![]() |
|
قسم العقيدة و التوحيد تعرض فيه مواضيع الإيمان و التوحيد على منهج أهل السنة و الجماعة ... |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]()
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]() فما معنى القدر وما معنى القضاء؟ وهل بينهما صلة أو أن معناهما واحد؟
القدر في اللغة هو التقدير، قدرت الشيء أقدره تقديرا إذا جعلت له مقدارا ووصفا يكون عليه، إما في هيئته أو في وقت وقوعه أو ما أشبه ذلك، وهذا يقوله المرء عن نفسه يقول أقدر أو يقدر أنه يفعل كذا وكذا في اليوم الفلاني يفعل كذا وفي اليوم الفلاني يفعل كذا؛ يعني يجعل لأفعاله مقادير موقتة بأوقاتها وفق إرادته هذا من جهة اللغة. أما من جهة الشرع فإن القدر عُرّف بعدة تعريفات، اجتهد فيها العلماء. ومن التعريفات الحسنة في ذلك أن يقال: القدر هو تقدير الله جل وعلا للأشياء قبل وقوعها بعلمه بها الأزلي وكتابته لها في اللوح المحفوظ وخلقه سبحانه لكل شيء وأن لا يكون شيء إلا بمشيئته تعالى. أما القضاء فإنما مادة قضى في القرآن وفي اللغة تكون لعدة معانٍ منها أم يكون معنى القضاء الانتهاء والفراغ، فُرغ من الشيء، انتهى من الشيء يقال انتهى الشيء أو قضي الأمر يعني انتهى . كما قال سبحانه ?قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ?[يوسف:41]؛ يعني انتهى وفرغ، وكما قال?فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ?[سبأ:14] ? قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ? يعني قدرنا عليه الموت فوقع وانقضى فصار قضاء وكذلك في قوله ?فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا?[طه:72] ?فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ? يعني افعل وانفذ ما تريد انفاذه فإنما تنتج شيئا في هذه الحياة الدنيا. فإذن القدر بينه وبين القضاء فرق وهو أنّ الأمر الذي قدره الله جل وعلا، إذا وقع وانتهى صار قضاء، وفي أثناء وقوعه وقبل ذلك يسمى قدرا، لهذا كما ترى في التعريف أنّ القدر فيه علم الله جل وعلا؛ لأن الله سبحانه علمه بالأشياء أزلي أو علمه بالأشياء أوّل لا بداية له، وكذلك كتابته جل وعلا للأشياء قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة كما سيأتي، ثم الله جل جلاله لا يكون شيء ويحدث إلا بمشيئته وخلقه، فإذا وقعت هذه الأشياء وانتهت صارت قضاء. فإذن الإيمان بالقضاء والقدر معناه أن يؤمن العبد أن ما يكون من الأشياء ويقع فإنما هو بتقدير سابق من الله جل وعلا، لا يقع الأمر ولا تقع الاشياء بدون علم ولا كتابة ولا مشيئة ولا خلق من الله جل وعلا، فلا يقع إلا بإذنه تعالى وعلمه السابق وكتابته سبحانه وتعالى لكل شيء. فإذا وقع وانتهى قُضي وصار قضاء،فنؤمن بالقدر خيره وشره قبل وقوعه،فكل ما قدر الله على عبده من خير او شر نؤمن به ونسلم، وإذا قضي وصار قضاء فإنما نؤمن ونسلم، سواء أكان من الخير أم من الشر. ?وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ?[التغابن:11]،قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم. إذ تبين لك ذلك فإنّ الإيمان بقدر الله جل وعلا وواجب وركن وفرض بأن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطاك لم يكن ليصيبك، وهذا الإيمان لا يكمل بل لا يكون العبد مؤمنا بالقضاء والقدر حتى يؤمن بأربع مراتب ذكرها الله جل وعلا في القرآن وجاءت أيضا مبينة في السنة. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() أما المرتبة الأولى: فأن تؤمن بأن الله جل وعلا يعلم كل شيء، وعلمه بالأشياء سابق قديم أزلي، فيعلم ما سيكون على الفئة والصفة التي سيكون عليها؛ لأن علمه سبحانه نافذ، يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، فتؤمن بأن علم الله جل وعلا شامل وكامل وسابق، فلا يقع شيء إلا والله قد علمه قبل ذلك، فلا مجال للإستئناف ولا مجال للبُداءة والبداء ومجال لوجود اشياء لم يعلمها الله جل وعلا.
