عادل عازب الشيخ
الــــفلول يتجمّعــــون في تــــاج غــــول
هاتفني مؤخرا أحد الشخصيات المرموقة وأخذ يمدحني ويذكرني بخصال جميلة واستغربت منه لأنّي اعرفه من أصحاب المصالح ،ودون ترددّ قال لي بعد تمهيد طويل «إننا نريد أن تشاركنا في مشروع سياسي جديد « فقلت له وما الفائدة من صحفي فاشل وكسول ؟،فقال « لا ،ما تحقرش روحك ،سنجعل لك مكانة كبيرة ،تعالى أدخل معانا في حزب التاج وسوف تشوف وين تعود ..؟ ،فأجبته وهل يفلح غول في طري...قه الجديد فأجابني بكل صراحة (وأقسم على ما ذكره لي) :»هذا حزب السلطة وأكيد سينجح ،قلت كيف؟ ،قال تعرف الأرندي في 1997 ،هذا الثوب السياسي للمعاليم لكبار نتاع 2012..»فلم أجد ردّا لكلامه إلاّ قول خليل جبران «يحسبونني مجنونا لأنني لا أبيع أيامي بدنانيرهم ،وأحسبهم مجانين لأنهم يظنون أن أيامي تباع بالدنانير».وأضفت له قول العقاد « كن شريفا أمينا، لا لأن الناس يستحقون الشرف والأمانة، بل لأنك أنت لا تستحق الضعة والخيانة».
هكذا بكل غباء كشف كوادر غول اللعبة من أوّلها لأّنهم عهدوا الناس كالذئاب الجائعة الباحثة عن الجيف النتنة ليأكلوها ،صحيح أنه وبدون منازع نجح الوزير غول في جمع الفلول من «المتردية والنطيحة والمنسلخة وما أكل السبع ،وجماعة الهم هم والهفاقة والبزناسة والمغرورين والمندفعين ،وأصحاب لكريدي بونكار وناكري الجميل ..»حول مائدة واحدة ؟،وشخصيا استغربت كثيرا من الصورة التي نقلها لي أحد الأصدقاء الذين حضروا بهرجة الشيراطون حينما حدثني عن خطاب هدهد السلطان والمأكولات الشهية التي وضعت لهم في مشهد غريب للغاية «فقد قال لي «أطلب كل شيء يجيك في الشيراطون ،هذا حزب شريكة قادرة «وعندما قلت له أنت غيّرت جلدك ؟قال :لا ؟ ،فتذكّرت حينها مائدة قوم نبينا عيسى التي أنزلت لهم من السماء ليؤمنوا بالمولى عزّ وجل لكنّهم بعدما أكلوها كفروا بالخالق ،وهنا يستغرب الكثير لماذا كل هذا التطبيل للمولود الجديد في منابر كانت بالأمس محرمة عليه ،لكنه الواقع السياسي والإعلامي المتعفن للذين يتلوّنون كالحرباء لأنهم كالفلول تطبّل للسلطان ولا يهمّها ضمائرها . وتذكّرني هذه اللحظات التاريخية التي نعيشها اليوم من عمر الديمقراطية في بلادنا بالخطة الشيطانية التي أهدى لها المعادين للإسلام حينما جمعت كل قبيلة رجالها من أجل القضاء على الدعوة المحمدية في غزوة الأحزاب ، ومن الصدف أنّ هذه الغزوة وقعت في شهر شوال (السنة الخامسة هجرية ) وحزب التاج ولد في شوال أيضا،ولعل من أسباب هذه الغزوة محاولة كسر الرسالة المحمدية خاصة وأن الحرب لم تضع أوزارها بين المسلمين والمشركين تماما مثلما لم تهدأ الأمور بين التكتل الأخضر ومعارضيه،فقريش التي أرادت حسم الصراع لصالحها اهتدت إلى تجميع كل القوى الشريرة المعادية للإسلام في غزوة الأحزاب، وكان القاسم في تفاهم هذه الشيع والطوائف المطامع في استرجاع أرزاقهم وأملاكهم أو التمسّك بالمعاصي والخمور مذهبا في حياتهم، تماما مثلما تكالبت القوى الشريرة على التيار الإسلامي في البلاد.
