الحمد لله أما بعد:
بعد أن تكلمنا عن مراتب القضاء والقدر كمقدمة لكشف الإلتباس والحيرة التي قد تعتري بعض من استشكل وتعذر بالمكتوب نجيب على السؤال الرئيسي في موضوعك:
اقتباس:
هل الإنسان مسير أم مخير؟؟؟
|
الجواب ما قاله العلامة ابن عثيمين ناقلا مذهب أهل السنة في ذلك:
إن الأفعال التي يحدثها الله تعالى في الكون تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : ما يجريه الله ـ تبارك وتعالى- من فعله في مخلوقاته فهذا لا اختيار لأحد فيه كإنزال المطر وإنبات الزرع والإحياء والإماتة والمرض والصحة وغير ذلك من الأمور الكثيرة التي تشاهد في مخلوقات الله تعالى وهذه بلا شك ليس لأحد فيه اختيار وليس لأحد فيها مشيئة وإنما المشيئة فيها لله الواحد القهار .
القسم الثاني: ما تفعله الخلائق كلها من ذوات الإرادة فهذه الأفعال تكون باختيار فاعليها وإرادتهم لان الله تعالى جعل ذلك إليهم قال الله تعالى ((لمن شاء منكم أن يستقيم ) (التكوير :28) وقال تعالى(منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ) (آل عمران 152) وقال تعالى : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ( الكهف : 29 ) والإنسان يعرف الفرق بين ما يقع منه باختياره وبين ما يقع منه باضطرار وإجبار فالإنسان ينزل من السطح بالسلم نزولاً اختيارياً يعرف انه مختار ولكنه يسقط هاوياً من السطح يعرف انه ليس مختاراً لذلك ويعرف الفرق بين الفعلين وأن الثاني إجبار والأول اختيار وكل إنسان يعرف ذلك .
وكذلك الإنسان يعرف انه إذا أصيب بمرض سلس البول فإن البول يخرج منه بغير اختياره وإذا كان سليماً من هذا المرض فإن البول يخرج منه باختياره . ويعرف الفرق بين هذا وهذا ولا أحد ينكر الفرق بينهما . وهكذا جميع ما يقع من العبد يعرف فيه الفرق بين ما يقع اختياراً وبين ما يقع اضطراراً وإجباراً بل إن من رحمة الله عز وجل أن من الأفعال ما هو باختيار العبد ولكن لا يلحقه منه شيء كما في فعل الناسي والنائم ويقول الله تعالى في قصة أصحاب الكهف (( ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) (الكهف : 18 ) وهم الذين يتقلبون ولكن الله تعالى نسب الفعل إليه لان النائم لا اختيار له ولا يؤاخذ بفعله ، فنسب فعله إلى الله عز وجل ويقول صلى الله عليه وسلم ( من نسى وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه )
فنسب هذا الإطعام وهذا الإسقاء إلى الله عز وجل لأن الفعل وقع منه بغير ذكر فكأنه صار بغير اختياره وكلنا يعرف الفرق بين ما يجده الإنسان من آلم بغير اختياره وما يجده من خفة في نفسه أحياناً بغير اختياره ولا يدرى ما سببه وبين أن يكون الألم هذا ناشئاً من فعل هو الذي اكتسبه أو هذا الفرح ناشئاً من شي هو الذي اكتسبه وهذا الأمر ولله الحمد واضح لا غبار عليه .)) انتهى كلامه وعذرا على الإطالة لكنها مسألة عقيدة كما لا يخفاك فتحمل واصبر.