“قلنا كليمة أصبحنا في ظليمة” .. مقولة شهيرة للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، قالها إثر قطع الجزائر للتيار الكهربائي الموصل إلى تونس، على إثر تصريح لبورقيبة ضد موقف الجزائر من القضية الصحراوية.
أتمنى ألا يكون الرئيس التونسي المؤقت، منصف المرزوقي، استلهم موقفه الأخير تجاه الجزائر من إرث بورقيبة، السياسي التونسي المحنك، عندما أصدر بيانه أول أمس، وقال فيه إن الصحافة لم تفهم تصريحاته الأخيرة بشأن الجزائر، أتمنى أن يكون المرزوقي صائبا في كلامه، محقا في موقفه، ونحن المخطئون، ربما قد يخطئ واحد منا ويسيء فهم المرزوقي، لكن أن تخطئ كل الجزائر، وكل من سمع كلام المرزوقي، فهذا غير ممكن، لأن، كل من يعرف الرجل تساءل كيف لمعارض يساري يتحول من النقيض إلى النقيض؟!
كيف له أن يشكك في حق شعب في تقرير مصيره، مثلما شكك هو في حق الشعب الصحراوي.
فالقضية الصحراوية ليست هي حجر عثرة أمام بناء المغرب العربي الكبير الذي يتمناه المرزوقي مثلما نتمناه كلنا، بقدر ما هي سياسة المخزن التي لغمت العلاقات الأخوية بين شعوب المنطقة.
شيء جميل أن يعترف الرئيس التونسي المؤقت بأهمية دولة الجزائر، وأنه لم ينو التدخل في الشأن الداخلي الجزائري، كلام كهذا يسعدنا، لأننا لا نريد أن تخسرنا تونس الجديدة، تونس التي تتعافى اليوم من آثار نظام ظالم أضر بشعبها العظيم، ولا نريد أن نخسر الشعب التونسي الذي تربطنا به الكثير من الأشياء الجميلة، وله مكانة خاصة في وجدان كل جزائري، لا نريد أن نخسره بسبب موقف سياسي متسرع، بل بسبب موقف سياسي أسيء فهمه، على حد تعبير بيان الرئاسة التونسية، الذي استلمنا نسخة منه أمس في “الفجر”.
لا أظن أن الرئيس التونسي سيشكك مرة أخرى في شرعية الحرب التي قادها الشعب الجزائري قرابة العشرين سنة على الإرهاب، ولا في مشروعية وقف المسار الانتخابي، الذي كان عملية كبيرة لا تقل أهمية عن اجتماع الــ 22 الذي فجر الثورة التحريرية، ولا أول رصاصة أطلقت ليلة الفاتح نوفمبر من الأوراس، لأن وقف المسار الانتخابي يوم 12 جانفي سنة 92، والذي تحل ذكراه العشرون غدا الخميس، جاء حماية لجمهورية نوفمبر الذي كان يهددها المشروع الإسلاموي المتطرف، وكان الموقف استجابة لنداء أحرار الجزائر، كان عملية ضخمة لا يحق لأي كان أن يشكك في أهميتها اليوم أو يستهين.
أن يعترف المرزوقي، أو “يعتذر” بصورة غير مباشرة على موقف “لم يصدر” منه، بل لفقته له الصحافة بتعليقاتها، والقول هنا يعني “الفجر” تحديدا، فهذا كرم منه، فجلّ من لا يخطئ، وخير الخطائين التوابون، والتوضيح الذي حمله بيان الجمهورية التونسية يدل على نبل الرجل