هؤلاء الذين يمكرون وقت الشروق والنهار وفي الفجر ليعمّ فسادهم البلاد يحسبون أنهم الفائزون وأنّه لا قوّة يمكن أن توقف مشاريعهم ،لكن قدر الله فوقهم ،ولنا في غزوة الأحزاب عبرة، فيالها من لحظات وقت الشدة في غزوة الخندق عاشها الصحابة والجوع والعطش يأكل أجسادهم المندفعة لنصرة الإسلام لرفع راية الحق في كل مكان ،حين ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم الصخرة التي استعصت على المسلمين ثلاث ضربات فتفتت فقال إثر الضربة الأولى : «الله أكبر ، أعطيت مفاتيح الشام ،والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة ، ثم ضربها الثانية فقال : الله أكبر ، أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض ، ثم ضرب الثالثة ، وقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة».. وكأن الأمس يتجدد اليوم فالشام شارفت على التحرر من نظام الأسد بعدما صنع الجيش الحر ملحمة ثورية رائعة وأسقط الأحرار نظام صالح في اليمن ،وقبل ثلاث سنوات من اليوم كان الحديث عن وصول الإسلاميين لسدّة الحكم في البلاد العربية ضربا من الخيال بل أن قائل هذا الكلام يستهزأ به أو يصبح طرطورا وسط الفلول التي لم تصدق أن نظام مبارك رحل وأن محمد مرسي الذي تربّى بين أحضان الإخوان أصبح رئيسا لمصر بكامل الصلاحيات الدستورية ، وقد قالت الآية الكريمة من فوق سبع سموات على الذين يستهزؤون بنصر الله لعباده المخلصين (( وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً )). لكن الثابت على المنهج والدعوة يدرك أن وعد الله حقّ وما ضاع حقّ وراءه طالب .ولعل من المسائل التي يجب أن يقف عندها المغرورين أو المغرّر بهم كثيرا أثناء سيرهم فوق هذه المعمورة العبر الكثيرة الواردة في غزوة الخندق التي من أهمّها مشروعية مبدأ الشورى في المسائل التي لم يرد فيها نص مع الفوائد الذهبية في استشارة القيادة للجندية .
وختاما نقول أن حركة مجتمع السلم والتكتل الأخضر بخروجهم إلى صفّ المعارضة ستمنح مناضليها رواقا مريحا لممارسة دورهم الجديد بكلّ أريحية ،وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال: «الآن نغزوهم ولا يغزوننا ، نحن نسير إليهم» لكن من العبر التي لا بد أن يتفطن لها أبناء التيار الإسلامي أن السلطة التي اهتدت إلى الأسلاك الأمنية المشتركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة لبسط سيطرتها على المؤسسة التشريعية ترمي من خلال تأسيس حزب غول إلى دفع فلول وذيول الأحزاب السياسية بكل ألوانها القديمة والوافدة للتوحد لتجاوز سقف 7 بالمائة لكسر شوكة التكتل الأخضر الذي لن ينجح إلا بإشراك جبهتا مناصرة والتغير وحتى السلفية والمستفيدين من حقوقهم المدنية في حزب الفيس لإفتكاك غالبية المجالس في المحليات القادمة ومن ثمّ إحداث معارضة قوّية ترتكز على المنتخبين المحليين في الولايات ،لأن التاج ببساطة صورة عاكسة لعصبة حاكمة تحاول ضمان ريوعها في المرحلة القادمة عبر غطاء سياسي يكون بنفس روح المشاريع الاقتصادية التي يسيّرونها حاليا.
مقالي الأسبوعي الرحيق المسروق // عادل عازب الشيخ.
•