قد زعم بعض الناس أن الشيخ ابن باديس لم ينتسب إلى السنة ولا إلى السلفية قط، وكذا علماء جمعية العلماء الجزائريين، وجعلوا ذلك طريقا للطعن فيهم، وهذا الزعم من دلائل جهل هؤلاء القوم وجرأتهم في إطلاق الأحكام الجائرة دون بحث أو تثبت، ثم إن زعمهم لو كان صحيحا فإن ذلك ليس مما يؤخر ابن باديس أو ينقص منه، لأننا لو بحثنا عن هذا الانتساب في كلام ابن تيمية أو ابن عبد الوهاب لما وجدناه أيضا وإن وُجد فهو قليل، بل وفي العلماء المعاصرين من يرى الاقتصار في النسبة إلى أهل السنة دون زيادة عليها([1])، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه.
وقبل إيراد نصوص علماء الجمعية في انتسابهم إلى السلفية نذكر بأصل من الأصول الإسلامية، وهو قبول ما يُظهر الناس،
وأن أهل السنة هم الذين ليس لهم نسبة إلا السنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على أحدهم:«وإن أردت بالتستر أنهم يجتنون به ويتقون به غيرهم ويتظاهرون به حتى إذا خوطب أحدهم قال أنا على مذهب السلف، وهذا الذي أراده والله أعلم فيقال له لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقا، فإن كان موافقا له باطنا وظاهرا فهو بمنزلة المؤمن الذي هو على الحق باطنا وظاهرا، وإن كان موافقا له في الظاهر فقط دون الباطن فهو بمنزلة المنافق فتقبل منه علانيته وتوكل سريرته إلى الله، فإنا لم نؤمر أن ننقب عن قلوب الناس ولا أن نشق بطونهم»([2]).
رحم الله ابن تيمية كأنه يرد بكلامه هذا على الفئة التي طغت في هذا الزمان تدَّعي السلفية وتحتكرها، ولا يرضى أهلها بظاهر سيرة الناس وما عرفوا به، فتراهم يفتشون عما خفي واندثر ويتصيدون كل خطأ وزلل من أجل التبديع والتضليل، نسأل الله العفو العافية.
المطلب الأول : من نصوص ابن باديس رحمه الله
1-ومنها ما جاء في مقاله دفاعا عن الشيخ ابن عبد الوهاب :« قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوة دينية فتبعه عليها قوم فلقبوا بالوهابيين، ولم يدع إلى مذهب مستقل في الفقه، فإن أتباع النجديين كانوا قبله ولا زالوا إلى الآن بعده حنبليين ، يدرسون الفقه في كتب الحنابلة ، ولم يدع إلى مذهب مستقل في العقائد ، فإن أتباعه كانوا ولا زالوا إلى الآن سنيين سلفيين أهل إثبات وتنزيه …الخ»([3]).
2-ومنها قوله رحمه الله :« هذا هو التعليم الديني السني السلفي، فأين منه تعليمنا نحن اليوم وقبل اليوم منذ قرون وقرون؟ فقد حصلنا على شهادة العالمية من جامع الزيتونة ونحن لم ندرس آية واحدة من كتاب الله ولم يكن عندنا أي شوق أو أدنى رغبة في ذلك، ومن أين يكون لنا هذا ونحن لم نسمع من شيوخنا يوما منزلة القرآن من تعلم الدين والتفقه فيه ولا منزلة السنة النبوية من ذلك»([4]).
3-ومنها ما ذكره في أصول الجمعية التي سبق نقلها :« الأصل الخامس: سلوك السلف الصالح "الصحابة والتابعين وأتباع التابعين" تطبيق صحيح لهدي الإسلام . والأصل السادس: فهوم السلف الصالح أصدق الفهوم لحقائق الإسلام ونصوص الكتاب والسنة ».
4-ومنها مقال عنونه بقوله: » مناظرة بين سلفي ومعتزلي في مجلس الواثق« ([5]) .
5-وقال في تقديمه لمقال "ملك العرب" المنشور في الشهاب :« هي صفحة من تاريخ الملك العربي السلفي عبد العزيز آل سعود الذي شرفه الله بخدمة ذلك البيت المعظم في هذا العهد ، ومد تعالى بملكه رواق الأمن والعدل والتهذيب والدين الخالص عن ربوع الحجاز أرض الحرمين الشريفين ، وإن نهضة هذا الملك العظيم ، وفي حياته وصفاته لدرسا عميقا ومجالا واسعا للعبرة والتفكير » ([6]).
6-وفي الختام أُورد هذه الكلمة التي قالها في الثناء على الشيخ الطيب العقبي رحمه الله تعالى:«حياك الله وأيدك يا سيف السنة وعلم الموحدين، وجازاك الله أحسن الجزاء عن نفسك وعن دينك وعن إخوانك السلفيين المصلحين »([7]).