المبحث الأول:مفاهيم عامة حول الضريبة:
لقد رافق تطور الدولة تزايدا عاما في الاهتمام بأمر الضرائب ليس فقط لما تمثله من موارد، و لكن باعتبارها أداة من أدوات السياسة الاقتصادية و الاجتماعية، لتحقيق أهداف الدولة
المطلب الأول: نشأة و تعريف الضريبة:
الفرع الأول: نشأة الضريبة:
الزكاة هي أول ضريبة فرضت على المسلمين أسس نظامها الخليفة ًعمر بن الخطابً، و من أول البلدان المطبقة لها سوريا و مصر، و في ذلك العهد كانت توجد أربعة أنواع من الضرائب:الزكاة، الجزية، الخراج، العشور و الزكاة هي قدر معين من النصاب الحولي يخرجه المسلم لله تعالى فهو حق واجب في مال مخصوص لطائفة مخصوصة لتحقيق رضا الله تعالى و تزكية النفس و المال و تحقيق أهداف اقتصادية، اجتماعية، سياسية و مالية.1
ـــــــــــــــــــــــــ
و قد صنف المفكرون المعاصرون الزكاة كضريبة مستندين في ذلك إلى أن الزكاة تشبه الضريبة من حيث عناصر الاشتراك بينهما في المفهوم والاصطلاح، و التعريف و خاصة أن الضريبة تحقق نفس أغراض الزكاة.1
الفرع الثاني:تعريف الضريبة و خصائصها:
أولا:تعريف الضريبة:لقد اختلفت التعاريف باختلاف كتب المالية العامةالمال و الاقتصاد في تحديد طبيعة الضريبة و فيما يلي بعض التعاريف لها:
تعريف*1*: "بأنها فريضة نقدية تقتطعها الدولة أو من ينوب عنها من أشخاص القانون العام من أموال الأفراد جبرا، و بصفة نهائية، و بدون مقابل تستخدمها، و الوفاء بمقتضيات وأهداف السياسة المالية العامة للدولة2".
تعريف *2*: "عبارة عن فريضة نقدية يدفعها الفرد جبرا إلى الدولة أو احدىهيئاتها العامة المحلية بصفة نهائية مساهمة منه في تحمل التكاليف و الأعباء العامة دون أن يعود عليه نفع خاص مقابل دفع الضريبة.3
و انطلاقا من التعريفين السابقين يمكن تحديد خصائص الضريبة في أنها ذات شكل نقدي، كما أن لها طابعا إجباريا و نهائيا و هدفها تغطية الأعباء العامة للمجتمع.
ثانيا:خصائص الضريبة4:
1/الضريبة مبلغ من النقود تدفع نقدا و ليس عينا:حيث أن السداد العيني للضرائب كان سائدا في الماضي لتلاؤمه مع الاقتصاديات العينية السابقة، ومع تطور المفاهيم
ــــــــــــــــــــــــــــ
كشفت الكثير من عيوب السداد العيني للضريبة و من هذه العيوب ارتفاع التكاليف سواء من حيث التحصيل أو النقل أو الحفظ أو غيرها، و منها أيضا عدم قدرة السداد العيني على الاحاطة بجميع أنواع الضرائب، و كذلك عدم قدرة الدولة على تغطية متطلبات الإنفاق العام عينا كصرف رواتب موظفيها فلا يمكن للدولة صرفها كحبوب أو لحوم....الخ، وعبر ذلك من العيوب التي أدت إلى ترسيخ المفهوم النقدي للضريبة.
2/الضريبةفريضة حكومية:تفرضها الحكومة أو من ينوب عنها أو يمثلها من الأفراد و
الهيئات العامة والمصالح الحكومية كأجهزة التحصيل الضريبي أو المجالس المحلية
اللامركزية وغيرها وذلك حتى يتسنى لهذا العنصر فرض الضرائب ولذلك تقتضي الفريضة الحكومية أن تورد حصيلة الضرائب إلى خزينة الدولة.
3/الضريبة جبرية:أي إلزامية تفرض أو تجبى من الأفراد على سبيل الجبر أو الإلزام انطلاقا من فكرة السيادة التي تمارسها الدولة على رعاياها.و تتمثل الإلزامية أيضا في عدم ضرورة مشورة الأفراد، أو الحصول على موافقتهم عند فرضها، و انعدام حقهم في الاعتراض عليها و على أحكامها.و معاقبة المتهربين منها في حالة وجودهم و تحصيلها منهم بما تملكه من وسائل جبرية قانونية ،و الزاميةالضريبة لا تتعارض مع ضرورة موافقة ممثلي الأمة كالبرلمان عليها لأنها يجب أن تصدر بقانون.
4/الضريبة نهائية: بمعنى أنها لا تسترد، و لا تحق المطالبة بها، و يدفعها المكلفون بصفة نهائية لا رجعة فيها، و لا ردة لها و إن لم تصدر بقانون و لم تعد قيمتها، أو شعر المكلفون بضمها، أو لم تتحقق المصلحة العامة منها.
5/ الضريبة بلا مقابل:أي تدفع للدولة دون اشتراط الحصول على مقابل، أو نفع معين مقابلها فالمكلف يدفعها ليس نظير منافع أو خدمات ينتظر من الدولة تقديمها له، وإنما يدفعها بصفة أحد أفراد المجتمع و عليه أن يساهم في الأعباء العامة للدولة.وفي الحقيقة وعلى المنظور البعيد فان الأفراد يستفيدون من خدمات حكوماتهم الكثيرة، والتي قد
تكون مبررا تستند إليها الحكومة في تبريرها فرضها للضرائب على رعاياها.
المطلب الثاني:القواعد الأساسية للضريبة:
يقصد بها المبادئ العامة و الأسس التي تحكم الضريبة، والتي يتعين على المشرع إتباعها عند وضع نظام ضريبي في الدولة.و هذه المبادئ تعتبر بمثابة دستور تخضع له الأصول القانونية للضريبة وعلى الدولة أن تلتزم بهذه القواعد والمتمثلة فيما يلي:
الفرع الأول:قاعدة العدالة:1
لقد بين آدم سميث هذا المبدأ بقوله:*يجب أن يساهم رعايا الدولة في النفقات الحكومية بحسب مقدرتهم النسبية، أي نسبة الدخل الذي يتمتع به الممول في ظل حماية الحكومة*. فآدم سميث يقرر أن مساهمة كل فرد من رعايا الدولة في النفقات العامة يجب أن يكون تبعا لطاقته ومقدرته المالية، وأحسن مقياس لقدرته هو مقدار دخله، ويرى مفكرو المالية ضرورة بناء فرض الضريبة على الأسس التالية:
-1/مبدأ العمومية في التطبيق
-2/مبدأ الوحدة في التطبيق
-3/مبدأ الكفاءة في التطبيق
الفرع الثاني:قاعدة اليقين:2
ويقصد به أن تكون الضريبة معلومة وواضحة بالنسبة للمكلف بشكل لا غموض فيه ولا عشوائية، فالفترة، والطريقة، ومقدار الدفع، كل هذا يجب أن يكون واضحا ودقيقا بالنسبة للمكلف بالضريبة بصورة مسبقة وفي الوقت المناسب، ويرتبط مفهوم اليقين الضريبي بمفهوم الثبات والاستقرار الضريبي، فالتحديد الضريبي الواضح يتعارض مع كثرة التعديلات في جوانبها المختلفة )المقدار، السعر، النسب (.
ـالفرع الثالث:قاعدة الملاءمة في الدفع1:
يجب تنظيم أحكام الضريبة على نحو يتلاءم مع أحوال المكلفين ونفسيتهم، سواء من حيث اختبار وعائها وأسلوب تحديده، أومن النواحي المرتبطة بكيفية الجباية موعد إجراءاتها، فميعاد تحصيل الضرائب يجب أن يكون في الوقت الذي يحصل فيه المكلف على دخله.
الفرع الرابع:قاعدة الاقتصاد في الضريبة:2
تقتضي هذه النظرية ضرورة الاقتصاد في تكاليف جباية الضرائب بعيدا عن الإسراف، والمبالغة في نفقات التحصيل الضريبي سواءا فيما يتعلق بنفقات عمال وموظفي الضرائب، أو نفقات وسائل التحصيل.
المطلب الثالث:أنواع الضرائب:3
الفرع الأول:تقسيمها حسب معيار الضريبة:
أولا:الضريبة الوحيدة:
يقصد بها فرض ضريبة موحدة على الدخل المتولد على مختلف المصادر، يعد خصم جميع التكاليف اللازمة للحصول على الدخل، وبعبارة أخرى يجمع ما يحصل عليه الشخص الواحد من الدخول المختلفة على أنها وعاء واحد.
ثانيا: الضرائب المتعددة:
يعني هذا النظام إخضاع الممولين لأنواع مختلفة من الضرائب فحسبه تعتمد الدولة على أنواع مختلفة من الضرائب التي يخضع لها المكلفون ومن ثم تتعدد وتختلف الأوعية الضريبية.
ـــــــــــــــــــــــ
1الفرع الثاني:تقسيمها حسب معيار الواقعة المنشئة للضريبة:1
أولا: الضرائب على رأس المال: والتي تنشأ عن واقعة تملك راس المال ويقصد بواقعة تملك رأس المال من الناحية الضريبية، مجموع الأموال المنقولة ( الأسهم، السندات...)، والعقارية (المبينة، وغير المبينة ) التي يمتلكها الشخص في لحظة معينة، والقابلة للتقدير بالنقود، سواء كانت تدر دخلا أم لا ومن أمثلتها حقوق التسجيل المدفوعة لمناسبة تملك عقار مبني أ وغير مبني وبمقابل.
ثانيا: الضرائب على الدخل: و تتولد عن واقعة تحقق الدخل ويفهم من الدخل كل ما يحصل عليه الشخص من إيراد مقابل السلع التي ينتجها، أو الخدمة التيس يقدمها.
ثالثا: الضرائب على الاستهلاك:
هذه الضرائب هي نتاج واقعة الاستهلاك التي مفادها أن الالتزام بدفع الضريبة ينشا بمجرد شراء السلعة، ويقصد بالضرائب على الاستهلاك، تلك الضرائب التي تفرض على الدخل عند استعماله في أوجه معينة تتمثل بالحصول على السلعة الاستهلاكية وضرائب الاستهلاك قد تفرض على استهلاك أنوع معينة من السلع أي في صورة نوعية على الاستهلاك كالرسم الداخلي عليه وقد تفرض على جميع أنواع السلع في صورة ضريبية عامة على الاستهلاك كالرسم على القيمة المضافة)tva(
الفرع الثالث:تقسيمها حسب معيار تحمل العبء الضريبي
أولا: الضرائب المباشرة: هي ضرائب يتحملها المكلف مباشرة، ولا يستطيع نقل عبئها إلى شخص آخر، فضريبة الدخل سواء كانت على الأشخاص كما هو الحال بالنسبة
ــــــــــــــــــــــــــــــ
للضريبةعلىالدخل الإجمالي(irg)، أوعلى الشركات كماهوالحال بالنسبة للضريبة على أرباح الشركات( ibs) يتحملونها مباشرة دون استطاعتهم نقل العبء إلى غيرهم.
ثانيا: الضرائب غير المباشرة:
وهي عكس الضريبة المباشرة، حيث أن المكلف يستطيع نقل عبئها إلى شخص أخر، مثل ضرائب الجمارك التي تكون متضمنة على التكاليف عند تحديد الأسعار، وكذا الرسم الداخلي على الاستهلاك وبذلك فدافع هذه الضرائب (التاجر) يستطيع نقل عبئها إلى المستهلكين.
الفرع الرابع:تقسيمها حسب معيار سعر الضريبة:
أولا:الضرائب النسبية:
ويقصد بها تلك الضريبة المحسوبة على أساس معدل ثابت مهما كان حجم المادة الخاضع للضريبة، ومن أمثلة الضرائب النسبية الضريبة على أرباح الشركات التي تفرض بمعدل30% على قيمة أرباح الشركات، والرسم على القيمة المضافة الذي يفرض بمععدل07%، أو 17% على رقم الأعمال...الخ
ثانيا:الضريبة التصاعدية:
تعني ارتفاع المعدل مع تزايد حجم المادة الخاضعة للضريبة وتأخذ شكلين مختلفين، حيث أن الشكل الأول يتم فيه تقسيم دخول الممولين إلى عدة طبقات، وترتب هذه الأخيرة تصاعديا ثم تفرض الضريبة بمعدل متزايد كلما انتقلنا إلى طبقة اكبر، أما الشكل الثاني فيتم فيه تقسيم الدخل إلى شرائح ثم تفرض الضريبة بنسب مختلفة تتزايد كلما انتقلنا من شريحة إلى أخرى.
المطلب الرابع:أهداف الضريبة:1مع تطور الدولة وزيادة أنشطتها وتدخلها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ1في الحياة الاقتصادية بصورة فعالة، تطورت أهداف الضريبة، فقد أصبحت بمثابة أداة أساسية في يد الدولة لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويمكن عرض الأهداف التالية للضريبة:
أولا:الهدف المالي للضريبة
حسب النظرية الكلاسيكية فان تغطية النفقات العمومية هو الهدف الوحيد للضريبة والتي يجب أن لا يكون لها أيتأثير اقتصادي
إن هذا المفهوم يعطي للضريبة وظيفة مالية ويحصر دورها في تعبئة صناديق الخزينة العمومية لارتباط دور الضريبة بفكرة الدولة الحارسة، وبالتالي لايمكن تسجيل أي تأثير لها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي فهي تتصف بالحياد أمامها.
أما اليوم فلا يمكننا الدفاع عن فكرة حيادية الضريبة، لأنه في الواقع من المستحيل الاقتطاع عن طريق الجبر ربع الناتج الداخلي الخام دون أن تكون هناك انعكاسات اقتصادية هامة، فالضريبة تقلص من القدرة الشرائية للأفراد وتزيد من الأسعار وتؤثر في
حجم الاستهلاك، لقد مال مناصرو الفكرة الحديثة لحيادية الضريبة إلى تليين مواقفهم، وراح هؤلاء إلى التوصية بحيادية نسبية، غير أن مؤيدي فكرة حيادية الضريبة الحاليين يرفضون الشكل التدخلي الذي يراد أن يمنح للضريبة في الميدان الاقتصادي.
لكن بالرغم من هذه التحفظات المعبر عنها باتجاه الدخل الجبائي، يتضح اليوم وجود أهداف أخرى يمكن أن تمنح للضريبة إلى جانب الهدف المالي.
ثانيا: الهدف الاقتصادي للضريبة:
يمكن للضريبة أن تحدث آثارا اقتصادية عامة وآثارا انتقائية حسب القطاعات الاقتصادية فالذي يخص الأثر الاقتصادي العام يمكن أن توجه الضريبة لامتصاص الفائض من القوة الشرائية والى محاربة التضخم.فاستخدام الجباية في محاربة التضخم يسجل في إطار السياسة الجبائية الظرفية التي عرفت ظهورا متميزا من خلال سياسة "المرونة الجبائية" التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية من طرف الرئيس *كيندي* و*جونسون*، كذلك من خلال سياسة "توقف ثم انطلق" البريطانية، وعبر الإصلاحات الضريبية في الجزائر منذ سنة 1990، من خلال الامتيازات الجبائية التي منحتها للمؤسسات الاقتصادية بهدف تنشيط وإنعاش الاقتصاد الوطني.وفي بعض الأحيان تقوم الضريبة بعمل انتقائي لما تميل الدولة إلى تشجيع قطاع اقتصادي معين ،فتقوم عندها بسن إجراءات ضريبية تخفيفية لصالح هذا القطاع حتى يتمكن من التغلب على تكاليفه، وقد تكون انتقائية الضريبة أكثر تخصصا،حيث لا يتعلق الأمر بتحفيز فرع إنتاجي معين،بل كما يحدث في بعض الدول ،وهي تعرف بتقنية "دفعة بدفعة" التي يمكن أن تتحقق من خلال نظام الاعتماد باحترام بعض الشروط والتقيد ببعض الامتيازات الموافقة لأهداف السياسة الحكومية . ويمكن أن يمتد الأثر الاقتصادي ليس فقط لتحفيز فرع انتلجي معين، بل إلى الحد من نمو سريع غير مرغوب فيه لقطاع من القطاعات الانتاجيةالتي ترى السلطات العمومية أن زيادة إنتاجها له آثار مضرة بصحة الاقتصاد الوطني.
ثالثا:الهدف الاجتماعي للضريبة:
و يتمثل في استخدام الضريبة لإعادةتوزيع الدخل الوطني لفائدة الفئات الفقيرة محدودة الدخل، على سبيل المثال أن يقوم المشروع الضريبي بتخفيف الأعباء الضريبية على العائلات الفقيرة، أو إعفاء بعض المؤسسات و الجمعيات التي تقدم خدمات اجتماعية معينة من الضرائب، أو قد تساهم الضريبة في المحافظة على إمكانية اقتناء بعض السلع ذات الاستهلاك الواسع بقرض ضرائب منخفضة على السلع الاستهلاكية، و فرض ضرائب مرتفعة على بعض السلع التي تنتج عنها أضرار صحية.
و قد سمحت هذه الإيرادات الضريبية بشكل فعال في تخفيف نوع من العدالة الاجتماعية و تمويل نفقات و الخدمات و المرافق، ومشروعات الدولة من صحة و علاج وتعليم و غيرها من الأهداف التي تصب في الصالح العام، و وبالتالي لم يعد الهدف المالي هو الهدف الوحيد للضريبة.
رابعا:الأهداف السياسية للضريبة:
أي أن الضريبة أصبحت مرتبطة بشكل مباشر بمخططات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية العامة، ففرض رسوم جمركية عالية على منتجات بعض الدول، و تخفيضها على منتجات أخرى يعتبر استعمالا للضريبة لأهداف سياسية كما هو الحال في الحروب التجارية بين البلدان المتقدمة (اليابان و الولايات المتحدة الأمريكية).1
فالضريبة على المستوى الخارجي تستعمل من اجل تسهيل المعاملات التجارية مع بعض الدول عن طريق منح التسهيلات الجمركية، كما يمكن أن تستعملها الدولة للحد أو مقاطعة منتجات وسلع دول أخرى من اجل تحقيق أغراض سياسية.
أما على المستوى الداخلي فتعتبرا لضريبة كأداة في يد السلطة الحاكمة أو بعض القوى الاجتماعية، المسيطرة على دواليب الحكم لممارسة نفوذها على باقي المجتمع.
يتضح مما سبق أن للضريبة عدة أهداف إلا انه قد تضطر الدولة إلى تحقيق هدف على حساب هدف آخر، أي قد يحدث تعارض بين الأهداف.وفي هذا الوضع يجب على الدولة أن تحدث توازنا وتقاربا بين مختلف أهداف الضريبة على ضوء الأولويات والظروف المحيطة بها.2
ــــــــــــــــــــــــــــ
المبحث الثاني:مبادئ عامة حول القرض العام:
يحدث في كثير من الأحيان أن تحتاج الدولة إلى إنفاق مبالغ كبيرة في الأوجه المختلفة للإنفاق العام ولا تسمح للإيرادات الدورية المنتظمة )بالأخص الإيرادات)بتغطيتها تلجأ الدولة في مثل هذه الحالات إلى اقتراض المبالغ التي تحتاجها لتحصل على الموارد المالية المطلوبة دون أن تقتطع من الإيرادات العامة وتعرف هذه العملية بالقرض العام والذي يعد موردا من موارد الدولة.
المطلب الأول:تعريف القرض العام وخصائصه
الفرع الأول:تعريف القرض العام:
يمكن تعريف القرض العام بأنه:ًعبارة عن مبلغ من المال تحصل عليه الدولة عن طريق اللجوء إلى الغير (الأفراد، أو المصاريف أو غيرها من المؤسسات المالية ) مع التعهد برد مبلغه ودفع الفوائد عن مدته ووفقا لشروطه1.
الفرع الثاني:الخصائص العامة للقرض العام:
يمكن أن نستنتج بعض الخصائص العامة التي تحيط بماهية القرض العام وهذا من خلال التعريف ويمكننا تلخيصها فيما يلي:
أولا: القرض العام يتم بموجب عقد بين ظرفين، الطرف الأول هو الدولة التي يترتب عليها التزام يقضي برد اصل القرض والفوائد المستحقة عنه باعتبارها مدينا، والطرف الثاني الذي قد يكون شخصا طبيعيا أو معنويا والذي يترتب عليه تقديم مبلغ القرض.
ثانيا:القرض العام هو عبارة عن مبلغ من المال قد يكون عينا أو نقديا إلا أن الصفة النقدية هي الغالبة في وقتنا الحالي
ــــــــــــــــــــــــــ
ثالثا:القرض العام يتم بإرادة الطرفين المتعاقدين وهذا ما يضفي عليه الصفة الاختيارية، غير انه يمكن أن تستخدم الدولة صفة الجبر في بعض الأحيان.
رابعا: القرض العام يستند إلى ترخيص السلطة التشريعية، ولإصداره لا بد من نص قانوني، لأنه إذا أجيز للحكومات إصدار قروض دون موافقة البرلمان لكان لها أن تعمد إلى ذلك في كل حالة يرفض فيها البرلمان فرض ضرائب جديدة1.
المطلب الثاني:التقسيمات المختلفة للقرض العام و مبررات اللجوء إليه:
الفرع 1/:التقسيمات المختلفة للقرض العام2:
يمكن أن تنقسم القروض العامة إلى أنواع مختلفة، وهذا باختلاف المعيار الذي يستند إليه التقسيم. فمن ناحية مصدر القرض المكاني تنقسم إلى قروض داخلية وخارجية و من ناحية الحرية في الاكتتاب تنقسم إلى قروض اختيارية و قروض إجبارية و من ناحية مدة القرض إلى قروض مؤبدة و قروض مؤقتة
أولا:من ناحية مصدر القرض المكاني:
1/القرض الداخلي: يكون القرض داخليا إذا قام بالاكتتاب في سنداته أشخاص طبيعيون أو اعتباريون داخل الدولة و يستلزم عقد القرض الداخلي توفر المدخرات الوطنية التي تزيد عن حاجة السوق الداخلي بالقدر الذي يكفي لتغطية مبلغ القرض.
2/القرض الخارجي:و يكون المكتتبون في سنداته أشخاص طبيعيون أو اعتباريون يقيمون خارج حدود الدولة –الاكتتاب فيه يطرح في السوق المالي الخارجي – فالدولة تتوجه هنا
ـــــــــــــــــــــــــــ2 الأجنبية في دولة أخرى، أوالى مؤسسات التمويل الدولي لإقراضها، و
غالبا ما يتطلب عقد القرض الخارجي على الدولة ضمانات على سندات القرض.
ثانيا: من ناحية حرية الاكتتاب1:
1-القروض الاختيارية: الأصل في القروض العامة أن تكون اختيارية ويقصد بذلك أن يكون الأفراد أحرارا في الاكتتاب في سندات القرض أو عدم الاكتتاب فيه، مراعين في ذلك ظروفهم الخاصّةوالاعتبارات المالية والاقتصادية التي تحيط بهم، وفرص الاستثمار الأخرى المتاحة لهم.
2-: القروض الإجبارية:
القرض الإجباري هو القرض الذي لا يترك للأفراد حرية الاكتتاب في سنداته، وإنما يجبرون عليها بالأوضاع التي يقررها القانون، وقد تعقد الدولة قرضا اختياريا ثم ّتحوله إلى قرض إجباري بعد ذلك عندما ترجئ ميعاد سداده، دون أن تأخذ موافقة المقرضين على هذا التأجيل.
ثالثا:من ناحية توقيت القرض2:
1- القرض المؤبد:
يكون القرض دائما إذا كانت الدولة لا تلتزم بالوفاء به خلال مدة معينة مع التزامها بدفع فوائده إلى حين الوفاء، ويجوز لدولة الوفاء بالقرض المؤبد دون أن يكون من حق المقرضين حق الاقتراض على هذا وطلب استمرار القرض وتحصيل فوائده.
ـــ2-القرض المؤقت:
تلتزم الدولة بالوفاء فيه في وقت معين، وطبقا للقاعدة المتفق عليها في قانون الإصدار. وتنقسم القروض المؤقت مدتها إلى:
*قروض قصيرة الاجل1: ويطلق عليها اسم القروض العائمةوتتراوح مدتها مابين ثلاثة اشهر وسنتين، وهنا تصدر الدولة إما ما يعرف بأذون الخزينة العامة وهذا لسد عجز نقدي، اومايعرف بأذون الخزينة غير العادية وهذا في حالة وجود عجز مالي.
*القروض المتوسطة الاجل2:تتراوح مدتها من سنة إلى خمس سنوات ومن أمثلتها سندات التجهيز في شكل الصيغ التي كان معمولا بها في الجزائر إلى غاية 19/06/1999.
*القروض طويلة الاجل3: تسدد في نهاية فترة طويلة نسبيا تزيد آجالها عن خمس سنوات وقد تصل إلى خمسين سنة، ويطلق على النوعين الأخيرين من القروض المؤقتة باصطلاح الدين المثبت
رابعا:من حيث قابلية السندات للتداول: وهنا بمكن تصنيف سندات القرض العام إلى صنفين مما كان إجباريا اواختياريا، دائما أو مؤقتا، قصيرا، متوسطا وطويل الأجل.
1- سندات قابلة للتداول: وهي سندات لحاملها تصدر دون أن تحمل اسم المقرض وبالتالي يمكن تداولها في الأسواق المالية.
2- سندات غير قابلة للتداول: هذه السندات تصدر باسم المقرض وتسجل في سجلات خاصة ولا يمكن تحويلها إلى الغير إلا بإتباع إجراءات معقدو وفي حالات استثنائية ومما هو جدير بالملاحظة فان نوعية السندات ( اسمية، لحاملها ) لا تعني بالضرورة قابليتها للتداول.
فرع2/:مبررات اللجوء إلى القرض الداخلي1:
إن الاعتماد على القرض الداخلي كأداة تمويل و توجيه اقتصادي، يحتاج إلى مبررات،و على هذا الأساس يمكن أن نميز بين مبررين :
1/المبرر المالي:إن المبرر الأساسي للجوء إلى الاقتراض هو حاجة الاقتصاد الوطنيإلى التمويل، هذه الحاجة التي عادت لا يمكن تأمينها عن طريق الضرائب سواء برفع المعدل الضريبي أو عن طريق إحداث ضرائب جديدة و هذا الإجراء له أبعاده و محدداته التالية:
*وصول الضرائب إلى حدها الأقصى ببلوغ المعدل الضريبي بنسبته المثلى، و هذا ما يعني أن الطاقة التكليفية الوطنية قد استنفذت، و بالتالي الدخل الوطني لم يعد قادرا على تحمل ضغط ضريبي إضافي.
* قد يكون للضرائب الإضافية ردود فعل عنيفة من قبل المكلفين، أي هناك حدود أخرى ذات طبيعة نفسية، تضع قيدا على الدولة في الاستعانة بها نتيجة لما سيسلكه المكلفون من غش و تهرب ضريبي.
2/المبرر الاقتصادي: هناك مبرر اقتصادي للجوء إلى الاقتراض الداخلي، و ذلك تبعا لطرق إصداره التي قد تكون بهدف هيكلة اقتصادية أو بهدف معالجة حالات ظرفية .
فرع 3/:مبررات اللجوء إلى القرض الخارجي2:
ونوجزها فيما يلي:
*نقص المدخرات الوطنية و الحاجة لرؤوس أموال لتمويل النفقات العامة
*تمويل المستوردات المختلفة اللازمة لمشاريع التنمية الاقتصادية.
*الحاجة الماسة للعملات الصعبة لتكييف الوضع الاقتصادي المتميز بالكساد أو الانكماش.
المطلب الثالث:التنظيم الفني للقروض:
الفرع 1/:شروط إصدار القرض العام1:
يقصد بالشروط مجموع الأوضاع التي تحيط بإصدار القرض العام، و تتصل ببحث قيمته و شكل سندات إصداره و السعر الذي تصدر به و الفائدة المقررة و أخيرا المزايا و الضمانات التي يتمتع بها المكتتبون في هذا القرض.
أولا:مبلغ القرض العام:
يمكن أن يصدر القرض بقيمة محددة، كما يمكن أن يكون غير محدد القيمة، ففي الحالة الأولى يقفل باب الاكتتاب في القرض بمجرد تغطية المبلغ أو بانتهاء المدة المحددة للاكتتاب، أما في الحالة الثانية (قرض غير محدد القيمة )فان الدولة تقبل جميع الاكتتابات التي تقدم لها خلال مدة الاكتتاب، و هذا عندما تكون في حاجة إلى مبالغ كبيرة، أو إذا خشيت ان لا يغطى مبلغ القرض إذا هي حددته.
ثانيا:شكل سندات القرض:
عادة ما تتخذ القروض العامة شكل سندات حكومية تصدرها الدولة و تطرحها في عملية الاكتتاب العام، و قد تكون هذه السندات اسمية أو لحاملها أو مختلفة.
1/سندات اسمية:بوضع سجل خاص يعيد فيه اسم المكتتب في القرض و يحتفظ به في وزارة المالية و لا تنقل ملكيته إلا إذا تم تغيير البيانات، و مالك السند هو الذي يحصل على الفائدة.
2/سندات لحاملها:هذا الشكل لا يحتوي على اسم المالك، وملكيتها تنتقل بالتسليم باليد. 3/السندات المختلطة:وهي تشبه السندات الاسمية إلا فيما يخص تحصيل الفائدة فانه يتم تحصيلها من طرف الشخص الذي يتقدم بالقسيمة لأنه لا يتطلب إجراءات تثبيت الهوية.
ثالثا:سعر الإصدار والفائدة المقررة:
قد يصدر القرض العام بأحد السعرين إما بسعر التكافؤ أو بأقل من سعر التكافؤ، ويصدر بسعر التكافؤ إذا كانت قيمة الإصدار للفرد تساوي قيمة السند الاسمية و يصدر بأقل من سعر التكافؤ إذا كانت قيمة الإصدار اقل من القيمة الاسمية للسند.
أما عن سعر الفائدة، فانه يراعى في تحديدها مجموعة من الاعتبارات أهمها حالة الأسواق المالية حجم القرض المطلوب، مدته....الخ، وتعيين الدولة مواعيد دفع الفوائد.
رابعا:المزايا و الضمانات المقررة للمكتتبين:
و هي ترغيب الأفراد في عملية الاكتتاب كإعفاء السندات أو فوائدها من الضرائب.
الفرع 2/:طرق إصدار القرض العام1:
من الممكن أن تلجأ الدولة إلى عدة وسائل أو طرق لإصدار قروضها، و من أهم هذه الطرق: الاكتتاب العام، الاكتتاب المصرفي، الإصدار في البورصة.
أولا:الاكتتاب العام المباشر:
وهنا تتولى الدولة بنفسها طرح سندات القرض العام للاكتتاب فيها مباشرة من طرف الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين، محددة مدة الاكتتاب، شروط القرض و المزايا الممنوحة للمكتتبين والراغب في الاكتتاب يتوجه إلى الإدارات المخصصة لذلك سواء البنوك المركزية أو التجارية أو وزارة الخزانة أو مراكز البريد، وهذه العملية توفر على الدولة المبالغ التي تحصل عليها البنوك في حالة إصدار القرض عن طريق البيع للبنوك، كما يمكنها من السيطرة والرقابة على عمليات الإصدار.
ثانيا:الاكتتاب المصرفي:(البيع للبنوك)
تتم وهنا تتنازل الدولة لبنك أو مجموعة من البنوك أو المؤسسات المالية عن كل سندات القرض مقابل مبلغ معين، وتترك للبنوك الحرية في إعادة بيع السندات للجمهور مباشرة، في سوق للأوراق المالية بالسعر الذي تريده البنوك، وتتميز هذه الطريقة بسرعة الحصول على المبلغ الذي تريده الدولة اقتراضه، لكنها تفوت على الدولة مبلغا معتبرا من الفوائد.
ثالثا:الإصدار في البورصة
في هذه الطريقة تقوم الدولة بعملية إصدار القرض العام على قرارماتفعله المشروعات الخاصة، فتعرض سندات القرض للبيع في سوق الأوراق المالية (البورصة )بحسب
السعر الذي تراه في صالحها كل يوم وتسمح هذه الطريقة للدولة بمتابعة التقلبات في أسعار البورصة وانتهاز القروض المناسبة، وما يعاب عليها هو محدودية المدة، كما أن الدولة لا تستطيع عرض كمية كبيرة من سندات القرض وإلا أدى ذلك إلى انخفاض أسعارها.
الفرع 3/:انقضاء القرض العام:
يراد بانقضاء القروض العامة التخلص من الالتزامات التي تترتب على الدولة بسبب هذه القروض اتجاه المقرضين وهي الفائدة التي تدفعها الدولة، واصل المبلغ المقترض الواجب رده، ويتم انقضاء القرض العام، عن طريق الوفاء بالقرض، أو تخفيف العبء المالي للقروض العامة.
أولا:الوفاء بالقرض العام:
يقصد به رد قيمة القرض بأكمله إلى المكتتبين فيه، ويكون هذا بالنسبة للقروض المحددة المبلغ، والتي يمكن التخلص من عبئها المالي من موارد الدولة العادية وهي قروض قصيرة الأجل، بينما القروض الضخمة والقروض متوسطة وطويلة الأجل يتم استهلاكها عبر عدة سنوات.
ثانيا:استهلاك القرض العام:
ويقصد به تسديد القرض برد قيمته إلى حامليها على دفعات متتالية خلال فترة زمنية معينة تنص عليها شروط إصدار القرض1.ويترتب عليه تقصان مبلغ أو قيمة الفرض والفوائد المترتبة عليه ،وقد يكون ا ستهلاك القرض اختياريا أو إجباريا بالنسبة للدولة . حيث يكون هذا الاستهلاك إجباريا في حالة القروض المحددة بأجل سداد معين، ويتم السداد هنا إما عن طريق أقساط سنوية محددة (السندات لحامليها تتضمن الفائدة)،
أو عن طريق القرعة بإخراج السندات سنويا بطريق القرعة وسد قيمتها الاسمية لحامليها.
وقد يكون هذا الاستهلاك اختياريا:وهناك يكون للدولة الحق في أن تقوم بسداد القرض في الوقت الذي تراه ملائما وتكون عادة في القروض المؤبدة2.
ثالثا:تخفيف العبء المالي للقروض العامة:
تلجأ الدولة في هذه الحالة إلى أسلوبي التثبيت أو التبديل (احدهما أو كلاهما)، وهنا لا تنقضي مديونية الدولة بل ينتج عن ذلك تغيير نوع القرض أو سعر الفائدة.
1/ التثبيت:وهو أن تحول الدولة الدين قصير الأجل إلى الدين متوسط أو طويل الأجل، وقد يكون التثبيت اختياريا أو إجباريا وهذا حسب ترك الحرية لحاملي السندات قصيرة الأجل في الاكتتاب في السندات الجديدة أو عدم ترك الحرية لهم في الاكتتاب فيها.
2/ التبديل:ويقصد به إحلال قرض جديد بسعر فائدة منخفض محل قرض قديم بسعر فائدة مرتفع، ويشترط في التبديل أن تتوفر ثقة المقرضين في الدولة، وان تكون الفائدة المقترحة مساوية أو أعلى من الفائدة الجارية في السوق، وان لا تكون المدة المقترحة للقرض الجديد طويلة، وقد يكون التبديل اختياريا أو إجباريا وهذا أيضا حسب الأخذ بعين الاعتبار حرية الأفراد في تخفيض سعر الفائدة.
الفرع الرابع:مقارنة بين القرض و الضريبة:
أولا:أوجه التشابه بين القرض و الضريبة:
*كل من الضريبة و القرض يتحمل عبئوهما النهائي الممولون باعتبار أن القرض حسب بعض المنظرين هو عبارة عن ضريبة مؤجلة
*كل من الضريبة و القرض يستندان إلى نص تشريعي يرخص بتحصيلها
*كل من الضريبة و القرض يعتبران كمورد من موارد الدولة1.
ثانيا:أوجه الاختلاف بين القرض و الضريبة:
*تعتبر الضريبة مساهمة إجبارية يدفعها الممول إلى خزينة الدولة، بينما القرض يقوم
على أساس الاختيار كقاعدة عامة 2.
* الضريبة تدفع من طرف الممولين بصورة نهائية غير قابلة للرد دون أن تدفع عنها أية
فوائد، بينما القرض قابل للرد، بحيث تلتزم الدولة بدفع أصل رأس المال القرض و دفع
الفوائد المستحقة عنها حتى يتم الرد نهائيا3.
*الضريبة لا تخصص حصيلتها لتغطية نفقات معينة، بينما القرض تخصص مبالغه
لقرض معين*وفق القانون الذي يصدر بموجبه4.