المرتبة الثانية: أن الله سبحانه وتعالى لما خلق السموات والأرض قدّر مقادير الأشياء التي ستكون في السموات والأرض قبل خلقها بخمسين ألف سنة، كما ثبت في صحيح مسلم أنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قال «قدّر الله مقادير العلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء» ومعنى قدر هنا كتب، قال سبحانه أيضا في بيان الكتابة ?وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ?[الأنبياء:105] ما الزبور؟ الزّبور اسم لكل كتاب أنزله الله جل وعلا، فكل كتاب أنزله الله مكتوب فيه ?الْأَرْض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ?، قال سبحانه ?وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ? ما الذكر هنا؟ هو الكتاب السابق الذي كتبه الله جل وعلا في اللوح المحفوظ، سماه ذكرا هنا كما سماه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرا في قوله «وكتب في الذكر كل شيء»، وأيضا قال جل وعلا. ?أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ?[الحج:70]، فما من شيء يحدث إلا وقد كُتب في اللوح المحفوظ، فتكون الأشياء على وَفق ما كَتَب الله جل وعلا، سيأتي أن هذه الكتاب ليس معناها الإجبار، هذه كتابة لأن الله يعلم ما سيكون أن كل شيء سيكون على نحو ما كتب جل جلاله. هاتان المرتبات العلم والكتابة سابقة لوقوع المقدر. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() والمرتبتان الثالثة والرابعة ومقارنة لوقوع المقدر وهي أن تؤمن إيمانا جازما بأنه لا يحذث شيء إلا والله جل وعلا خالقه ?اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ?[الزمر:62]، ومن ذلك فعل العبد من الطاعة والمعصية كما قال سبحانه ?وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ?[الصافات:96]، ?مَا? هنا:
قد تكون مصدرية فتكون والله خلقكم وعملكم يعني خلقك ذواتكم وخلق عملكم. وقد تكون ما هنا موصولة فيكون معنى الذي فيكون معنى ألاية والله خلقكم والذي تعملونه. وعلى كل فإنها دليل على أن ما يعمله العبد فإنه خلق لله جل وعلا والعبد فاعل له حقيقة. إذن لا يحدث شيء إلا والله جل وعلا هو الذي خلقه. المرتبة الأخيرة الرابعة مما يقارن وقوع المقدر أن مشيئة الله جل وعلا نافذة وأن مشيئة العبد تبع ولا يمكن للعبد أن تستقل مشيئته بإحداث ما يريد؛ بل ?وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ?[التكوير:?وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا?[الإنسان:30]،فمشيئة العبد واختيار العبد فهي خاضعة لمشيئة الله، فإذا شاء الله جل وعلا شيئا كان وإذا شاء العبد ولم يشأ الله جل وعلا لم يكن إلا ما يشاؤه الله جل وعلا «تريد يا عبدي وأريد وليس لك با عبدي إلا ما أريد». إذن فإيماننا بقدر الله جل وعلا تلحظ أنه إيمان بأمر غيبي يكون وهو علم الله وكتابته السابقة، وأنّ هذه الأشياء التي تحصل إنما هي بخلق الله جل وعلا ومشيئته سبحانه وتعالى. إذا تبين لك ذلك فالقدر وهو ما قدّره الله جل وعلا مكتوب في اللوح المحفوظ، وأيضا يكتبه الملك عليك مجملا إذا أتاك وأنت في بطن أمك جنينا بعد أربعين ليلة أو بعد مائة وعشرين ليلة، فيُكتب الأجل والرزق والشقاوة والسعادة، كما صحّ عنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ من حديث ابن مسعود ومن حديث غيره أنه قال «إن أحدكم يجمع معه خلقه في بطن أمه أربعين ليلة، فيكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك» إلى آخر الحديث فبعد تمام المائة والعشرين يأتيه الملك وهذه الرواية هي لفظ مسلم وفيها زيادة (في ذلك... مثل ذلك) والرواية الأخرى المعروفة في الصحيحة ليس فيها كلمة (في