ترنيمة في قلب الضياع - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الثّقافة والأدب > قسم الإبداع > قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية

قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية قسمٌ مُخصّصٌ لإبداعات الأعضاء في كتابة القصص والرّوايات والمقامات الأدبية.

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

ترنيمة في قلب الضياع

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-09-22, 08:58   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
sollo44
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية sollo44
 

 

 
إحصائية العضو










New1 ترنيمة في قلب الضياع

ما مضى على خروجه من السجن غير ستة أشهر ، فرح الجميع بخروجه و عودته إليهم سالما ، أما أعداؤه فلم يقابلوه إلا بابتسامة مصطنعة سرعان ما تموت على حواف الشفاه ، و انطلقت يومها الأخبار في كل اتجاه تصدح بالحدث المثير، ها قد عاد مجيد أخيرا للحياة و تنسم طعم الحرية العزيز، و ارتشف من السعادة رشفة منعشة أنسته وحشة السجن و عذابات الوحدة ، أولاده الأربعة و زوجته و والده كانوا ضمن سلسلة هواجسه و هو في الحبس ، و لولاهم ما صبر كثيرا ، و حين خرج أدرك كم كان يعاني من الوجد و الصراع و الكبت ، تغيرت المدينة بعد عشر سنوات من الأسر ، و كبر الأولاد و تغير وجه الزوجة فمازجته ترهلات الكبر العكرة ، كل شيئ تغير ، كل شيئ سار مع الزمن لنقطة متقدمة من التغير و التبدل ، أين تلك الأيام السارة الساحرة ؟ أيام الشباب و العنفوان ، و الدنانير تدخل الجيب و تخرج منه يوميا بالملايين ، نعمة سارة أغدق بها الدهر عليه حتى صار من الأغنياء ، و قبل أقدامه العديد من أنصاف الرجال و جامعي أعقاب السجائر ، كيف انتهى الأمر به و بهذه السهولة ؟ .... كان غافلا حين حيكت ضده المؤامرة و زحفت نحوه كحية غادرة نحو عصفورة سادرة ، و الغيرة و الحسد أوقعا به أخيرا في السجن ، جلس مجيد رفقة صديقه عمار في مقهى الأحباب وسط المدينة ، و فيه عادت بهما الذكريات للوراء بقوة و قال عمار متأسفا :
- لم أتوقع أبدا أن يغدر بك أقرب مساعديك .
فرد مجيد بلا مبلاة :
- المؤامرة حدثت و دخلت جراءها السجن و لم يبق في قلبي غير الشجون .
فتنهد بلطف عمار و عاد للحديث :
- و المال و الأرض و المدخرات ... هل ما زال لك منها شيئ ؟
فقال آسفا :
ضاع كل شيئ ... و لم يبق عندي مليم واحد . فالمحكمة قضت بمصادرة كل شيئ
- يا إلاهي ... غدرة محكمة ضيعت كل أملاكك ...فليكن قلبك من حديد
- لا تقلق فقد تعلمت في السجن أن يكون لي قلب من حديد .
- و لكنك لن تفشل ، و ستعود إلى الحياة و العمل حتى تعود لسابق عهدك سيدا من الأعيان .
نظر مجيد إليه و سدد نحوه بصرا حادا قويا و قال معاتبا :
- ضع نفسك مكاني و ستحظى بجواب قاطع ، أتنتظر مني أن أقبل مجددا على الحياة كمراهق متهور ؟، لم يكن أقسى علي في السجن من ضياع عشرة سنوات بلا حركة واحدة ، الغدرة لا زالت تخنقني بقبضة من حديد .
فقال مشجعا :
- سنجد لك عملا ينسيك فيما فات .
و لكن مجيد صرخ بقوة :
- و المال و الممتلكات و الغدر من ينسيني في ذلك كله ؟
فأردف عمار مؤكدا :
- لذلك لا بد لك من عمل .
حاول مجيد أن يكتم غيضه و حاور نفسه في هدوء حتى هدأت أعصابه و قال مذكرا :
- لم يمض على خروجي من السجن إلا شهور ، و أنا لم أتأقلم بعد مع المجتمع ، و لم أسترجع في الناس ثقة .
و هناك أكد له عمار أنه بحاجة فعلا للعمل .
**********************
عاد في آخر اليوم للبيت برأس مترنح ثقيل ، نام الأولاد في حين بقت الزوجة في الدور الأول تنتظر عودته ، وجدها عند المدخل مستأنسة بضوء خفيف قادم من الحمام ، و عندما رأته قفزت من مكانها إليه و قالت متضرعة :
