الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام علي خاتم النبين
اما بعد
فإن لم تنظرو وإن لم تسعموا فهذه اجوبه بسيطه لشبهاتكم الواهية من الناحية الاقتصادية والشرعية
************************************************** *********
الفائدة من الناحية الاقتصادية :
***************
قد يري بعض الاقتصاديين
ان الفائدة هي تعويض لصاحب رأس المال عن المخاطرة
أو الفرق بين القيمة الحالية والمستقبلية
أو ذلك السعر الذي يحقق التوازن بين العرض والطلب
أو ان الفائدة هي ايجار للاموال قياسا بايجار العقارات والآلات
أو تعويض للمقرض عن حرمانه انتفاعه بماله خلال فترة من الزمن.
وفي الحقيقة وان كانت تلك المبررات قد صاغها البعض لوضع الشرعية علي الفائدة إلا ان الواقع والزمان قد اثبت خطا تلك المبررات ، اذ اجاب كثير من الاقتصاديين عن فشل تلك المبررات وبيان ان الفائدة كانت من اهم وأعظم الاسباب الرئيسية والأساسية في تحقيق الأزمات الاقتصادية والمالية ، وفي هذا الصدد يقول (توماس الإكويني) ردا علي ذالك:
1- ان النقود عقيمة ، وثمارها بفضل العمل الذي استثمرها لا بفضلها
2- النقود تهلك عند استعمالها مرة واحدة ، فتخرج من ملكية مستعملها ، فلا يجوز المطالبة بثمن هذا الاستعمال
3- المطالبة بالفائدة يعتمد المطالبة بثمن الزمان ، والزمان ملك لله وليس ملك لاحد .أهـ
- ولقد الف السيد/ جوهان فليب مزايهرفون بتمان(وهو مدير بنك الماني في فرانكفورت) كتابا أسماه (كارثة الفائدة) قام بترجمته ا.د/ احمد النجار بيّن فيه كيفية تأثير الفائدة علي انحدار النقد في الدولة والتضخم ، الي اخر المخاطر التي اشار اليها .
كما كشف بعض علماء الإقتصاد علي زيف تلك المبررات بما يلي :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
- إن الاحتكام الي قانون العرض والطلب في كل شئ خطاً فادحاً ، إذ أن النقود والاسهم يعبّران عن قيمة مادية تتمثل في اصل من الاصول الحقيقية، وإن ارتفاع الطلب علي النقود أو الاسهم نتيجة لظواهر سلوكية عادة ما تكون عاطفية لا تمثل في الحقيقة القيمة الحقيقة الثابتة للاصول ، ولأنه غالبا ما تتحكم قلة من الناس تتمتع بالنفوذ السياسي والاقتصادي والإعلامي في قوي العرض والطلب، وغالبا ما تدفع الحرية الرأسمالية الي ذالك.
- اذا كان المقرض يأخذ زيادة كتعويض عن ارتفاع الأسعار في المستقبل فعليه أن يتنازل عن جزء من رأس المال اذا انخفضت الاسعار في المستقبل مع الاشارة بأن هناك سلع ترتفع اسعارها في نفس الوقت التي ينخفض فيها اسعار سلع اخري فعلي ايهما يكون القياس ،واين يكون القياس في الدول الغنية ام الفقيرة .
- اثبتت الدراسات التطبيقية أن رؤس الاموال التي تتعامل بالفائدة تنقص قيمتها الحقيقة مما يؤدي الي إتساع الهوه بين القيمة النقدية والقيمة الحقيقية
- إن القياس بين الفائدة وبين قيمة ايجار العقارات والآلات قياس فاسد اذ ان النقود لا تحمل عمل مختزن ولا تحمل قيمة مضافة لذاتها بل ان الانتفاع بها يعني هلاكها وفنائها ، أما إيجار العقارات وادوات الانتاج هو اجر لعمل مختزن بها او قيمة مضافة لها وإن الانتفاع بها أو استخراج العمل منها لا يعني المساس بذاتها.
- ان كانت الفائدة مكافأة للمقرض عن عدم الانتفاع بماله ، فان الشرع لا يعترف بالكسب تحت اسم المكافأة، ولكن علي اساس العمل المباشر أو المختزن
- إن كانت الفائدة تعويض للمقرض علي عدم حيازته لماله ، فكما ان المجتمع لبي حاجات المقرض من امن وتعليم وصحة ودعم ..الخ ، فعلي المقرض مسئولية مساعدة ذلك المجتمع في نشاطه الانتاجي بماله وجهده حتي يتسني له اشباع تلك الحاجات له ولغيره ، وإن كنزها أو أخذ فائدة عليها هو نوع من الانتهازية و إبتزاز هذا المجتمع .