ذلك) وهذه لها فائدة ربما يأتي بيانها، «ثم بعد ذلك يأتيه الملك يؤمر بأربع كلمات يؤمر بكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد» فهذه أول الكتابة لهذا قال السلف: السعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه. لما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع صحابته في جنازة في البقيع جلس عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وأخذ ينكث الأرض بمخصرته عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وذكر أن كل إنسان سبق عليه الكتاب فأهل السعادة ييسرون لعمل أهل السعادة وأهل الشقاوة ييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ ?فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى?[الليل:5-10]، فقال رجل: له يا رسول الله أرأيت ما نعمل أشيء نعمله أم شيء سبق به الكتاب؟ قال «بل شيء سبق به الكتاب» قال: لماذا لا ندع العمل ونتكل على كتابنا السابق؟ قال «اعملوا كل ميسر لما خلق له». ولهذا من الإيمان بالقدر أن تؤمن بأن قدر الله السابق لا يكون إلا بأسباب يعملها العبد توصله إل القدر إلى القدر الذي قدره الله جل وعلا والله سبحانه قدّر المقدمات وقدر النتائج؛ قدّر الأسباب وقدر النهايات، وهذا هو االذي بينه النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في هذا الحديث مستدلا عليه بآية سورة الليل ?فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى? فالرجل أو المرأة كُتب الإنسان سعيدا؛ ولكن إيمانك بأنك كُتبت كذا أو كذا معه عملك للسبب الذي يوصلك، فإذا كنت تريد أن تكون من أهل السعادة وما كتب غائب عنك مجهول فاعمل فكل ميسّر لما خلق له. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]() فلهذا الإيمان لا يتم إلا بنظامين:
أولهما: نظام التوحيد. والثاني: نظام الشرع. أما نظام التوحيد فأن تعلم أن الأمور مفروغ منها ومكتوبة، وأن الله جل وعلا أناط الأشياء التي كتب بأسبابها. وأما نظام الشرع فهو أن تسعى للأسباب التي تجعلك من السعداء والتي تُبعدك من أن تكون من الأشقياء. فإيمان العبد بالقدر -الإيمان النافع الإيمان الذي يكون حجة له- هو أن يؤمن بهذين النظامين: * الإيمان بفعل الله وقدره. * ثم الإيمان بالشرع بأن يفعل الأسباب. خذ مثلا في غير الهداية في غير الأعمال الصالحة في غير السعادة والشقاوة أنت مؤمن أنه سيكون لك ولد إن شاء الله تعالى، أنت مؤمن بأنه ستكون طالب علم، ستحصّل ألف ريال، هل من آمن بذلك وقعد عن فعل أسباب العلم أو عن التزوج والنكاح هل إيمانه حقيقي؟ ليس كذلك؛ لأنه لم يفعل السبب الذي يوصله إلى المقصود. فإذن في قوله تعالى ?فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى? يدلّ على أن التيسير لليسرى، وعلى أن كون العبد يُكتب من أهل السعادة، أو هو مكتوب من اهل السعادة منوط على التيسير لفعله للأسباب التي توصله إلى ذلك. فإذن الكتابة لا يمكن أن تكتب إلا أن تتعلم الكتابة، لا يمكن أن تقرأ إلا أن تتعلم القراءة. فتعلمك القراءة كنتيجة مكتوب؛ ولكنه مكتوب مع السبب الذي يوصلك إليها، ولا يكتب عليك أن تكون قارئا ولا تسعى بأسباب القراءة، لا يكتب لك أن تكون غنيا ولا تسعى بأسباب الغنى، لا يكتب لك أن تكون عالما ولا تسعى في أسباب العلم، لا يكتب لك أن تكون مهتديا صالحا ولا تسعى في أسباب الصلاح. إذن فالكتاب السابق الذي كتبه الله جل وعلا والذي نؤمن بقدر الله جل وعلا السابق، هذا إيمانٌ بما قدّر الله جل وعلا وهو التوحيد، ثم إيمان بأنه لن يحدث شيء من الهداية والضلال من الطاعة أو المعصية إلا بفعل العبد، فإذا فعل الطاعة كانت عاقبته أنه من أنه السعادة وإذا فعل غير