فَتْوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ لِلْبُحُوثِ العِلْمِيَّةِ وَالإِفْتَاءِ
س5: هل يجوز التصويت في الانتخابات والترشيح لها، مع العلم أن بلادنا تحكم بغير ما أنزل الله؟
ج5: لا يجوز للمسلم أن يُرشِّحَ نفسه رجاءً أن ينتظم في سلك حكومة تحكم بغير ما أنزل الله، وتعمل بغير شريعة الإسلام، فلا يجوز لمسلم أن ينتخبه أو غيره ممن يعملون في هذه الحكومة، إلاَّ إذا كان من رشَّح نفسه من المسلمين، ومن يُنْتَخَبون يرجون بالدخول في ذلك أن يصلوا بذلك إلى تحويل الحكم إلى العمل بشريعة الإسلام، واتخذوا ذلك وسيلة إلى التغلب على نظام الحكم، على ألاَّ يعمل من رشّح نفسه بعد تمام الدخول إلاَّ في مناصب لا تتنافى مع الشريعة الإسلامية([2]).
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم([3]) .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
عبد الله بن قعود
نائب الرئيس
عبد الرزاق عفيفي
عضو
عبد الله بن غديان
الرئيس
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
.................................................. ...............................................
1 - خطبة الحاجة التي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعلمها أصحابه رضي الله عنهم جميعًا، وقد ألف العلاَّمة الألباني رحمه الله رسالة في نصرة هذه الخطبة التي أعرض عن ذكرها كثير من الخطباء والوعاظ اليوم.
2- اعلم - رحمك الله وألهمك رشدك - أن الفتوى تنص على الآتي:
أ - لا يجوز للمسلم أن يرشح نفسه رجاء أن ينتظم في سلك حكومة تحكم بغير ما أنزل الله، وتعمل بغير شريعة الإسلام، فلا يجوز لمسلم أن ينتخبه أو غيره ممن يعملون في هذه الحكومة.
ب - إلا إذا كان من رشح نفسه من المسلمين ومن ينتخبون يرجون بالدخول في ذلك أن يصلوا بذلك إلى تحويل الحكم إلى العمل بشريعة الإسلام، واتخذوا ذلك وسيلة إلى التغلب على نظام الحكم.
ت - على ألاَّ يعمل من رشّح نفسه بعد تمام الدخول إلاَّ في مناصب لا تتنافى مع الشريعة الإسلامية.
ففي الجزء ( أ ) لا يجوز الترشح ولا العمل في سلك حكومة تحكم بغير ما انزل الله وتحكم بغير شريعة الإسلام، ثم استثنت اللجنة الموقرة في الجزء ( ب ) في فتواها إلا إذا كان المترشح قد انتوى بدخوله أن يحول الحكم إلى الحكم بالشريعة الإسلامية؛ ثم في الجزء رقم ( ت ) تقييد وإلزام أن من دخل بعد ترشحه لا يعمل في مناصب تتنافى مع الشريعة الإسلامية!!.
قلت: من نظر في فتوى اللجنة الدائمة يظهر له أنها تجنح إلى التحريم، اللهم إلاَّ بقيدين اثنين:
الأول: تحويل نظام الحكم إلى إسلامي.
الثاني: عدم العمل في مناصب تتنافى مع الشرع.
وكلا القيدين لا يلتزم بهما من دخل في سلك الانتخابات! لأن هؤلاء الناخبين لم ولن يستطيعوا تغيير الحكم؛ لعدة أمور:
أولاً: قاعدة التغيير الهرمية ( الإخوانية! ) قاعدة بدعية لأنها تضاد المنهج النبوي منهج التصفية والتربية من كل وجه؛ وتصادم سنن الله الكونية؛ وشريعة رب البرية!؛ لأن الإصلاح لا يبدأ أبدًا من فوق؛ وإنما يُبدأ به على مستوى الأفراد؛ وهذا ما فعله الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وقد عُرِض عليه الملك من قِبَل الكُفار؛ فرفض!.
