له.
أخذت أصرخ في داخلي: يا حسرتا على مافرطت في جنب الله يا ليتني قدمت لحياتي الآخرة. كل المتع التي كنت أجمعها ،والمراكز التي كنت أسعى لها ،تذهب فجأة، هكذا بدون مقدمات\ن ما أقصر هذه الحياة ؟؟ و الله ما كنت إلا في غرور.
كيف كنت أتتبع الشهوات ، وأواقع اللذات ،وجهنم قد سعرت ، الأغلال قد نصبت، والزبانية قد أعدت؟؟ ....تبا لهذه الدنيا ،إن أضحكتك قليلا أبكتك كثيرا، وإن أفرحتك أياما أحزنتك أعواما، وإن متعتك قليلا أشقتك طويلا...
و أخذت أعاتب نفسي الخاطئة أشد المعاتبة.
آه......ما أطول حزني غدا؟؟ رحماك يا ربّ ...رحماك يا ربّ.
وفجأة قال الطبيب : هذه أوراق العملية ..وقع عليها حتى نحجز لك سريرا وننهي إجراءات إدخالك إلى المستشفى..
ثم مدها إلي فرفضت توقيعها وخرجت و أنا أدافع عبراتي و أتفكر في حالي ...أين أذهب؟؟ إلى البيت ، أم أرجع إلى المستشفى ؟؟ وبعد تفكير سريع قررت أن أذهب إلى مستشفى آخر ، وبعد ما أجريت لي التحاليل و الأشعة أخبرني الطبيب بما أخبرني به صاحبه و طلب المسارعة بإجراء العملية ، فكانت الصدمة علي أهون ، اتصلت بوالدي ، فحضر إلي في المستشفى ، شيخ كبير جاوز عمره السبعين ، فلما رآني فزع من وجوم وجهي
فقلت له: تعلم يا أبي أني أشكو من صداع دائم و الفحوصات تدل على وجود ورم ولا بد من إجراء عملية عاجلة ...
- صاح أبي : ورم...ورم ... لا حول ولا قوة إلا بالله ....ثم جلس إلى الأرض وهو يردد: إنا لله و إنا إليه راجعون ... إذا نرسلك لتعالج مع أخيك في أمريكا ... لا حول ولا قوة إلا بالله ... قال هذه الكلمات وهو يتذكر معاناته مع أخي الأكبر الذي يعالج في أمريكا من السرطان ..
كم رأيت أبي يبكي في الهاتف وهو يكلمه..
كم كان يدعو له بالليل و الأسحار..وفي الصلوات ، كان حزن أبي ظاهرا عليه خاصة إذا رأى أولاده يسألون عن أبيهم : جدي أين أبانا ؟ لماذا ليس لنا أب مثل بقية الأولاد؟؟
أخذت أنظر إلى أبي و دموعه تسيل على خديه...وهو يرى أبنائه يموتون بين يديه ، فأخي خالد توفي في حادث سيارة قبل سنتين ، و أخي عبد الرحمان يصارع الموت في أمريكا ...وأنا في بداية طريق لا تعلم نهايتها .
التفت أبي إلى الطبيب و قال: نريد أن تعطينا الأوراق و الفحوصات و سوف يسافر إلى أمريكا .... يعالج هناك مع أخيه.
وافق الطبيب ، وأخذ أبي الأوراق ، وتمت الحجوزات ، سافرت إلى أمريكا مع أخي عبد العزيز .
وصلت إلى المستشفى عملوا لي التحاليل والفحوصات اللازمة بسرعة.
وفي الصباح أدخلوني غرفة العمليات ، كم هي غرفة موحشة أجهزة هنا وهناك .. سكاكين ، ومقصات ، و مشارط.....كأني في مشرحة.
وجوه واجمة تنظر إليك بتلهف كأنما تريد افتراسك.
بسم الله ...لا اله إلا الله ...ذكرت الله كثيرا.
رفعت يدي إلى رأسي أتحسسه ... مسكين يا رأسي .. كيف سيكون حالك بعد قليل؟؟ وقف الممرضون ينتظرون الطبيب المسؤول ... فجأة فتح باب الغرفة و دخل الطبيب ... فصافحني ثم أشار إلى أحدهم فجاء بإبرة كبيرة (أي و الله كبيرة) ثم طعن فخذي فكان آخر عهدي بالدنيا .. دخلت في غيبوبة تامة.
حلق الطبيب شعري ثم قطع فروة رأسي ثم بدأ ينشر عظم الجمجمة حتى نزع أعلاها ... ووضعه بجانبه .. ثم أخرج الورم ، وكان أكبر من البيضة بقليل .
الأمور تسير على ما يرام ..
فجأة... اضطرب الدم في عرق الدماغ ، ثم توقف في الشرايين ، و أصابتني جلطة دماغية.