ذلك كانت عاقبته أن يكون من أهل الشقاوة والعياذ بالله. إذن فالقدر على هذا قد بسَّطت وفتحت لك التصور، القدر على هذا ليس جبرا؛ بل القدر إيمان بالغيب؛ تؤمن بالقضاء والقدر تؤمن بالغيب وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن من الإيمان بالقدر أن تسعى في الأسباب النافعة. إذا تبين لك ذلك فقدر الله جل وعلا الإيمان به له مظاهر أو له صفات يتّصف بها العبد المؤمن: الصفة الأولى أن المؤمن بقدر الله جل وعلا لا يعارض القدر بمحض أرائه وأفهامه، ولهذا ضلت فئات في الأمة كالجبرية والقدرية ضلت لأجل أنهم قالوا إن القدر يمكن أن يدرك بالعقول والأفهام، فقاسوا فعل الخالق على فعل المخلوق، فضلوا في هذا البحث. ومن الذين ضلوا القدرية ومن الذين ضلوا الجبرية، وهدى الله جل وعلا أهل السنة لاتباع ما جاء في الكتاب والسنة، فصاروا وسطا بين طوائف الضلال في ذلك. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]() أما القدرية فهم صنفان:
الصنف الأول القدرية الغلاة وهم الذين قال فيهم النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في الحديث الحسن «القدرية مجوس هذه الأمة» القدرية الغالية الذين ينفون علم الله جل وعلا، يقولون الله جل وعلا لا يعلم الأشياء قبل أن تقع تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. القسم الثاني من القدرية القدرية الذين ينفون القدر سموا قدرية؛ لأنهم ينفون لأنهم ينفون القدر، قيل لهم قدرية، القدرية نفاة القدر يقولون: إن الله لا يخلق فعل العبد إنما العبد يخلق فعل نفسه، فالعبد هو الذي يخلق الصلاة، هو الذي يخلق المعصية، هو الذي هو يخلق قراءة القرآن، هو الذي يخلق المشي إلى آخره، وهؤلاء هم أيضا قدرية، ومناقضون للنصوص وما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم. الفعل فعل الإنسان أي فِعْلٌ له .?قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا?[الشمس:9-10]، أنت تزكي نفسك وأنت تزكي نفسك من فعل المعصية وتزكي نفسك بفعل الطاعة؛ هذا الفعل الذي يكون منك هل هو خلق خلقته؟ أم هو فعل فعلته حقيقة واخترته؟ هو فعل فعلته حقيقة باختيارٍ منك؛ لكن من الذي خلقه؟ الذي خلقه هو الله جل وعلا كيف خلق الله الفعل؟ لأن العبد لا يمكن أن يفعل الفعل إلا بشيئين: الشيء الأول: أن يكون عنده قدرة محصِّلة لهذا الشيء الذي يريد أن يفعله. الشيء الثاني: أن يكون عنده إرادة جازمة بها يحصّل الشيء الذي يريد أن يتوجه إليه. فإذا اجتمعت القدرة التامة والإرادة الجازمة غير المتردّدة حصل للعبد أن يفعل الشيء إذا شاء الله جل وعلا؛ يعني أن الفعل الذي تفعله رفع الكأس الذي معي أنا قادر أن أرفعه لكن لو ما أردت أن أرفع لا تنفع القدرة يحدث الفعل؟ لا يحدث. لو كان عندي إرادة ويدي لا تستطيع الرفع هل يحدث الرفع؟ لا. فإذن يحدث الرفع بقدرة لي على الرفع مع إرادة جازمة أن أرفع إذا كانت إرادة مترددة واحد يروح المسجد أو ما يروح ما يحصل، واحد يقرأ القرآن أو ما يقرأ، ما يحصل، فإذن عندك قدرة على الذهاب وعندك إرادة حصّل الفعل. القدرة التي في الإنسان من الذي خلقها؟ خلقها الله جل وعلا، الإرادة التي في الإنسان من الذي خلقها؟ خلقها الله جل وعلا. إذن النتيجة التي تكون من شيئين خلقهما الله جل وعلا، من الذي خلق النتيجة ؟ هو الذي خلق ما به حصلت النتيجة. فإذن خلق الله جل وعلا لفعل الإنسان؛ لأن الإنسان لا يفعل الشيء إلا بما خلق الله جل وعلا، فالمحصلة أنها خلق لله سبحانه كما قال ?وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ?[الصافات:96]، جعل عمل الإنسان عملا له وخلقا لله سبحانه، فالانسان يعمل لكن لا يخلق، فلهذا صار التوحيد في الإيمان بالقضاء والقدر أنّ فعلك أيها العبد هو فعل لك لست مجبورا عليه، أنت الذي تختار الطاعة وأنت الذي تختار المعصية، وإذا اخترت ستختار بقدرتك وإرادتك، فالله جل وعلا خالق القدرة وخالق الإرادة، وما نتج عنهما فهو خلق الله جل وعلا. ولهذا ضلت القدرية النفاة والمعتزلة ومن شابههم في هذا الباب؛ لأنهم جعلوا العبد يخلق الأفعال، والله جل وعلا هو الذي يخلق الأفعال سبحانه وتعالى. أما الفئة الثانية يقال لهم الجبرية، الجبرية هم الذين يقولون الإنسان مجبور على كل شيء كيف تفعل الصلاة، إما مجبور على الصلاة، أوالمعصية مجبور على المعصية، ولذلك قيل لهم جبرية، يقولون الإنسان كالريشة في مهب الهواء يحركها الهوى كيف يشاء، فحركات الإنسان طاعة أو معصية وأفعاله كلها من إجبار الله جل وعلا له. هؤلاء الجبرية قسمان: جبرية في الظاهر والباطن وهم الجهمية وغلاة الصوفية ومن شابههم الذين يقولون الإنسان ليس له اختيار أصلا، وإنما يفعل به كالريشة في مهب الهواء. والقسم الثاني الجبرية المتوسطة أو الجبرية في الباطن دون الظاهر يقولون في الظاهر هو مختار؛ لكن في الباطن في الحقيقة وهو قول الأشاعرة والماتريدية. وهؤلاء وهؤلاء يقولون الإنسان مجبور وليس بمختار، وهذا خلاف النصوص التي فيها اختيار الإنسان ?وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ?[البلد:10-13]، الإنسان هو الذي يختار، ?قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا?[الشمس:9-10]، ?اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا?[الإسراء:14]؛ لأنك أنت الذي اخترت، وهكذا، ?فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ?[الزلزلة:7-8]، ?وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ?[الأنبياء:48]. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 7 | |||
|
![]() إذن الإنسان يختار فيفعل وهو محاسب على ما فعل.
أما هؤلاء فيقولون الإنسان لا يفعل، لا يخلق فعل نفسه، وأيضا لا يفعل لأن الفاعل في الحقيقة هو الله جل وعلا، الجهمية وغلاة الصوفية يقولون الفاعل ظاهرا وباطنا هو الله جل وعلا. تعالى الله عن قولهم. الإنسان لما يشرب الخمر من الذي يشرب يقال الله يشرب الخمر أعوذ بالله، الإنسان إذا فعل معصية يقال الإنسان هو الذي فعلل. ولذلك جاء الأشاعرة وهم الجبرية المتوسطة قالوا الإنسان جبور لكنه مجبور في الباطن أما الظاهر فليس بمجبور هو مختار في الظاهر؛ لكن في الداخل الله يجبره، وأتوا لذلك بلفظ جديد قالوا: الأفعال هل يفعلها الإنسان حقيقة أم لا يفعلها؟ قالوا: لا، أفعال الإنسان خلق الله وإجباره؛ لكنها كسب الإنسان، الإنسان يكسبها، كيف يكسبها؟ قالوا: تضاف إليه، إضافة عند التصاق كذا بكذا حصل كذا، طيب هؤلاء يقال لهم أيضا نفاة الأسباب الذين يقولون لا يوجد شيء سبب بمؤثر. طيب حينما أشرب الماء هذا ويحصل لي الارتواء، هل الارتواء بالماء؟ نزل المطر فنبت الزرع، هل النبات بالماء؟ يقولون: الانبات؛ الذي أنبت هو الله، وأنبت عند التقاء الماء بالتراب. الذي أروى هو الله، وحصل الرِّيّ حين لامس الماء اللسان ودخل في جوف البدن. واحد تزوج وجامع أهله وولدت كيف حملت؟ قالوا: الله هو الذي أحملها عند التقاء الذكر بالأنثى. وهذا كما ترى نقض في العقل، تنفي أن يكون الشيء سببا، هذا ما يصدقه واحد. ولهذا أتوا بلفظ جديد وهو لفظ الكسب، الكسب هذا أحدثه ألأشعري وهو موجود في القرآن والسنة بمعنى العمل وهو الذي يقول به أهل السنة وأحدثوا لفظ الكسب وهو أن العمل يضاف إلى العبد إضافة مقارنة وليس إضافة فعل وعمل حقيقة، لهذا قال بعض العلماء: مِمّا يُقال ولاَ حقيقـةَ تَحْـتَهُ(1) مَعْقُولَـةٌ تَدْنُو لِذِي الأَفْهَامِ الكَسْبُ عِنْدَ الأَشْعَرِي وَالحَالُ عنْدَ البَهْشَمِي وَطَفْرَةُ النَّظَّامِ يعني ما يعقل، لما كان لا بعقل أصحاب الأشعري الأشاعرة الذين كثير منهم فسروا القرآن، مما لا يعقل هنا أتوا إلى تفسير الكسب فاختلفوا فيه إلى أكثر من عشرة أقوال، كل واحد عنده تفسير للكسب والكسب في القرآن قال جل وعلا .?