الفائدة من الناحية الشرعية :
******************
القاعدة الشرعية تقول ( كل قرض جر نفع فهو ربا ) فالربا المجمع علي تحريمه هو كل زيادة مشروطة علي القرض في جميع الاموال، وكذلك ربا البيوع بنوعيه (الفضل ،والنسيئة) في الاصناف الستة المعلومة في السنة، فعن عبادة بن الصامت ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبُر بالبُر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد...) الي اخر الحديث ،، واليك بعض نصوص التحريم:
قال تعالي {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (275) سورة البقرة ،
وحرمها رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فعن عبدالله بن مسعود قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه)رواه احمد ،الترمذي، البيهقي ،،
وحتي لا يظن البعض ان الفائدة ليست الربا المقصود في النصوص الكريمة السابقة نستعرض التعريفات الاتية:
- ( الربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانيرالي اجل ، بزيادة علي مقدار ما استقرض ، علي ما يتراضون به) الجصاص في احكام القران (1/465)
- (ربا النسيئة هو الامر الذي كان مشهورا متعارفا في الجاهلية ، وذلك انهم كانو يدفعون المال علي ان يأخذو كل شهر قدرا معينا ويكون رإس المال باقيا ، ثم اذا حل الدين طالبوا المديون برأس المال ، فان تعذرعليه الاداء زادوا في الحق والاجل) تفسيرالفخر الرازي(4/92)
وبالنظر في التوصيفات السابقة للربا نجد مدي التطابق الشديد بينه وبين نظام الودائع والمدخرات بالفائدة الثابتة المعلومة مسبقا( التي تُرد مع رأس المال)والتي تعتبر قروضا وليس عقد استثمار، كما نصت بذلك المادة 726 من قانون الاحوال المدنية حيث ان نص المادة فحواه(( إذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود أو اي شي آخر مما يهلك بالاستعمال ، وكان المودع عنده مأذوناً له في الاستعمال اعتبر العقد قرضاً ))
- وقد يقول البعض ان نظام الفائدة قد افتي شيخ الازهر السابق (سيد طنطاوي) رحمه الله بجوازها فهي حلال . ،، وفي الحقيقة تلك الفتوي قاصرة علي اجتهاد فردي في مسألة هامة تمس الشعب ينبغي لها الاجتهاد الجماعي ، علاوة علي ان تلك الفتوي ردت باجماع العلماء ، حيث ان هناك فتوي تاريخية اصدرها بالاجماع المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الاسلامية(1965م،1385هـ) الذي شارك فيه ستة وثمانون عالماً من خمس وثلاثين دولة إسلامية ونص هذه الفتوي هو كما يلي:
- ((الفائدة علي انواع القروض كلها ربا محرم ، لا فرق في ذلك بين ما يسمي بالقرض الاستهلاكي وما يسمي بالقرض الانتاجي ، لان نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة بتحريم النوعين ، وكثير الربا في ذلك وقليله حرام) ،
- وكذلك تحريم مجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الاسلامي(1985م،1406هـ)في قراره رقم (10/2) ، وتحريم مجمع الفقه برابطة العالم الاسلامي في (1986م ، 1406هـ).
- وتحريم المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة عام (1976م،1396هـ) والذي حضره أكثر من ثلاثمائة من العلماء والفقهاء والخبراء في الاقتصاد والبنوك وفيه تم التأكيد علي حرمة الفائدة
- وتحريم المؤتمر الثاني للمصارف الاسلامية المنعقد في الكويت عام (1983م،1403هـ)
- ما صدر عن دار الافتاء المصرية بتاريخ 14رجب 1409هـ، 2/2/1989م في تحريم الفائدة.
