صدف ثورية أغرب من الخيال
بقلم : نضال نعيسة
ساري ساعود، لم يدخل ربما عقده الثاني من العمر، هو واحد من الأطفال الصغار، من ضحايا هذه الحرب الوحشية المجرمة العبثية المجنونة التي يشنها أضلاع العدوان البدوي، التركي، الأطلسي ضد سوريا، والذي تم اغتياله بدم بارد على يد العصابات المسلحة في أحد أحياء حمص التي يطلق عليها العراعرة، ومن والاهم من الإعلام البدوي المتصهين، المدينة الثائرة، وتم الاتجار بدمه وبوفاته على الشاشات إياها العاشقة للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وما كان استشهاد هذا لطفل البريء غض السن وطري العود ليمر مرور الكرام، وينضم مع أعداد الضحايا التي تسقط بفعل إجرام الثوار المنظم إلى ركب ضحايا وأبرياء سوريا من أبنائنا وإخوتنا الكرام، لولا أن وراء الأكمة ما وراءها، وحيث أن خبايا وألغاز هذه الثورة المشبوهة تتفتق يومياً عن عشرات الأسرار التي لا تحدث إلا في قصص الخيال العلمي، والأفلام الهندية والهوليودية، التي أمطرت وتستوطن ذواكرنا كالاستعمار، والتي تؤكد لنا، حادثة بعد حادثة، ويوماً بعد يوم، ضلوع اليد الإسرائيلية والأطلسية والغربية فيها، وانغماسها فيها حتى شحمة أذنيها.
وبغض النظر عن تعاطي الإعلام المردوخي البدوي مع حادثة الوفاة، بتلك الطريقة البارانوية المخادعة المكشوفة، ومحاولة إلصاق ذلك، وكالعادة، بالنظام السياسي الحاكم في سوريا، (فحتى من يموت بالزهايمر والشيخوخة والفشل الكلوي وداء الإسقربوط اليوم في سوريا فهو بسبب النظام، هكذا)، واللعب على الوتر الطائفي، ومحاولة شحن المكوّن الوطني المسيحي السوري الأصيل ضد النظام، وضم هذا الخبر إلى ركام من الأخبار العادية عما يسمى بالثورة السورية، وعدم النبش في خلفياته، فإن للقصة والحادثة، وجه آخر ذو دلالات مرعبة وعميقة وصادمة، لا يمكن تخطيها ولا تجاوزها، لاسيما عندما نعلم بأن الطفل الشهيد ساري ساعود، هو ابن شقيقة البطل السوري الخالد جول جمال، (أي أن البطل جول جمّال هو خاله)، جول جمال هذا البطل السوري الخالد الذي فجـّر نفسه في عملية استشهادية نادرة وبطوربيده مستهدفاً المدمرة الفرنسية جون بار يوم 4 نوفمبر/تشرين ثاني 1956 إبان العدوان الثلاثي الشهير على مصر، والتي- العملية- أدت إلى تدمير وإغراق المدمرة جون بار(1) في البحر، وموت من كثيرين ممن كانوا على متنها، وإحداث نقلة نوعية وتحول في مسار تلك الحرب العدوانية.
وقد تتأكد تلك الظنون والأوهام والهواجس، هذا إذا علمنا، أن راعي، ومفبرك هذه الفوضى التي أطلقوا عليها اسم الربيع العربي، ومحرك هذه الثورة، والثوار الاشاوس، الذين يتباهون بحمل الرشاش إسرائيلي الصنع عوزي الشهير بصورهم على الفيسبوك، هو الفرنسي الليكودي المتطرف برنارد هنري، الذي اعترف شفاهة وكتابة بكل ذلك في كتابه "الحروب التي لا نحب" نوفمير 2011، وهو الباحث والداهية والخبير بشؤون المنطقة ودقائق تواريخها، وإن حادثة كإغراق المدمرة الفرنسية جون بار، لا يمكن أن تمر عليه مرور الكرام، وألا تكون قد حفرت أخاديد عميقة في ذاكرة القوميين الفرنسيين المتطرفين على شاكلة برنارد هنري، التواقين للانتقام من كل من جرح، وأهان، ومرّغ بالوحل، ولو بعد حين، جبين وكرامة المستعمر الفرنسي، من الجزائر لسوريا وحتى شرق آسيا، وكذلك الأمر بالنسبة لحادثة، خصصنا لها مقالاً منفصلاً، وهي استهداف العميد الشهيد البطل نعيم مطانيوس موراني، الذي رفع العلم السوري على قمة جبل الشيخ السوري الأشم في حرب تشرين أول/ أكتوبر في العام 1973، حيث كان، وبـمحض" الصدف" الثورية، أيضاً، من بين ضحايا التفجير الانتحاري الذي طال مركزاً أمنياً للاستخبارات العسكرية السورية في دمشق قيل حوالي أسبوعين من اليوم.
لا يمكن الجزم بكل حال، والادعاء بهذا، وأخذه على محمل اليقين القطعي الذي لا يقبل الجدال، وفرضه على عقل القارئ اللبيب والمتابع النبيه الذي نجل ونحترم ولا نشك في ذكائه مطلقاً، لكن من الغباء والحماقة والبلاهة، وبنفس الوقت، ألا يتم الربط بين هذا وذاك، فيمكن القول والزعم، مثلاً، لعلها صدفة غريبة، وعجيبة أن يكون ابن أخت البطل جول جمـّال(2) أحد ضحايا هذا العدوان البربري ضد سوريا، ولكن حين يتكرر الأمر، قد لا تصبح الصدفة صدفة، وقد لا تبقى مجرد حدث عابر من أحداث هذه الثورة، بل ربما ستصبح مع ما سيتكشف عما قريب، من قوانين وثوابت هذه الثورة والثوار. لكن الأكثر غرابة، من هذا وذاك، ألا يثير أمر على هذه الدرجة من الدلالات والأهمية والمغزي، حمية وغريزة وغيرة كل تلك الأقلام الثورية التي تسيل وتترقرق وتتدفق بلا حساب، وألا تتوقف عنده ولو من باب الحدث الإخباري أو حتى لمجرد التعزية والمواساة العادية والتقليدية في هكذا مناسبات اجتماعية ووطنية, لا بل إن التغاضي عنه ونسيانه وتجاهله يحمل في طياته الكثير من بواعث الريبة والاتهام. ووقانا الله وإياكم شر هكذا ثورة، وهكذا ثوار.
(1)- . طول المدمرة الفرنسية 247.9م x 3550م وزنها 48750طنا مجهزة ب(109) مدفعا" من مختلف العيارات طاقمها 88 ضابطا" و 2055 جنديا" بحارا".
(2)- هناك مدرسة شهيرة في اللاذقية باسم الشهيد جول جمـّال، تخليداً لذكراه، كان لي شرف الدراسة والتدريس فيها، في يوم من أيام العمر الغابر. قد تكون أيضاً الهدف الأول، وبالخطأ، لعدوان برنار هنري على سوريا، هذا إن حدث، وألف لا سمح الله.