لما كتبت في هذا المقام منذ أيام تعليقا حول التصريح الذي أدلى به الغنوشي في أمريكا بأنه مستعد لإقامة علاقة مع إسرائيل، جاءتني ردود في موقع ”الفجر” منها مفند لما اعتبره ادعاء، ومنها - وهذا هو الأغرب - من قال إن ”بعبع” إسرائيل لم يعد يخيفنا مثلما كانت الأنظمة تحاول إخافتنا به. وهو ما يعني أن الإسلاميين مستعدون لكل شيء، حتى ولو لزم الأمر المرور على أجساد بناتهم وأمهاتهم من أجل الوصول إلى ”العرش”.
وها هو الغنوشي وبن كيران زعيما المغرب ”الإسلامي” الجديدان، يعلنانها صراحة من دافوس، ويمدان يديهما إلى إسرائيل، ويصرحان بذلك لإذاعة إسرائيلية، وهو ما فهم بأنه استعداد من الزعيمين الإسلاميين لتطبيع العلاقة مع الكيان الصهيوني الذي يبقى كيانا زرع في الجسد العربي حتى ولو سمي إسرائيل واعترفت به الدول العربية والإسلامية.
مازلنا لا نعرف ماذا سيكون موقف الإسلاميين الجزائريين من هذه القضية، ومنها حمس التي استقبل زعيمها الأسبوع الماضي الوزير بن كيران وحمل له رسالة من رئيس الحكومة المغربية يقول فيها إنه متأكد من إمكانية بناء المغرب العربي في حال وصول الإسلاميين إلى الحكم، حمس التي قادت السنة قبل الماضية حملة فك الحصار على غزة وتعرض مناضلوها ضمن الحملة إلى مظالم إسرائيل، مازلنا لا نعرف ما هي المفاجأة التي سيحملها إسلاميو الجزائر في حال فازوا في الانتخابات المقبلة، وهل سيغيرون مواقفهم من القضية الفلسطينية ومن إسرائيل ويتبعون في موقفهم هذا موقف زعيمهم الروحي حاليا، القرضاوي وأميره، أمير قطر، وهل سيقولون لنا صراحة إن إسرائيل ليست بعبعا تخيف به السلطة الشعب الجزائري، هذه القناعة التي بدأت ترسخ إعلاميا وربما أيضا وجدانيا في قرارة القاعدة الإسلاموية، خاصة وأن عرابة الثورات، قناة الجزيرة، ساهمت منذ إنشائها في حملة التطبيع مع إسرائيل تحت مسمى الرأي والرأي الآخر، الشعار الذي أدخل الصوت والصورة الإسرائيلية إلى بيوتنا.
قد تكون هذه العقيدة الجديدة للإسلام السياسي، العائد بقوة عربيا هذه الأيام، هي عامل القضاء على إيديولوجيات الإسلام السياسي، فالإسلام كدين قام طوال قرون من ظهوره إلى الآن على معاداة اليهود، ومعاداة إسرائيل تحديدا، الدولة القائمة على أساس ديني وحاربت الوجود الإسلامي في القدس، وعلى أحقية المسلمين بالأماكن المقدسة في أرض فلسطين، فالمسلم الحقيقي لا يمكن أن تقنعه الاديولوجيات الاسلامية الجديدة بصداقة إسرائيل، وبقبول احتلالها وضمها للقدس، ولن يغير هذه القناعة زعماؤه الجدد، وستكتشف القاعدة الإسلاموية نفاق الزعماء وينهار البناء مثلما انهارت قبلها إديولوجيات أخرى متطرفة.