ردا على مقال حبك في ليل مظلم بإمضاء برلماني سابق
الوطنية كما يراها السلفيون
للشيخ عز الدين رمضاني -حفظه الله-
- هذا مقال حرَّرته منذ أمد ليس بالبعيد على صفحات مجلَّة "الإصلاح" الَّتي أتولَّى فيها رئاسة التَّحرير منذ نشأتها، تحت عنوان "حقيقة حبِّ الوطن"، وكانَ ردًّا على محتكري مفهوم "الوطنية"، الَّذين تولَّوا بأنفسهم ـ ودون تفويض من أحد ـ وَضْعَ مقاييسَ الانتماء للوطن، وتحديدَ الشُّروط الَّتي يكون بها المرء وطنيًّا، وضبطَ القائمة النِّهائيَّة لمحبِّي الوطن، وجعلَ مَنْ لم يوافقْهم في مشربٍ أو رأي أو سياسة في خانة (خائني الوطن).
- وتتوالى الأيَّام وتشرق شمس (الشُّروق) بمقالٍ ظالمٍ، حُبِكَ في ليل مظلم، بإمضاء برلمانيٍّ سابق، لم يرعَ فيه حرمة عالم ولا ميِّت ولا حيٍّ، حَكَمَ فيه بالإعدام على نخبة من مواطني هذا البلد الحبيب، يتولَّون أسمى الوظائف وأشرفها؛ من دعوة النَّاس وتعليمهم وإرشادهم، ورماهم بالتَّخلُّف، ووسمهم بنعوت يُنزَّه عنها مَنْ هو دونهم، وسطَّر بقلمٍ جائر هذه المقولة الظَّالمة والكلمة الآثمة الَّتي مفادها أنَّ (السَّلفيِّين لا يحبُّون وطنهم)، وهي ـ بالحرف الواحد ـ قوله : (لا يمكن لنا إلَّا أن نقرَّ بأنَّ السَّلفيِّين هم إخواننا في الدِّين، ولكن يجب عليهم أن يثبتوا لنا أنَّهم فعلاً إخواننا في الوطن) [الشروق اليومي] (ص21 ـ في تاريخ 21/01/2012).
- وأنا لا أريد أن أدخلَ مع صاحب المقال ولا مع غيره في مهاترات ونزالات، قد نكون في غنًى عنها، لا سيَّما ونحن في ظرف أحوجُ ما نكون إلى جمع الكلمة ورصِّ الصَّفِّ وخدمة الأمَّة ورعاية مصالحها الكبرى؛ للوقوف ضدَّ المؤامرة الَّتي تستهدف وحدة تراب بلدنا الحبيب، بإيعازٍ وتخطيط من أعداء الجزائر، تُمَرَّر برواسب أفكار تتقمَّص زيًّا شرعيًّا، وتأصيلاً دينيًّا، يدفع الجهلة المتحمِّسين إلى إعادة إحياء فكر الخوارج من جديد، وإذكاء ما خمد من الفتن الَّتي أهلكت الحرث والنَّسل، إنَّنا لا نريد أن نئِدَ مرَّةً أخرى بلدنا بمعاول هدمٍ تحملها سواعد أبنائنا، ولعلَّك تعلم ـ يا أخي ـ أكثر من غيرك أنَّ الفكر يُحارَبُ بفكر مثله، والشُّبهة تُزال بالدَّليل القاطع والبرهان السَّاطع، ولا أراك تختلف معي أنَّ السَّلفيِّين أقدر من غيرهم للتَّصدِّي والوقوف في وجه هذا الفكر المنحرف، ومحاربته بسلاح العلم الشَّرعي الَّذي يدكُّ معاقل الخارجين الفكريَّة.
- أفلا تُستثمر جهودُ أبناء الوطن لإخماد فتيل الفتن، وإحباط كيد هذه المؤامرات، بدل تبديدها والسَّعي في تنفير أصحابها والتَّهوين من عزائمهم، ونبيُّنا ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ يقول: (المسلمون تتكافأٌ دماؤهم، يسعى بذمَّتهم أدناهم، ويُجير عليهم أقصاهم، وهم يدٌ على من سواهم، يردُّ مشدُّهم على مُضْعِفِهم، ومسرعُهم على قاعدهم).
- وختامًا؛ نعود لنقرِّر ونقول دون خجل: إنَّ السَّلفيَّة ليست ثوبًا يتقمَّصه النَّاس أو طعامًا تبتلعه الأفواه وتستسيغه البطون حتَّى يكون على مزاج أو لون معيَّنين، كما في مقال (السَّلفيَّة الَّتي نريد)، فالسَّلفيَّة لا تتَّبع أهواء نفوس ولا آراء بشرٍ حتَّى تخضع لألوان التَّغيير السِّياسي أو التَّقلُّب الاجتماعي والفكري، وإنَّما هي وحي يُتبع وشرعٌ يدان به وفق أصول وقواعد هي محلُّ إجماع المسلمين قديمًا وحديثًا (كتاب الله وسنَّة رسوله ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ على فهم سلف الأمَّة)، فأنَّى لأحد أن يُزاحمها أو يُزعزعها بإرادته أو إدارته، وهذا الَّذي سطَّرته على عُجالة هو شيء من ردِّي على صاحب المقال: (السَّلفية الَّتي نريد) في واحدة من خرجاته.
- وأمَّا كيف ينظر السَّلفيُّون إلى الوطن، وهل هم فعلاً يحبُّون وطنهم الجزائر أم لا؟ فأنا أحيل المنصفين إلى قراءة هذا المقال ثمَّ الحكم على مضمونه والَّذي هو تحت عنوان: (حقيقة حب الوطن).
==يتبع==