لَهَا مَا كَسَبَتْ?[البقرة:134،141،286]؛ يعني لها ما عملت .?ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ?[البقرة:281]، وفي الآية الأخرى. ?ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ?[النحل:111]، فالكسب في القرآن والسنة هو العمل. لماذا سُمّي كسبا؟ لأن العبد يحصله بنوع مشقة ففيه اكتساب، ولهذا قال جل وعلا. ?لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ?[البقرة:286]، فرّق الله جل وعلا بين الطاعة والمعصية، فقال في الطاعة ?كَسَبَتْ? وقال في المعصية ?اكْتَسَبَتْ?، لماذا؟ لأن الطاعة ميسّرة قال ?لَهَا مَا كَسَبَتْ? يعني الطاعة ميسرة يمكن أن تحصّلها باشياء ميسورة أما المعصية يحتاج منك إلى مخالفة للفطرة والإيمان الذي في قلبك حتى تفعل لهذا جاء المبنى ليدل على زيادة المعنى فقال. ?لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ?[البقرة:286]، يعني ما يمكن تكسب المعصية بسهولة أيضا فيها مشقة على النفس؛ يعني من جهة تحصيلها ومخالفة للإيمان مقتضى طاعة الله جل وعلا. اهل السنة وسط في ذلك بين هاتين الفرقتين، ما بين الجبرية وما بين القدرية، فيقولون إن الله جل وعلا قدّر الأشياء وكتبها سبحانه وتعالى، وأن هذه الكتابة لا تعني الجبر، ولا تعني أنه جل وعلا لا يخلق الأفعال؛ بل هو سبحانه قدر وكتب وتحصل الأشياء. إذا كان كذلك فهل الإنسان يفعل الأشياء بمحض إرادته وتحصل؟ الجواب: لا، ولهذا يدخل في صميم مبحث القضاء والقدر التوفيق والخذلان: فما من عبد يحدث شيء من الخير إلا وهو توفيق من الله جل وعلا. وما من عبد يفعل من معصية الله جل وعلا إلا والله جل وعلا قد خذله. ولهذا قد قال النبي الصالح عليه السلام. ?وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ?[هود:88]. نسأل الله التوفيق ونعوذ به من الخذلان، فما معنى التوفيق وما معنى الخذلان؟ تؤمن بالتوفيق وبالخذلان هذا من الإيمان بالقضاء والقدر. الإيمان بالتوفيق أن تعلم أنه لا يمكن لك أن تفعل شيئا من الطاعة من الخير مما فيه مصلحتك في الدنيا والآخرة إلا والله جل وعلا يعينك عليه، وإلا لو وكلك إلى نفسك لكان الشيطان والمضادات تمنع من تمام العمل، لهذا المؤمن يرى أنّ لله جل وعلا عليه منّة في كل فعل يفعله؛ لأنه هو يريد أن يتوجه إلى الطاعة، يريد أن يتوجه إلى المسجد، يريد أن يكون من الصالحين، فلو لم يعن من الله جل وعلا وكل إلى النفس وجاءت الشياطين والفتن وجاءه أصحاب السوء وأتاه وأتاه بما يصده عن الحق، بهذا قال جل وعلا. ?بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ?[الحجرات:17] فالله المنة بتوفيقه. فما معنى التوفيق؟ لفظ التوفيق والخذلان مما اختلف فيه الذين تكلموا في القدر. فهناك تعريف للتوفيق والخذلان عند أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح، وهناك تعريف له عند الأشاعرة والماتريدية ومن نحا نحوهم من الجبرية المتوسطة، وهناك تعريف له عند القدرية. الذي يهمنا من هذه لقصر الوقت تعريفه عند أهل السنة أن: التوفيق هو إعانة خاصة من الله جل وعلا لعبده في تحصيل ما يرضيه. والخذلان هو ترك العبد لنفسه فيما يعمل من الأعمال. والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو أعلم الخلق بربه يقول .