* أما في ذكر البعض عن دفتر توفير البريد وأن الشيخ / محمود شلتوت رحمه الله قد افتي بحل فوائد دفتر توفير البريد ، لم يذكر البعض تحريم الشيخ / شلتوت في كتابه التفسير ، وتراجع الشيخ شلتوت عن تلك الفتوي كما اكد بذلك الامام/محمد ابو زهرة في ندوة لواء الاسلام ، والشيخ / صلاح أبو اسماعيل امين لجنة الفقه بمجمع البحوث الاسلامية ، والشيخ / يوسف القرضاوي ، والشيخ/ عبدالرحيم فوده مدير مجلة الازهر رحمه الله ، والشيخ / فوزي بركات.،(موسوعة القضايا الفقهية أ.د/ علي السالوس)
ولكن هل الربا محرم في اليهودية والمسيحية ؟
****************
جاء تحريم الربا في الكتاب المقدس في عديد من نصوصه فمثلا:
- الاصحاح الثاني والعشرون من سفر الخروج( ان اقرضت فضة لشعبي الذي عندك فلا تكن له كالمرابي ولا تضعوا عليه الربا)
- سفر التثنية الاصحاح الثالث والعشرين( لا تقرض اخاك بربا ، ربا فضة ، او ربا طعام ، او ربا شي مما يقرض بالربا)
- سفر اللاويين 25/36( لا تأخذ منه ربا ولا مرابحة بل اخش الهك فيعيش اخوك معك)
بعض مخاطر الفائدة او الربا علي المجتمع
********************
المخاطر الاخلاقية :
- الربا ينمي حب المال في نفس المرابي ، ويجعله جشعا لا يكتفي بالقليل ، ولا يراعي حرمات الله فيدوس علي كل شي في سبيل تحقيق رغباته
- الربا يقتل إحساس المرابي بآلام المحتاجين ، ويسعي لاستغلال حاجتهم ، ويصبح انانيا لا يهمه سوي تكديس المال ولو علي حساب الاخرين
- الربا يؤدي الي احساس الفقير بالظلم ، وبأنه وحيد لا يجد من يقف الي جانبه مما يدخل الي نفسه الحقد والبغض لاصحاب رؤس الاموال
- ان تعامل الانسان بالربا مع قناعته بحرمته ، يجعله يشعر بتأنيب الضمير ويشعره بعقدة الذنب الذي لا يستطيع دفعه ، او يجعله يستهين بحرمات الله ويبرر لنفسه كل حرام ( من رشوة وسرقة من المال العام وربا) بحجة الحاجة والاضطرار وتفشي ذلك في الناس جميعا
المخاطر الاجتماعية :
- تصبح طبقة المرابين هي المتحكمة والمتسلطة علي باقي افراد المجتمع ، وذلك لامتلاكها المال ( والمال في مجتمع فقير قوة) ومن يملك قوة المال يتطلع للحكم والسيطرة
- الربا يؤدي الي تعطيل المواهب الناشئة ، لأن هؤلاء لا يجدون من يساعدهم علي اظهار مواهبهم للمجتمع لحرص المرابي علي الزيادة بدون مخاطرة وان كانت محرمة
- الربا ينمي النظرة المادية في المجتمع ، ويقتل الناحية الروحية والاخلاقية ويصبح المال غاية في حد ذاته بعد ان كان وسيلة
- يعتبر من ضمن اسباب انتشار الجريمة في المجتمع ، حيث ان الفقير الذي يشعر بعدم العدالة والمساواة وقد امتلا حسداً وغيظا من اصحاب رؤس الاموال يندفع لسلوك اجرامي لتحقيق العدالة والمساواة من وجهة نظره.
- الربا يقتل المعروف والتعاون بين افراد المجتمع الواحد ، مما يؤدي الي تفكيك المجتمع والي تفرقه وتشتيته
المخاطر الاقتصادية :
- الربا يسبب الازمات الاقتصادية وذلك من ناحييتين:
أ) ما تصيبه طبقة المرابين من ثراء غير مشروع بسبب حصولهم علي الفوائد دون تحمل الخسارة مع المستثمرين مما يثّقل ذلك علي المستثمرين فتتوقف مشروعاتهم.
ب) ميل طبقة المرابين في اوقات الرخاء الي التوسع في الإقراض ، وميلها الي تقنين الإقراض في اوقات الركود خوفا من احتمالات الخسارة
- الربا يسبب الغلاء والانحرافات المالية ، فالفائدة التي يدفعها المنتج الي المقرض تضاف الي تكاليف الانتاج ، وذلك لان اي مشروع لا يعطي ارباح الا بعد فترة من الزمن
- الربا يؤدي الي تعطيل الصناعات القائمة واعدام الصناعات الحديثة نتيجة فائدة القروض والمطالبة بها ، وإن اي تاجيل لها يستلزم فائدة اخري تضاف اليها مما يؤدي الي تفاقم المديونية وافلاس المشروع او الحجز عليه
- هروب رؤس الاموال كان نتيجة حتمية لعجز المستثمرين عن الوفاء بديونهم المتتاخمة مما جعلهم امام خيارين اما الهرب وام المسألة القانونية والعقاب