تغيظني كثيرا حكاية الهفات الوطنية ..أو ما يعرف بالفساد المالي .. وأنني سأموت قريبا دون أن أسرق شيئا من حقيبة هذا الوطن الكريم الغني. و الحقيقة أني متحفظ كثيرا عن هذا الدور اللعين الذي اختير لي وهو دور المواطن المسروق و إني ناقم جدا على السيناريست والمخرج والكاتب الذين لم يجدوا لي دورا غره مع أن جميع مواصفات اللص متوفرة في شخصي البسيط.
إلا أن نرجسيـتي راودتني عن نفسي ، حين فكرت بالترشح لعضوية مجلس حماية اللصوص في نسخته المعدلة حديثا في شكل قفزة دونكيشوتية في الهواء الفارغ و لأني ككل من له دور في الرواية الخالدة لهذا الوطن آثرت أن أنقلب على نفسي ليسكنني هاجس شيطاني يسكن في نفسي منذ نعومة أظافري ، ويطالبني بأن أسرق شيئا من وطني .. ولو على سبيـل السوفونير ...كما قال أحدهم فأنا أعرف من يحتفظون بوطن كامل في أدراج خزائنهم كذكرى يذكرون بها الأحفاد حتى الجيل العاشر بعد وفاتهمو كتذكار محبة يلقون به ربهم وهم قد أدوا دورهم الراقي في خدمة بلدهم باقتدار ..حسب فلسفة جديدة اسمها المدينة الفاسدة ....تنقلب فيها الموازين ..والمقامات ولست أدري كيف لم ينتبه أفلاطون لتلك الفكرة وتركها لهم ،قلت توكلت على الله وأجمعت أمري .. وأبرزت عضلاتي وحنجرتي وعزمت ..
وحيـن مددت يدي لأؤدي واجبي المقدس في خدمة وطني ألا وهو سرقة تذكار منه .وجدت أمرا مهولا ....فلقد نظفوه تماما ولعقوه عشرين مرة حتى صار جلده ناعما ناضرا ..فظننت أن الفلم انتهى و أن الأمر كله سينقلب لصالح أفلاطون .....
حينها قررت أن ألبس جلد أحمد مطر و أستعير منه تسمية الزمن الجديد بزمن الحمير ..حيث تصبح السرقة واجبا قوميا يندد بالنزاهة بل ويستهجنها ..... ولكن فكرتي اصطدمت بعائق كبير ....فقصائد القدح والسخرية وسيلة لذكرهم فهم يحبون من يذكرهم ولو بسوء ووجدت أن لا فائدة ترجى من هذا وتعود علي بشيء من غنائم الوطن ....بل وجدت أن ذلك سيحرمني من فرصتي المؤجلة في سرقة تذكار ولو كان بحجم بلدية فذلك أفضل من لا شيء .......إلى هنا قررت التملق لصاحب كل سلطة أو كل طريق يؤدي إلى منفذ ولو صغير أمد منه يدي لعلي ألتقط شيئا أتركه ذكرى لأبنائي الصغار .
قد يتجرأ أحد على سؤالي عم تتحدث ؟ سأقول لكم لا تقلقوا أصدقائي إن المسألة كلها ما هي سوى مسألة ...حمير.