وأدلل على صحة كلامي هذا بدليلين اثنين :
الأول: في قصة هرقل وحديثها عن ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين حيث دعا هرقل بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأه على الملأ من شيعته؛ فلمَّا انتهى من قراءته ارتفعت الأصوات وكثر اللغط!؛ قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَدَعَا هِرَقْلُ عُظَمَاءَ الرُّومِ فَجَمَعَهُمْ فِي دَارٍ لَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الفَلاَحِ وَالرَّشَدِ آخِرَ الأَبَدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ لَكُمْ مُلْكُكُمْ، قَالَ: فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِمْ، فَدَعَا بِهِمْ فَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا اخْتَبَرْتُ شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمُ الَّذِي أَحْبَبْتُ فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ!. اهـ
ووجه الشاهد هنا من إيرادي لهذا الكلام؛ قال الشيخ العلاَّمة الفاضل محمد الإمام:
والشاهد في الحديث أن هرقل مع كونه ملكًا لم يستطع أن يرغم قومه على الدخول في الإسلام!. اهـ
قلت: لأن عقلاء! الناس في كل زمان ومكان يعلمون أن طريق الإصلاح يبدأ من القاعدة الأفراد؛ فعلم بذلك بطلان القاعدة (الهرمية) الإخوانية.
الثاني: النجاشي الرجل الصالح لما مات صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الغائب؛ وكان عظيم قومه؛ ومات وهو يكتم إيمانه! وما استطاع أن يواجه قومه أو أن يرغمهم على الدخول في دين الله تبارك وتعالى؛ لأنه يعلم أن قومه ليسوا مؤهلين أن يقبلوا هذا الحق الثقيل ويتركوا دين آبائهم وأجدادهم.
ثانيًا: هل يستطيع كل من دخل هذا البرلمان أن يغيِّر هذا الدستور من دستور علماني يحكم بغير ما أنزل الله إلى شريعة إسلامية تحكم بما أنزل الله ؟!
الجواب: لا؛ لن يستطيعوا أبدًا، غاية ما هنالك أنهم قد يقللون من الشر القليل أحيانًا؛ لأنه ربما يتم التصويت على أمر محرم فيعترضوا وهم الأكثرية مثلاً!؛ أما تغيير الدستور كاملاً فكلا وألف كلا!؛ لأن ديننا لا يؤمن بالمذهب الميكافيلي اليهودي؛ فكيف نحكم بغير ما أنزل الله ونتنازل عن بعض أصولنا وثوابتنا، ونُقْسِمُ على احترام هذا الدستور العلماني؛ وعلى تأييد ميثاق (الاَّ) الشرف في احترام عقائد من يعبدون غير الله بل من لا يؤمنون بالله أصلاً ثم نقول: إننا ما أردنا إلا تحكيم شرع الله ؟!!
فهل نَحكم بغير ما أنزل الله حتى نَحكم بما أنزل الله ؟!
تناقض عجيب، وكيلٌ بمكيالين، ولعب على حبلين!.
ثالثًا: هل الانتظام في سلك مجلس الشعب الطاغوتي عمل صالح يُحكَم فيه بحكم الله أم بحكم الأغلبية ؟!
فإن قلتم: دخلنا من أجل الأغلبية!.
قلنا لكم: وهل تؤمنون (بالأغلبية!) الآن بعد أن كنتم توردون الأدلة تلو الأدلة على إبطالها، وأنها قاعدة كفرية لا يجوز الأخذ بها أو التعويل عليها؛ لأنها لا تحترم كتاب الله، ولا تحترم سُنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وتسوِّي بين صوت العالم والفاسق، والمرأة والرجل، والعلماني والسني!!.
الغاية في شرعنا - يا عباد الله - لا تبرر الوسيلة، والوسائل لها أحكام المقاصد؛ وما بني على باطل فهو باطل بلا أدنى شك!.
رابعًا، وأخيرًا: فتوى اللجنة الموقرة في وادٍ وأنتم في وادٍ آخر!؛ لأن بنود الفتوى ليست موجودة على أرض الواقع؛ فلمَّا لم تكن هذه الشروط موجودة ومتحققة فالعمل بالفتوى وإنزالها على واقعكم حيف وظلم وصد عن سبيل الله تبارك وتعالى؛ لأن هذه الفتوى الآن أصبحت عليكم لا لكم!؛ فما لكم كيف تحكمون ؟!.
3 - فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء؛ السؤال الخامس من الفتوى رقم (4029)، جمع وإعداد أحمد بن عبد الرزاق الدويش، طبع رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء - الإدارة العامة للطبع - الرياض