3- استراتيجية التوجيه:
يطرح مالك بن نبي فكرة " توجيه" الحضارة وذلك لتحقيق الفعالية النهضوية المنشودة. وكما سبق أن قيل، فإن ذلك يخص العناصر الحضارية الثلاثة أي الإنسان والتراب والوقت. يتمثل التوجيه عنده في " قوة في الأساس وتوافق في السير ووحدة في الهدف". فالإنسان يؤثر في المجتمع من حيث توجيه الثقافة والعمل ورأس المال.
أ?- توجيه الثقافة:
إن عامل الثقافة مرتبط بالدين وفهمه الصحيح والقويم. ومن ثم على المجتمع الإسلامي أن يصحح من مفاهيمه وتقاليده حتى يتسنى له التخطيط للمستقبل وتحقيق أهدافه الحضارية. ويستشهد لذلك بما قام به كل من الشيخين محمد عبده وعبد الحميد بن باديس من مجهودات معتبرة لإصلاح الأمة. ويتمحور التمفصل بين الثقافة والدين في وضع عناصر جوهرية للتفكير وهي: الدستور الخلقي. والتوجيه أو الذوق الجمالي إذ الجمال يمثل الإطار لتكوين الحضارة. والفن التطبيقي مثال الصناعة بمفهومها القديم و الحديث. والمنطق العملي.
ب?- توجيه العمل:
يرى مالك بن نبي أن العمل هو النشاط الذي يقوم به الإنسان المسلم ويلتقي مع الرؤية اللإسلامية للشغل. ومن ثم يمكن تصنيف ذلك كما يلي: توفير شروط التحول من "العطالة" أو البطالة إلى " حالة العمل الموجه"، حيث أن الجهود الاجتماعية تصبح تسير في اتجاه واحد: العمل التربوي. محو الأمية. إزالة أو إماطة الأذى عن الطريق. النصح بالنظافة والجمال، مساعدة الآخرين، غرس الأشجار. استغلال أوقات الفراغ. فالعمل معناه أننا " نعمل ما دمنا نعطي أو نأخذ بصورة تؤثر في التاريخ". فتوجيه العمل المرتبط بتأليف أو توليف هذه الجهود لتغيير خلق ووضع وبيئة الإنسان لتتوفر لديه شروط جديدة. إن توجيه العمل يتولد أو هو مشروط بتوجيه الثقافة، حيث يتوحد معها.كما أن " التوجيه المنهجي للعمل" يجب أن يكون شرطا عاما ثم يكون خاصة بكسب الحياة.ويتم فتح مجالات جديدة للعمل نتيجة توجيه رأس المال.
ج- توجيه رأس المال:
يفرق مالك بن نبي بين الثروة ورأس المال.فالثروة " شيء شخصي" مرتبطة بالحاجات " لمالكها". أما رأس المال فهو عامل متحرك " يخلق حركة ونشاطا" بدون الارتباط بصاحبه. تتخصص حركية رأس المال في جعل العمل نهضويا وذلك من خلال توظيف العقول والأيدي.أيضا، تحويل الثروة إلى رأس مال هو عمل نهضوي. كما يعد تحويل " كل قطعة نقدية إلى كيان متحرك" عامل " يخلق معه والنشاط". ولذا إن "تحويل أموال الأمة البسيطة" بتوجيهها من " أموال كاسدة إلى رأس مال متحرك ينشط الفكر والعمل والحياة" يعد عمل نهضوي. " إن تكوين رأس المال ممكن حتى في وطن فقير إذا ما اتحدت الجهود" كتوجيهها للصالح العام. كل هذه الجهود وفرص " التوجيه" يجب أن تكون مخططة من قبل هيئة تعمل على دراسة وتحديد الأهداف ثم تعبئة الموارد لتحقيق النهضة.
خاتمة:
يمكن تلخيص الفكر الاقتصادي خاصة ومنظومة أفكار عامة مالك بن نبي كما يلي: أولا: لقد أكد المفكر على ضرورة الرجوع إلى المرجعية العقائدية الإسلامية لإعادة بناء الحضارة، ثانيا: قام المفكر بإعادة نظام الأولويات إلى نصابه وذلك بإبراز دور "الاستخلاف" للمسلم كفرد وكمجتمع، ثالثا: وقع توافق بين فكر مالك بن نبي ومنظومة مقاصد الشريعة التي تولي إلى ضبط الموارد البشرية أولوية مقارنة بضبط الموارد الأخرى خاصة المادية.
قائمة المراجع:
1- مالك بن نبي ( 1382هـ -1961م) الظاهرة القرآنية، الطبعة الثانية، دار الفكر، القاهرة، مصر.
2- مالك بن نبي ( 1357هـ - 1957م) فكرة الإفريقية الآسياوية ( في ضوء مؤتمر باندونغ)، الطبعة الأولى، دار الفكر، القاهرة، مصر.
3- مالك بن نبي (1389هـ - 1969 م) مشكلة الثقافة، دار الفكر، بيروت، لبنان.
4- مالك بن نبي ( 1394هـ - 1974 م) المسلم في عالم الاقتصاد، دار الشروق، القاهرة، مصر.
5- حاتم القرنشاوي ( 1409 هـ 1989م) تمويل التنمية في إطار اقتصادي إسلامي، موارد الدولة المالية في المجتمع الحديث من وجهة النظر الإسلامية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، جدة، المملكة العربية السعوية.
6- محمد أحمد نصار، الفكر الاقتصادي عند مالك بن نبي، Islamic educational, scientific and cultural organization Avenue Attine – Hay Ryad – Rabat-10104- Maroc-