- حسبت أنك ستعود للبيت مبكرا هذه المرة و لكن خابت الظنون من جديد .
نظر إليها و كانت علامات الكبر بادية عليها ، و زادت مقاومتها للنعاس من سواد جفونها و هتف متحججا :
- لم أستطع بعد العودة للحياة ، فمازال رأسي مترعا بذكريات السجن و الغدرة، و ليس في جيبي درهم واحد .
فقالت مؤمنة :
- و لكنني صدقتك عندما كذبك الآخرون ، و صبرت على غيابك و انتظرتك ، و ما هم الأولاد إلى فيض من غيض .
نظر الرجل إليها و انطلق منه صوت خفيض :
- أعرف أنك طيبة و لولا طيبتك ما رغبت في الحياة .
كانت بالأمس القريب شابة قوية رشيقة ، و في الطريق المؤدية للمعهد راقبها و في وجدانه لهب من النار و الغرام و الاتفعال ، لو ضاعت منك هذه الشابة يا مجيد ضاعت حياتك ، و اندفع وراءها بجنون محموم حتى تصدى لها عند باب المعهد ، و انفلت منه اعتراف بحبه لها ، رفضت في بادئ الأمر ، و لكنه تمادى بعد ذلك في اثبات حبه لها حتى تشاجر مع اخوتها ، و في يوم واحد تشاجر مع طالبين من زملائها حين بادلاها نظرات منفلتة مازجها التهتك و الإغراء ، و ظفر بها بعد مدة و تزوجها و كان يومها طالبا فقيرا بسيطا و لكنه غني بقلبه الكبير ، و هو في غمرة ذكرياته داهمته زوجته بسؤال انتشله من الماضي و حطه في الحاضر :
- ألن تنام ؟
فاعتذر منها قائلا :
سأنام حين يعرف النوم سبيله إلي .... أنا بحاجة إلى المال .
- يمكنك الاستلاف ريثما تعثر على عمل .
- من أين أستلف و قد بات الصديق عدوا.
فقالت بنظرة مشرقة :
- صديقك عمار انسان طيب و هو بلا شك سيساعدك .
- يكفيه أنه يحمل معي هم سلوكاتي الغريبة اثر خروجي من السجن .
- إذن فلتستلف من عند والدك فهو الوحيد من عائلتك الذي مازال يحافظ على قسط من الثراء .
نظر إليها في ريبة و قال متشككا :
- و هل سيدفعه واجب الأبوة إلى مساعدتي ؟
- سيفعل فهو في الأصل والدك .... و هو من الأعيان .
- أخشى أن يتعثر طلبي عند رغبته ، فيرفض مساندتي فأكره الدنيا آخر الأمر .
- إنه مازال والدك ... و لا زلت من صلبه .
تردد خلال الليل بين الاستلاف من والده و بين خوفه من رفضه ، و ظل طيلة الليل نهبا للمخاوف و الاستنتاجات العقيمة و لكنه استسلم آخيرا لرأي زوجته و قال مستسلما :
- ليس لي ملاذ غيرك يا أبي .
كان قدوم الصباح مهربا من غم الليل ، و سار وسط الدار حتى دخل غرفة والده ، وجده مستلقيا على الفراش كالعجينة الرخوة ، نظر في ربوع الغرفة نظرة سريعة تكشف له من خلالها نعيم الثراء الذي يعيشه والده ، تشجع و جلس بإزائه دافعا سوء الظن خلف الباب و قال مستجديا :
- إن الله يرحم عباده و لا أظن أنك تجهل سبب قدومي إليك .
فقال الوالد بسرعة :
- رحمة الله وسعت كل شيئ ، و ما أريد إلا ميتة هنية
فهتف مجيد حانيا على نفسه :
- البركة في حياتك يا والدي ، حياتي صارت بلا معنى و لا رجاء لي عندك غير مساعدتي .
فضحك الوالد ضحكة مازجتها بحة المرض والهرم و أردف على كلام مجيد :
- مازال رأسك يصطدم بأسوار السجن ، أما مساعدتي فلم أحرمك منها منذ كنت مضغة في بطن أمك .
كلام مشجع ، و قد يكون هذا أول الحل و نهاية المشكلة ، الأب الفاضل الطيب لا ينفك يقدم المساعدة و يقوم بدوره حتى و هو في فراش المرض و حصار الكبر ، و تشجع مجيد و قال واثقا :
- أريد بعض المال يا أبي ، أقرضنيه و سأعيده لك خلال شهر .
فقال الوالد بدوره :
- جوع الزوجة و الأولاد نقمة لا تحتمل .
- أنت والدي و أنت أدرى مني بربوع الحياة .
فقال الوالد في عطف :
- لذلك سأساعدك و لكن على شرط واحد، أن تعيد لي المال في آخر الشهر
نظر إلى والده بحزم و قال :
- آخر الشهر يا أبي .
- حسن يا مجيد ، أترى ذلك الصندوق هناك ؟؟ خذ ما تحتاج منه على أن ترجعه آخر الشهر .