فاضطرب الطبيب فحرك الأعصاب المتصلة بالمخيخ فأصابني بشلل نصفي .
فلما رأى الطبيب ذلك أنهى ما تبقى من العملية بسرعة ، و سارع إلى إرجاع عظم الجمجمة إلى مكانه و غطاه بالجلد وخيط مكانه.
ثم أخذوني إلى غرفة العناية المركزة( غرفة الإنعاش)...استقر حالتي خمس ساعات و فجأة أصابتني جلطة في الرجل اليسرى فحملوني سريعا إلى غرفة العمليات ، و فتحو صدري ووضعوا فلترا صغيرا على أحد شرايين القلب ثم أعادوني إلى غرفة الإنعاش ...استقرت حالتي أربع ساعات ثم أصبت بنزيف في الرئة ...
حملوني مرة أخرى إلى غرفة العمليات و فتحوا صدري و نضفوا الرئة من الدم و عالجوا النزيف ثم أعادوني إلى غرفة الإنعاش ... ضاق الطبيب بأمري ذرعا .. أمراض متتابعة ... حالة متقلبة ... مفاجآت لا آخر لها .. استقرت حالتي أربعا وعشرين ساعة فأحس الطبيب بالسرور و الاطمئنان .........وفجأة بدأت حرارة جسدي ترتفع بشكل مخيف.
أجرى الطبيب فحصا سريعا علي .. فاكتشف أن العضم الذي استخرج الورم من تحته أصيب بالتهاب شديد ، ولا بد من إخراجه و تعقيمه ...قبل أن يؤدي إلى تسمم الدماغ......
استدعى الطبيب فريق العمليات ثم حملوني كالجنازة و ألقوني على سرير غرفة العمليات .. بدأت أنظر إليهم ، لا أملك من أمري شيئا .. وكلت أمري لله ... غلبني البكاء فبكيت تمنيت أن أرى أمي و أبي لأقبل أيديهما ، بل و الله و ألثم أرجلهما ... قبل أن أودع الدنيا .. دعوت الله و استغثت به : رب أني مسني الضر و أنت أرحم الراحمين ، ثم رفعت بصري إلى السماء و قلت : يا أرحم الراحمين .. إن كانت هذه عقوبة فأسأل الله المغفرة ... و إن كانت بلاء فارزقني الصبر على البلاء و عظم لي الأجر والجزاء ثم غلبني البكاء فأخذ الممرضون يصمتونني ..غالبت نفسي .. وتصبرت.
ذكرت هادم اللذات ... وتفكرت في انحلال الملذات .
طالما سخرت بي الدنيا حتى ذهبت الأيام .
كلما نصح الناصحون .... قلت عن قريب أتوب ... وما تبت.
قد غرني فيما مضى من شبابي ... وجمال سيارتي و ثيابي ... ونسيت الاستعداد للحياة الأخرى .. و الله لقد عضمت كربتي .. وذهبت قوتي .. وغدا يصبح التراب فراشي .. ليتني كنت من قوامي الليل .. الذين أطار ذكر النار عنهم النوم .. و أطال اشتياقهم إلى الجنان الصوم... فنحلت أجسادهم وتغيرت ألوانهم ... تفكرت في الحشر والميعاد... و تذكرت حين يقوم الأشهاد.
ويلي .. إن في القيامة لحسرات .. و إن في الحشر لزفرات .. و على الصراط عثرات ...وعند الميزان عبرات ...و الظلم يومئذ ظلمات .. و الكتب تحوي أخفى النظرات... و الحسرة العظمى عند عرض السيئات ... فريق في الجنة يرتقون الدرجات... وفريق في النار يهبطون الدركات ....
و ما بيني و بين هذا إلا أن يقال فلان مات
و أخشى أن أصيح : رب أرجعوني ..... فيقال: العمر ..فات.
عجبا للموتى... جمعوا فما أكلوا الذي جمعوا ... وبنوا مساكنهم فما سكنوا ... تبا لهذه الدنيا .. أولها عناء .... و آخرها فناء ... حلالها حساب... وحرامها عقاب... تفكرت في حالي .......فإذا عمري محدود ... ونفسي معدود.. وجسمي بعد الممات مع الدود....آه .....إذا زلت يوم القيامة القدم ... و ارتفع البكاء وطال الندم.
ويلي إذا قدمت على من يحاسبني على الصغير والكبير .
يوم تزل بالعصاة الأقدام ... وتكثر الآهات و الآلام ...وتنقضي اللذات كالأحلام .. ثم بكيت ...نعم بكيت ، وتمنيت البقاء في الدنيا ... لا لأجل التمتع بها ، وإنما لأصلح علاقتي بربي جل جلاله وارتفع سلطانه.
و فجأة...
أقبل الطبيب نحوي و أمر بتخديري ... فلما غبت عن الدنيا ..سل سكاكينه ومشارطه...ثم انتزع فروة الرأس و أخرج العظم ووضعه جانبا ،ثم أعاد الجلد فوق الدماغ من غير عظم ...
