المقامة الشبيبية
حدثنا عباس النموشي قال : رمانا الحديث عن أيام الشباب ، و ما فيه من الحلاوة و النصاب و حلو العتاب ، إلى زمن طيش الألباب ، فــٌذكرت لنا أحوال أحد الشبان ، و كان الراوي طري اللسان ، رقيق البنان ، أفلج الأسنان ، فتركنا له الميدان ، و تلوى لنا كالثعبان ، و صار في ألوان بعد ألوان ، فهابه الخلان و اقشعرت منه جلود الإخوان ، ثم أطلق العنان ، وكان الفتى اسمه شعبان من والد هو سلطان يتاجر بالبخور و العيدان ، و يمشي على أعمدة من خيزران ، و يضع قلادة و قرطان ، و فكر بأن يعمل قرصانا و بعدها قائدا قبطانا ، فبحث عن الحيلة أياما و استغرق وقته أعواما ، حتى لاقى بعض الصبيان وهو لهم ولهان و أرشدهم إلى لم الشمل ، وان يكونوا بعدد النمل . و أهلّهم هلال رمضان و عاد مرهق نعسان تعبان و اقسم أن يفطر أيامه و أن لا يتحمل أوزاره ، و دل الجمع عن السوق فهناك الغنم و النوق و أصحابه ذوي مال و هم ميسوري الحال ، فدخلوا إليه دخول الأتقياء مع ما كان فيهم من شقاء و حلفوا على بعضهم بالبقاء ، و قسموا الشمل أنصاف و عدوا أحلافا وسط أحلافا ، فمنهم من يسرق الجيب لان ما فيه عيب وهو في حكم الغيب ، و منهم من يرتكب العيب و يطلب السماحة من ذي شيب ، حتى إذا وثق فيهم انقضوا عليه تائبين و ما في جيبه سالبين و في حين غرة يأخذون المال و الصرة فيبقى الضحية كالجرة بلا ماء أو أرض أو سماء . و إما الحلف الآخر فينظر إلى الجمع ساخر و لفمه فاغر ، و أما ثلث الشمل فيكونا على صور المجانين بفقرهم مساكين و ينظروا إلى ما يعطي أكثر و يميزون اللون ابيض أم أشقر ، فإن كان التاجر سمينا أشهروا في وجهه سكينا ، و إن كان هزيلا جعلوا سلاحه بديلا ، و ساروا على ذلك المنوال ، و ما سلم منهم لا العم و لا الخال و صار همهم المال ، و جمعوا الريع الكثير و صاروا ينامون على الخز و الحرير ، حتى باغتهم حرس الوالي و أخذهم عنوة إلى القاضي و بعد التكبيل و التنكيل و الضرب و الكرب ، بدأ يتلاشى ذاك السرب ، و لم يبقى كعادته و تجزأت وحدته .