السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اصبح حديث العام والخاص غلاء الاسعار لكل المواد الاستهلاكية وغيرها الضرورية وغير الضرورية والكل يتسائل بتضمر لما الدولة لاتقوم بتحديد الاسعار وننتهي من المشكل............وقبل ان نسأل الدولة عن هذا .....اردت ان انقل اليكم حكم التسعير واقوال العلماء فيه .......والله الموفق

أولا: نص الحديث
عن أنس رضي الله عنه قال: غلا السعر في المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: يا رسول الله غلا السعر، فسعر لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله هو المسعر القابض، الباسط، الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال "، رواه الخمسة إلا النسائي وصححه ابن حبان(١).
ثانيا: سند الحديث
الحديث صحيح على شرط مسلم، كما قال الحافظ في "التلخيص" قال: وصححه ابن حبان(٢)، وقد ذكره الترمذي وقال : "حديث حسن صحيح "(٣).
ثالثا: غريب الحديث
- "السعر" : لغة التقدير(٧).
"السعر" اصطلاحا : هو أن يأمر من ولي أمر المسلمين أمرا بوضع ثمن محدد للسلع التي يراد بيعها بحيث لا يظلم المالك ولا يرهق المشتري.
- "المسعّر": أي يضع السعر بإرادته وحده سبحانه.
- "القابض": المقتر.
- "الباسط": الموسّع.
رابعا: المعنى الإجمالي للحديث
يطلق الإسلام -من خلال هذا الحديث- حرية الأفراد للسوق، يبيعون سلعتهم المجلوبة والحاضرة، من غير ظلم منهم، كيف شاءوا وفقا لقانون العرض والطلب، فإذا ارتفع السعر للسلع التي يراد بيعها إما لقلة الجلب أو كثرة الطلب، فإنّ هذا الأمر موكول لله سبحانه يوسع ويضيّق بإرادته ويرفع ويخفض بمشيئته.
واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم التدخل في حرية الأفراد من غير ضرورة ضربا من الظلم، وأنّ إلزامهم بتسعير معين وبقيمة بعينها إكراه من غير وجه حق، وأنّ منعهم ممّا أباحه الله لهم حرام، ولهذا أحب النبي صلى الله عليه وسلم -نظرا لخطورة المظالم في الدماء والأموال- أن يلقى الله تعالى بريئا من مسؤوليتها، وبعيدا من تبعيتها.
خامسا: الفوائد والأحكام المستنبطة من الحديث
يؤخذ من حديث أنس الفوائد والأحكام التالية:
1- فيه دليل على أنّ المسعِّر من أسماء الله تعالى، وأنّها لا تنحصر في التسعة والتسعين المعروفة(٨)، وقد ورد في الحديث : " أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ..."(٩).
2- استفيد تحريم التسعير من كونه مظلمة، والظلم حرام قطعا، فقد حرمه الله تعالى على نفسه وعلى عباده في آيات كثيرة وأحاديث متعددة، منها قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا "(١٠).
3- ومنه تبرز علة التحريم المتمثلة في إجبار البائع وإكراهه في البيع بغير رضاه، وهو مناف لقوله تعالى: "إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم"(١١).
4- ظاهر الحديث أنّ التسعير حرام في كل الأحوال بدون فرق بين المجلوب والحاضر، ولا فرق -أيضا- بين حالة الرخص وحالة الغلاء، وهو مذهب الجمهور، ويرى آخرون جواز التسعير في وقت الغلاء دون الرخص، وهو قول مردود لمعارضته للنص الظاهر في امتناعه صلى الله عليه وسلم عن التسعير في حالة الغلاء.
5- ظاهر الحديث لم يفرق -أيضا- في المنع بين ما كان قوتا للآدمي والبهيمة وبين ما كان من غير ذلك: الإدامات وسائر الأمتعة، وعليه الجمهور، وجوز جماعة من متأخري أئمة الزيدية(١٢)، التسعير فيما عدا قوت الآدمي والبهيمة، ولا يخفى أن هذا التخصيص يفتقر إلى دليل، ثمّ إنّ المناسب الملغى المتصيّد من الحكم لا يقوى على تخصيص الأدلة الصريحة، وعلى فرض فقدان الدليل يتعذر العمل بالمناسب الملغى، بل لا يسوغ ذلك كما تقرر في الأصول، فكيف مع وجود صرائح الأدلة.
6- فيه أنّ التسعير حجر على حرية الأفراد وتضييق على تصرفاتهم.
7- فيه دليل على أنّ السعر لم يكن موجودا في مجتمعه صلى الله عليه وسلم، لذلك سألوه في أن يسعر لهم ولم يجبهم إليه.
8- مفهوم الحديث جواز أن يبيع أقلّ ممّا يبيع الناس، وروي عن مالك، أنّه قال: "يلزمه الحاكم أن يبيع على وفق ما يبيعه الناس"(١٣)، استدلالا بواقعة عمر مع ابن أبي بلتعة الآتية.
9- في الحديث تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته من الوقوع في مظالم الناس عامة، سواء في الدماء أو الأموال، ولذلك أراد لقاء الله بريئا من تبعيتها.