الإنسان ذو البعد الواحد
في سنة 1964 أصدر الفيلسوف الألماني هربرت ماركيوز كتابه "الإنسان ذو البعد الواحد" الذي ينتقد فيه الرأسمالية الحديثة بوصفها نظاما يحول الإنسان إلى آلة للإنتاج و الاستهلاك . الإنسان في النظام الرأسمالي الحديث هو إنسان ذو بعد اقتصادي فقط لان الرأسمالية و عبر الإعلام و الإشهار تجعل تفكيره مرتبطا بالاستهلاك . فكلما زاد استهلاكنا زادت سعادتنا و لهذا الغرض تخلق لنا الرأسمالية حاجات و رغبات غير حقيقية و تصورها لنا على أنها أمر لابد منه ... و ليحقق الإنسان ذاته كما توهمه الرأسمالية فلابد له من العمل أكثر لكسب دخل اكبر لإنفاقه على حاجاته المتجددة . و هكذا يقع الإنسان في دوامة الإنتاج و الاستهلاك فهو يعيش ليستهلك ... هذه النزعة الاستهلاكية المتسارعة تؤدي في نهاية الأمر إلى تدمير الإنسان و تدمير البيئة .
في الغرب اليوم يصارع العديد من المفكرين و حماة البيئة من اجل خفض النزعة الاستهلاكية و لكنهم يجدون أنفسهم أمام آلة رأسمالية جبارة تقصف عقول الناس يوميا و تعزز تصورهم بوهم ارتباط السعادة بالاستهلاك . و لان الرأسمالية توسعية في جوهرها فإن الثقافة الاستهلاكية التي تنتجها الرأسمالية آخذة في التوسع هي الأخرى و أصبحت احد أهم مظاهر العولمة ... الكثير من المجتمعات تحولت لنمط المعيشة الغربي و غزت ثقافة الإشهار عقولنا و أصبح الكثير من الشباب مولعا بالموضة التي ليست إلا وسيلة لخلق وهم حاجات غير ضرورية لخلق استهلاك غير ضروري و بدل تدوير المال بشكل رشيد عن طريق الإنفاق الرشيد يتحول الإنفاق المادي من وسيلة إلى غاية و هو ما يخلق دائما شعورا بعدم الاكتفاء و رغبة في استهلاك المزيد . و هذا الشعور القريب إلى حالة الإدمان يجعلنا لا نهتم كثيرا بالفقراء و المساكين لأننا لم نشبع و لن نشبع و نهمنا الاستهلاكي يجعلنا نجري وراء وهم السعادة الذي تأتي من الاستهلاك كما تصوره لنا الآلة الاشهارية للرأسمالية الحديثة .
في الجزائر المشكلة اكبر , فنحن نتحول تدريجيا على مجتمع استهلاكي غير منتج . أو بشكل أدق مجتمع معدلات الإنتاج فيه لا تتناسب مع معدلات الإنفاق ... فقط مداخيل النفط تقوم بتغطية العجز ... في حين زادت معدلات إنتاجنا للنفايات المنزلية و التي لا نقوم بإعادة تدويرها بالطبع . و هو ما ينبأ ببوادر أزمة بيئية و أزمة محيط حضري ...
الإنسان كائن متعدد الأبعاد . الإنتاج و الاستهلاك و السياسة و الفنون و الآداب و الفكر و الدين و الحب و الرياضة و اللعب و التسلية كلها أبعاد مهمة في حياة الإنسان لتكتمل إنسانيته . و الاقتصار على احدها يجعل منا بشرا منقوصي الإنسانية ...