حقوق الإنسان في السعودية بمنظار المنظمات الدولية غير الحكومية
سبيكة النجار
لاشك أن تعيين امرأة في منصب رفيع في المملكة العربية السعودية هو خطوة صغيرة في الطريق الصحيح وخاصة في مجال إنصاف المرأة، إلا أن تلك الخطوة على أهميتها لن تكتمل إلا باتخاذ إجراءات متعددة لتعديل وضع المرأة وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان بصورة صحيحة.
يأتي هذا الإجراء في الوقت الذي يناقش فيه مجلس حقوق الإنسان سجل حقوق الإنسان في المملكة والذي تطرقنا إلى قسم منه في الأسبوع الماضي. ونكمل هنا باستعراض موجز لآراء منظمات حقوق الإنسان الدولية غير الحكومية التي قدمت تقارير بديلة وعددها تسع جمعيات، مما يدلل على أهمية واقع حقوق الإنسان في السعودية والحاجة الملحة إلى تحسينه. فعلى نقيض مع ما ذكره رئيس الوفد السعودي إلى جنيف من أن الانتهاكات الموجودة حالياً ما هي إلا حالات فردية ليست ذات شأن؛ تعتقد المنظمات أن الانتهاكات الحاصلة تمارس بصورة منهجية ومستمرة.
منظمة العفو الدولية أبدت قلقاً واضحاً في تقريرها ودعت الحكومة إلى ضرورة استعراض كافة التحفظات والإعلانات التي أبدتها والتي تحول دون التمتع بتلك الحقوق. كما ذكرت أن السعودية لم تنفذ التعهدات التي قطعتها قبل انتخابها في مجلس حقوق الإنسان عام ,2006 حيث ما فتئت تلك التعهدات تتقوض بأنماط خطيرة وعميقة الجذور من انتهاكات حقوق الإنسان. ومما يزيد الطين بله حسب رأي المنظمة تلك الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في مجال محاربة الإرهاب والتي تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان.
منظمة الحقوقيين الدولية لم تكن أقل قلقاً من سابقتها إذ انتقدت النظام الأساسي للسعودية والذي يعتبر بمثابة الدستور. ورأت أنه يفتقر إلى مقومات أساسية في حقوق الإنسان لا بد من ذكرها في مثل تلك الوثيقة الهامة والتأكيد عليها منها على سبيل المثال لا الحصر: حرية التعبير، حرية المعتقد، حرية التجمعات، عدم التعرض للتعذيب، تحريم الإختفاء القسري، والحق في محاكمة عادلة وغيرها من الضمانات الأساسية.
وصلتني تعليقات عدة من القراء على مقالي السابق سواء عبر بريدي الإلكتروني الشخصي أو عبر الجريدة وبعضها أبدى غضبه الشديد من انتقاد وضع المرأة معتقداً أن النساء السعوديات قد حصلن على أكثر من حقوقهن، إلا أن اللجنة الإسلامية لحقوق الإنسان تعتقد عكس ذلك وتخص الذكر نظام ولاية الرجال الذي يفرض قيوداً شديدة على النساء ويعيق حصولهن على الرعاية الصحية. وشاركتها في ذلك كل من منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش التي دعت إلى إلغاء نظام الولاية وإتاحة الفرصة للمرأة البالغة للتنقل والسفر والدراسة دون الحاجة إلى تصريح أو مرافقة محرم. وتطول قائمة المساواة بين الجنسين لتشمل الدعوة إلى دمج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في القوانين المحلية، وضرورة تعريف التمييز القائم على أساس الجنس؛ وإلغاء الفصل بين الجنسين في التعليم والعمل وإتاحة أوسع الفرص للنساء للمشاركة في الحياة العامة وإلغاء التحفظات على اتفاقية السيداو.
وفي فصل حق الفرد في الحياة والحرية والأمن على شخصه انتقدت المنظمات النظام القضائي في المملكة، بما في ذلك العقوبات الجسدية والحبس الانفرادي والحبس السري وعدم مد سلطة القضاء لتشمل الإشراف على السجون وأماكن التوقيف. ولم تنسَ الظلم الذي يقع على النساء ضحايا العنف من جانب السلطة القضائية؛ وأوردت مثلاً على ذلك ما تعرضت له إحدى النساء المغتصبات عام 2007 إذ بدلاً من إنصافها والاقتصاص من الجاني أدينت بجريمة ''الاختلاط غير الشرعي'' وحكم عليها بمئتي جلدة.
وأشارت تلك المنظمات إلى أن عدم وجود قانون مدون للعقوبات يتنافى مع مبدأ شرعية الجرائم أو بمعنى أدق مبدأ لا جريمة ولا عقاب إلا بموجب القانون، حيث يشكل هذا المبدأ أحد الأركان الأساسية للقانون الجنائي المعاصر وأحد أعمدة مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان؛ وهذا بحسب رأيها غير متوفر في الحالة السعودية. كما دعت إلى إلغاء المحاكم السرية التي لا تتيح للمتهم الفرصة للدفاع عن نفسه أو حتى حضور محاكمته، ولم تنسَ الدعوة لحماية نشطاء حقوق الإنسان والأكاديميين والدينيين ودعاة الإصلاح. كما دعت كذلك إلى الحد من السلطات اللامحدودة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي نفذت عام 2005 أربعمئة ألف عملية اعتقال بين الرجال والنساء بتهم تتراوح بين عدم ارتداء الزي اللائق أو عدم حضور الصلاة وغير ذلك من التهم. كما دعت إلى إتاحة حرية ممارسة الشعائر الدينية لكافة الطوائف في المملكة وإلى تجريم التمييز بين كافة الطوائف؛ وإلى ضمان حرية الرأي وحرية الصحافة وحرية التجمعات وإنشاء المنظمات بما في ذلك تكوين النقابات والأحزاب السياسية. ولم تنسَ ذكر الإجراءات التي تتخذها المملكة في إطار جهودها لمحاربة الإرهاب والتي حسب رأيها لا تتماشى مع مبادئ حقوق الإنسان. ومن الأمور التي ركزت عليها المنظمات وضع العمالة الأجنبية وخاصة عاملات المنازل.
التقارير الدولية الصادرة عن منظمات الأمم المتحدة ولجانها أو عن المنظمات الدولية غير الحكومية لم تأتِ من فراغ. وقد نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش قبل أيام قليلة تقريرها السنوي الذي يؤكد على ما ورد في تلك التقارير. ويبقى على الحكومة السعودية وذوي الشأن أن ينظروا إليها بمنظار الموضوعية ويبدأوا باتخاذ خطوات إصلاحية حقيقية في مجالات متعددة من أهمها مجال حقوق الإنسان.
- باحثة وناشطة حقوقية