«ربي لا تكلني لنفسي طرفة عين ولا أدنى من ذلك» ربي لا تكلني لنفسي طرفة عين؛ لأن العبد لو وُكل إلى نفسه في طرفة العين هذه ما حدثت. إذن لابد من إعانة من الله جل وعلا، لهذا العبد الصالح المؤمن إذا حصّل رزقا يعلم أن الله هو الذي يسره، إذا فعل طاعة يحمد الله جل وعلا عليها، والله هو الذي يعين والله هو الذي ييسر والله هو الذي يهدي العباد. نرجع إلى الكلام الأول وهو أن الإيمان بالقضاء والقدر لا يكون إلا بأسباب و مظاهر تكون فيه: الأول: أن يعلم أنه مختار وأن لا يلقي باللائمة على غيره. الثاني: أن لا يخوض في ما قدر الله جل وعلا بعقله وفهمه؛ لأن القدر كما قال ابن عباس: القدر سر الله فلا تكشفه. وخرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة على صحابته وهم يتنازعون في القدر فكأنما فقئ في وجهه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ حبّ الرمان؛ يعني احمر لأنهم يتنازعون في القدر. فإذن لا تخوض في الأفعال، وليش هذا غني وليش هذا فقير، ليش أنا مريض ومشلول وابني يبتلى من أول يوم يولد، والآخر يكون صحيح معافى ولا يبتلى، إذا خضت في لم قضَ الله علي كذا ولم قدر الله لي كذا، فيخشى أن يأتيك الشيطان حتى تضل في هذا الباب. لهذا الواجب في القضاء والقدر التسليم لله جل وعلا، «وأن تعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وأن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف» كما جاء في الحديث الصحيح عن المبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ. ربنا جل وعلا جعل الاختلاف بين الناس فتنة، وهذا ابتلاء وامتحان، فقال ?وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا?[الفرقان:20]، قال المفسرون عند هذه الآية جعل الله جل وعلا اختلاف الناس فتنة لبعضهم، فالفقير يفتن بالغني، ينظر إلى الغني وغناه وما هو في نعيم هو يريد أن يتوسع في الحياة ولا يجد، جعل الله جل وعلا الغني فتنة للفقير، وأيضا بالعكس جعل الله جل وعلا الفقير فتنة للغني، هل الغني يشكر ويعلم أن هذا من عند الله، ويستعلم المال فيما يحب الله جل وعلا ويرضى ويشكر إلى آخره، ويعطف على الفقراء ويحب المساكين، أم ليس كذلك. كذلك المرء الذي خلقه حسن أو المرأة التي خلقها حسن جعلها الله جل وعلا فتنة لمن ليس كذلك. ينظر جعل الله هذا فتنة في هذا. جعل الصحيح فتنة للمريض المريض فتنة للصحيح واحد ينظر إلى أن جاءته مصيبة فأصيب في رجليه أصيب في سمعه أصيب في بصره والناس يتمتعون بحواسهم. هنا يظهر الإيمان بالقضاء والقدر. من علم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأنه يرضى بما قضى الله جل وعلا هذا هو المؤمن. أنظر في القرآن كثيرا ما يذكر الله جل وعلا في وصف أهل الجنة رضي الله عنهم ورضوا عنه فرضى العبد عن ربه يكون في الدنيا، قال العلماء: الرضى مقام الأولياء والكاملين، وميزانه أنه لا يختار خلاف ما قدّر الله جل وعلا له. لا يختار خلاف ما قدر الله له؛ يعني مما يحدث في هذه الدنيا، أما في الطاعات والبعد عن المعاصي فيجتهد في رضى الله جل وعلا ويبتعد عن المعاصي، فرضى الرب جل وعلا عن العبد منوط برضى العبد عن الله جل وعلا، ولهذا قال سبحانه ?وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ?[التغابن:11] قال علقمة من التابعين هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم. هنا يرضى يكون ليس في صدره حرج مما قضى الله جل وعلا. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 8 | |||
|
![]() جزاك الله خيرا |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 9 | |||
|
![]()
|
|||
![]() |
رقم المشاركة : 10 | |||
|
![]() وفي الختام تنبيهات مهمة في هذا الباب -الإيمان بالقضاء والقدر-.