استغرقت العملية ساعات ... وبعدها حملوني ... و ألقوني على سرير غرفة الإنعاش أفقت من إغمائي ...فإذا الأجهزة تحيط بي من كل جانب ... هذا لقياس التنفس ... وهذا لقياس الضغط... و الثالث لضربات القلب ... والرابع.... والممرضون يحيطون بي من كل جانب . تعجبت من هذا المنظر ... أين أنا؟؟ بقيت واجما ثم تذكرت أني في أمريكا ، وأني قد كنت في غرفة العمليات
رفعت يدي ،وتحسست رأسي فإذا هو لين ...أين العظم؟؟... بالأمس كان رأسي مكتملا... بكيت... سألت الطبيب: أين بقيت رأسي؟؟؟؟
- فقال لي بكل برود: عظمك يبقى عندنا لتعقيمه.. و بعد ست أشهر ترجع إلينا، لنعيده مكانه، مكثت أياما في العناية المركزة ثم أخرجت منها.
مكثت في أمريكا شهرا كاملا ثم عدت إلى هنا .
و ها أنا ذا أنتظر الأشهر الستة لأستعيد بقية رأسي....
ثم سكت عبد الله .... وهو يدافع عبراته ... و حق له أن يبكي.
أما أنا...
فاستمعت منه هذه الكلمات .. و أنا في أشد العجب من تقلب الزمان على أهله.. فبعد ما كان شابا مفتول العضلات ..بهي الوجه... يتقلب بين المال الوفير.. و الوظيفة ... والصحة ... والعائلة المرموقة...و... ثم هو الآن على هذه الحال..
فسبحان من يقضي و لا يقضى عليه...
ما أحقر هذه الدنيا...حقا إن الآخرة هي دار القرار .
ومضت الأيام.......... وأنا أزوره من حين لآخر.
و مع العلاج منّ الله عيه فشفي من الشلل ، واستطاع المشي.
فانقطعت عنه مدة ... ثم اتصل بي ، و أخبرني أنه مسافر إلى أمريكا كي يستعيد بقية رأسه... و بعد رجوعه جئته زائرا ،فإذا وجهه متهلل فرح مسرور ... وقد أكمل الله عليه نعمته واستعاد بقية رأسه ... وناولني بطاقة يدعوني فيها إلى زواجه. أمّا حاله الآن فهو من الصالحين .... بل من الدعاة إلى الله تعالى ... الذين يخدمون الدين بكل ما يملكون.
إن نظرت إلى المساكين وجدت أنه يكفل عددا منم .... يتولى جمع الزكاة ، وإنفاقها عليهم، بل إن له باعا في تنسيق المحاضرات لبعض الدعاة.
والمساعدة في طباعة الكتب و توزيعها ... إلى غير ذلك من أوجه الخير....
( فعسى أن تكرهوا شيئا و يجعل الله فيه خيرا كثيرا)
أسأل الله تعالى لي ... وله ... ولك ... ولجمع المسلمين الثبات على دينه...آمين.
و بعد...
أيها الأخ الكريم...
أيتها الأخت الكريمة....
لا أدري كيف أبدأ معك الكلام ؟
و لا أدري هل ستقبل مني ، أم لا؟؟؟
ولكن لا بد من المصارحة... فأنت أخ مسلم لك علي حق النصح والتوجيه... والله ما كتبت إليك هذه الكلمات إلا لأني أحب لك ما أحب لنفسي من الخير ...فأحسن بي الظن ... ولا تعجل في الحكم...
أنت عبد لله تعالى تقف بين يديه كل يوم خمس مرات .. وكل ذرة من ذرات جسمك... بل و كل نفس من أنفاسك لا يتحرك إلا بإذن خالقك...فهل سألت نفسك يوما:
- كيف علاقتي معه ؟؟
- هل هو راض عني أم لا؟؟
- كيف سيكون اللقاء يوم القيامة؟؟؟
أنت وحدك من تستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة.
و الاشتغال بالطاعات ... و الكف عن المحرمات ... هو سبيل إلى رضا الله تعالى ... بل هو سبيل دخول الجنة.
قال صلى الله عليه وسلم : (( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: و من يأبى يا رسول الله؟؟؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى.))
هذه أول خطوة لمن أراد أن يكون من أهل الجنة ..أن يوقن بأنه في هذه الدنيا عابر سبيل... أن الدار الآخرة هي دار القرار... و أن البلاء قد ينزل به في أي لحضه ... و أن النَّفَس إذا خرج قد لا يعود إليه....
و لا يغتر بماله و صحته وقوته... و لا بجاهه ومنصبه... فإنما هذه أحلام قد تزول في طرفة عين.
منقول عن كتاب "روائع العريفي" بتصرف