أخذ حاجته و انصرف يزقق أولاده و يرجع من الدين ما تيسر ، و ذهب للحلاق فهذب له شعره و لحيته ، تحسنت سلوكاته و لم يخل وجهه من ابتسامة ، حتى عمار أحس بهذا التغير إلا أنه أكد له على ضرورة العمل لجلب المال قبل نهاية الشهر ، مرت الأيام مسرعة ، و لم يجد الرجل عملا مناسبا ، و بدأ المال ينفذ بسرعة حتى ضاع كله قبل نهاية الشهر ، و جاء الموعد فانتابت مجيد رعشة من القلق و الهم فهو سيخلف الميعاد و هو كذلك بحاجة للمال من جديد.
فكيف سيتعامل مع مشكلة لا يستطيع حلها حتى الجن الأزرق ؟
- تحامل رغم ذلك على نفسه ، و قرر مواجهة أبيه مادام سيضطر للاستلاف مجددا ... ذهب إليه في صبيحة اليوم الموالي و هو يفكر في غضب والده و في نرجسيته المعتادة و عندما صارحه بالحقيقة صرخ في وجهه ثائرا :
- ألم تعدني بإرجاع المال آخر الشهر ؟
فرد عليه في صغار :
- خانني الحظ هذه المرة يا أبي و الدنيا ما زالت في رأسي تدور جراء السجن و الغدرة .
فنظر إليه و أظاف واعضا :
- كان عليك أن تواجه المشكل بالبحث عن العمل لا أن تجلس متشكيا فتضرب الأخماس في الأسداس .
- افهمني يا أبي ، ضاعت رغبتي في العمل عندما ضاعت عشرة أعوام من عمري في السجن هباءا .
فضحك من قوله و رد ساخرا :
- إذن فلا حل أمامك غير الانتحار .... و إلا فما جدوى الحياة من غير صراع و تعب و كد مرير ؟؟
نظر إليه مجيد و بدى أنه فهم حديث والده و قال مستجديا :
- سأبذل جهدا إضافيا على أن تأخذ بيدي ، فالحياة أمامي أصعب مما يتصور عقلك
سكت قليلا و نظر حوله في كل اتجاه و أردف قائلا :
- لكن مازال عليك أن تقرضني بعض المال حتى تستقيم الحال .
- و تستعيده لي طبعا آخر الشهر ؟؟
- طبعا يا أبي ..... آخر الشهر .
- حسن ، ذاك هو الصندوق أمامك ، خذ ما تحتاج منه على أن ترجعه لي آخر الشهر .
* * * * * * ** * * * * * * * * * ** * * * * * * * * * * * * * *
لشهور طويلة استمر مجيد يستلف من والده على وعد بالارجاع نهاية الشهر ، و على مر تلك الشهور العديدة فشل في العثور على عمل مناسب ، كما أخفق في تقويم سلوكه في كل مرة .... و هكذا لم يرجع من دينه فلسا ، في حين استمر والده يوجهه للصندوق المكتنز بالأموال ، و أقبل الفتى من جديد على الحياة في بذخ ، و راح يقلب أيامه بين العربدة و الإغداق و الإنفاق على أولاده ، و في ذلك اليوم انتهى الشهر و لم يسدد دينه فعاد من جديد لوالده و طلب منه قرضا على أن يرجعه آخر الشهر ، فقال الوالد مازحا في سخرية :
- أعتقد أن شهورك ليس لها آخر .
فتذمر مجيد ضمنيا و هتف معللا :
- ليس لي في هذا الزمان فرصة فمالمعمول ؟ ... ثم إن الحلول ماتت في يدي كأوراق الخريف .
تذكر الاولاد و الزرجة و السجن و الحسرات و أردف :
- لو كان بيدي شيئ لفعلته .
فامتشق الوالد لسانه كالسيف و صرخ فيه حتى بلل لعابه لحيته :
- ألم أنصحك بالعمل ؟؟ ... ألم أساندك منذ خروجك من السجن لتقف على قدمين ؟ ...ليس في وسع الحياة أن تهب لك أكثر مما أعطيتك . أنطر لنفسك و ستكتشف أنك أجبن مخلوق في الأرض .
و على إيقاع التقريع نظر مجيد إلى والده و هتف :
- لذلك أحتاج لمساعدتكك من جديد .
- أتقصد أنك تريد مالا هذه المرة أيضا ؟
فقال بلهجة متكسرة :
- نعم ... المال .. و لا شيئ غيره .
ساد المكان صمت حذر ، و تبادل الطرفان نظرات مبهمة ، و حامت الشكوك و الظنون فوق الرؤوس ، تنهد الوالد و قال في تسليم :
- حسن يا مجيد ، ها هو الصندوق أمامك فخذ منه ما تحتاج .
تقدم الفتى من الصندوق و فتح القفل ، رفع الغطاء و ألقى بنظرة فاحصة داخله فانعكست الدهشة على وجهه و قال حائرا:
- ليس في الصندوق مال يا أبي
و في الحين رد عليه الوالد بلهجة الحكماء :
- لو أنك كنت ترجع المال الذي أخذته لوجدته اليوم ينتطرك ...









 


رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
الضياع, ترنيمة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 13:13

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc