السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من تتبع خروج الناس عبرالتاريخ الإسلامي على حكامهم وما جرى من فتن ونكبات وويلات علم يقينا ان الخير كله في اتباع النصوص النبوية الآمرة بطاعة ولاة الامر والصبر على جورهم وظلمهم وكما قيل : " سلطان غشوم ظلوم خير من فتنة تدوم "
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - " وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا ما كان ما تولد عن فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة . وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك بالعراق . وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخرسان أيضا والكذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة وامثال هؤلاء ...
وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة كما كان عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وغيرهم ينهون عام الحرة عن الخروج على يزيد . وكما كان الحسن البصري ومجاهد ينهون عن الخروج في فتنة ابن الاشعث . ولهذا استقر أمر اهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم ... ومن تأمل الاحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي في هذا الباب واعتبر ايضا اعتبار اولي الأبصار علم ان الذي جاءت به هذه النصوص النبوية خير الامور ...
وهذا كله مما يبين أن ما أمر به النبي من الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والخروج عليهم هو اصلح الامور للعباد في المعاش والمعاد وأن من خالف ذلك متعمدا او مخطئا لم يحصل بفعله صلاح بل فساد ...."
وقد اعتبر أهل السنة بما حصل للامة الاسلامية بسبب الخروج على الحكام الظالمين فقرروا في كتبهم العقدية ترك الخروج وصار ذلك شعارا لهم وعلامة من علامات المفارقة بين مذهبهم وبين مذاهب أهل البدع
وهو الذي جرى عليه عمل أئمة اهل السنة مع حكامهم فكم من إمام ظُلم وكم من إمام سُجن بغير حق فصبر واحتسب ولم ينزع يدا من طاعة
ومن أشهرها ما حصل أيام الدولة العباسية حين تأثر بعض خلفاء بني العباس ببدعة خلق القرىن فدعوا الناس غلى اعتقادها وامتحنوا علماء السنة بذلك ومن لك يجبهم فمصيره الضرب والسجن
فصمد في تلك المحنة طائفة من أئمة السنة على قول أهل السنة والجماعة بان القرآن كلام الله غير مخلوق وعلى رأسهم الإمام المبجل أحمد بن حنبل ولم ينزع يدا من طاعة بل كان يدعوا لمن فعل ذلك به ويستغفر له وأنكر على من أراد الخروج
فقد روى أبو بكر الخلال في كتاب " السنة " عن أبي الحارث - هو احمد بن محمد الصائغ - قال : سألت ابا عبد الله يعني - الإمام احمد - في أرم كان حدث ببغداد وهمّ قوم بالخروج فقلت : يا أبا عبد الله ! ما تقول في الخرزج مع هؤلاء القوم ؟ فانكر عليهم وجعل يقول :" سبحان الله الدماء !الدماء! لا أرى ذلك ولا آمر به الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يسفك فيها الدماء ويستباح فيها الاموال وينتهك فيها المحارم اما علمت ما كان الناس فيه - يعني أيا مالفتنة - "
قلت : والناس اليوم أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله ؟ قال " وإن كان فإنما هي فتنة خاصة فإذا وقع السيف عمت الفتنة وانقطعت السبل الصبر على هذا ويسلم لك دينك خير لك " ورأيته ينكر الخروج على الأئمة وقال :" الدماء ! لا أرى ذلك لا آمر به
وروى أيضا عن حنبل - هو ابن اسحاق ابن عم الإمام احمد - انه قال :" في ولاية الواثق اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبد الله . أبو بكر بن عبيد وابراهيم بن علي المطبخي وفضل ابن عاصم فجاؤووا إلى أبي عبد الله فاستأذنت لهم فقالوا يا أبا عبد الله !
هذا الأمر قد تفاقم وفشا ؟ يعنون إظهاره لخلق القرآن وغير ذلك , فقال له لهم :" فماذا تريدون ؟ قالوا : ان نتشاور في أنا لا نرضى بإمرته ولا سلطانه فناظرهم ابو عبد الله ساعة وقال لهم : " عليكم بالنُكرة بقلوبكم ولا تخلعوا يدا من طاعة ولا تشقوا عصال المسلمين ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم , انظروا في عاقبة امركم واصبروا حتى يستريح بَر او يُستراح من فاجر "
ودار في ذلك كلام كثير لم احفظه ومضوا ودخلت انا وأبي على ابي عبد الله فقال أبي لأبي عبد الله : نسأل الله لنا السلامة ولأمة محمد وما احب لأحد ان يفعل هذا وقال أبي : يا أبا عبد الله ؟ هذا عندك صواب ؟ قال : " لا هذا خلاف الىثار التي امرنا فيها بالصبر " ثم ذكر أبو عبد الله قال : " قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن ضربك فاصبر وإن , وإن , فاصبر " فأمر بالصبر "
فتأمل- يا رعاك الله - كيف أن هذا الإمام ينكر بشدة أن تهدر دماء المسلمين في مسألة عقدية عظيمة - القول بخلق القرآن - التي لولا التاويل - كما قال أهل العلم لكفر من اعتقدها أو اجاب إليها , لما يعلم من حرمة دم المسلم عند الله تعالى كما جاء في الحديث :" لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم " (1 )
زوال الدنيا بكل ما فيها من أموال ومساكن زمصانع ومتاجر ومزارع لا تعدل دم رجل مسلم واحد , فكيف بمن يفتي بإهدار دماء شعب بأكمله من اجل المطاعم والمساكن والوظائف وزيادة المرتبات !
كتبته يوم الخميس 25 رمضان 1432 نقلا من مجلة الإصلاح للشيخ الدكتور كمال قالمي بتصرف يسير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص ورجح الترمذي وقفه وقال : في " علله الكبير " سألت محمدا - يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال " الصحيح عن عبد الله بن عمرو موقوف " وفي الباب أحاديث كثيرة أشار إليها الترمذي في جامعه