الثورة الموءودة الحلقة الثانية عشر

[aurese]

Ahmed Boukou Akrouh‎

الثورة الموءودة
الحلقة الثانية عشر

أصوات الأنين كانت تنبعث من كل أرجاء المعتقل , و لم تخب حتى طلع فجر يوم الثلاثاء . حين أرسلت الشمس خيوطها لتنير المكان , و تكشف عن الأجساد التي كانت ملقاة على الأرضية التي غزتها المياه القذرة.

لقد أشتد مرض العيون على بعض المعتقلين الذين ظلوا طوال الليل يتألمون , وعند مطلع الشمس بدت علامات الالتهاب واضحة على عيونهم..كذلك حمل معه هذا الصباح خبرا أضفى على الأجواء حزنا قاتلا. لقد توفى أحد المعتقلين الذي كان في منتصف الستينات من العمر متأثرا بجروح أصيب بها في رأسه, و بدلا من نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم. أحضرته قوات الأمن للمعتقل , و ألقت به هناك و ظل يصارع الموت في صمت حتى فاضت روحه ليلة الثلاثاء . عندها جاء جنود و حملوه مع بداية بزوغ الفجر.

صورة هذا الشيخ رحمه الله و هو ملقى بالقاعة الصغيرة معصب الرأس و ثيابه مغطاة بالدماء , و قد غشت محياه صفرة الموت. مازالت عالقة في دهني إلى حد الساعة و تقض مضجعي . رغم تعاقب الأيام و السنين. كما لازلت لحد الساعة أتذكر بحزن ذلك الشاب الملقى بين الحياة و الموت في أحد أروقة مديرية الأمن الولائي , و رجال الشرطة يدوسون رأسه بأحذيتهم , و أحدهم يهين شرفه أمام الملأ . و كذلك صورة الفتى الذي تناول على اغتصابه ثلاثة من المظليين...

وزع علينا الجيش قارورات دواء لمواجهة مرض التهاب العيون الذي تفشى بشكل رهيب . احتفظت بقارورتي و لم أستعملها لأن هذا المرض لم ينل مني رغم أنني كنت من حين لآخر أشعر بوخز ضعيف للألم سرعان ما يزول.

الذين استعملوا هذا الدواء ازدادت حالتهم سوءا و ترديا, و البعض منهم لم يعد قادرا حتى على فتح عينيه . فأصبح العشرات من المعتقلين في حكم العميان . عندها جاءنا العساكر و أمرونا بالكف عن استعمال هذا الدواء لأن مدة صلاحيته منتهية...لكن تدخلهم كان متأخرا, و جاء بعد أن تردت أحوال الكثير من المعتقلين بشكل رهيب.

في اليوم التالي قاموا بنقلنا جميعا إلى قاعة أخرى واسعة تقع ببناية مجاورة حتى يتسنى لهم تنظيف المعتقل. و زارنا رجل يرتدي الزي المدني قيل بأنه من المخابرات .. ظاهريا تأثر كثيرا بالوضعية المحزنة التي كنا نعيشها , و أستمع لانشغالاتنا و وعدنا بنقلها للسلطات العليا للبلاد.

الحلقة الثالثة عشر ستنشر غدا إن شاء الله