كتاب الله جل وعلا السابق وهو ما كتبه في اللوح المحفوظ هذا يسمى أم الكتاب، وهو لا يتعرض لتغيير ولا تبديل، وهناك قدر وتقدير مكتوب في صحف الملائكة، وهو الذي يكتب كل سنة ليلة القدْر، القدْر هنا بمعنى القدَر ليلة القدَر أو ليلة القدْر؛ لأنه في ليلة القدر من كل سنة بقدر الله جل وعلا فيكتب في الصحف التي في أيدي الملائكة الموكلة بأحوال الناس ما سيقع في السنة المقبلة، ولهذا قال جل وعلا ?يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ?[الرعد:39]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أما ما في أم الكتاب فلا يتعرّض لتغيير ولا تبديل، وأما ما في صحف الملائكة فيمحو الله ما يشاء ويثبت. وهذا معنى قول عمر وقول غيره من الصحابة والسلف اللهم إن كنت قد كتبتني شقيا فاكتبني سعيدا. وهذا يتغيّر، فالله جل وعلا يجعل الأمور منوطة بسبابها فإذن كما في قوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «من سره أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في عمره أو أثره فليصل رحمه» العمر أليس الأجل منتهي؟ العمر غير الأجل ?وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ?[فاطر:11]، العمر غير الأجل، الأجل منقضي ?فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ?[الأعراف:34]، أما العمر والأثر فيقبل التغيير لأنه هو الذي في صحف الملائكة، فينيط الله جل وعلا هذا العمر ينيطه بفعل العبد وهو يعلم ما سيفعل العبد، وهذا لاظهار فضل الله جل وعلا ولاظهار أنه ينبغي على العبد على الأسباب التي تجعله ينسأ له في أثره ويرزق ويكثر ماله إلى آخره. تغيير القدر أو تغيير ما كتب في صحف الملائكة منوط بأسباب «من سرّه أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه» فلهذا قد زيد العمر بالبر كما قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «فإن البر ليزيد في العمر». هذا التنبيه الأول. التنبيه الثاني أن الله جل وعلا حجب حكمته عن الناس ولو أطلع الناس على حكمته في الأشياء لهلكوا وحاروا؛ لأن الحكمة منوطة بالعلم، وعلم الإنسان قاصر، ولو للإنسان أنه يعترض على الشيء الذي لا يعلمه لأجل أنه لا يعلم الحكمة فإنه سيضل؛ بل سيحرم العلم والهدى. وخُذ مثلا في حرمان بعض العلم بسبب الاعتراض، ما جاء في سورة الكهف من قصة موسى عليه السلام مع الخضر، سورة نقرأها كل جمعة وفيها من العبر وفيها من الفوائد ما يحيي الإيمان في النفوس جميع احوال الإنسان وأحوال المسلم. هذا الخضر مع موسى، الخضر عنده علم من علم الله ?وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا?[الكهف:65]، وموسى علمه قاصر عن علم الخضر. ?رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا? الخضر، ?قَالَ أَخَرَقْتَهَا? موسى اعترض؛ لأنه ما يعلم ما الحكمة من الخرق؟ هل فيه مصلة أو ليس فيه مصلحة، لكن ظاهره مساكين ما عندهم شيء وتخرق سفينتهم تتلف عليهم، ظاهره ظلم أليس كذلك؟ موسى عليه السلام لظاهر العلم الذي عنده ?قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا?[الكهف:71-73]؛ لأنه ما علم موسى ما الحكمة، والحكمة مرتبطة بإيش؟ بالعلم. بعد ذلك قتل الغلام ?قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا?[الكهف:74]، شيء منكر عظيم، في الآية الثانية ماذا قال الله جل وعلا مخبرا عن قول الخضر؟ قال ?قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا?[الكهف:75]، في الموضع الأول قال ?أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ?[الكهف:72]؛ لأنها أول مرة، الثانية قال ?قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا (75) قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا?[الكهف:75-76] إلى آخر الآيات. إذن موسى عليه السلام اعترض على علم الخضر الذي علّمه الله جل وعلا وهو كما جاء في الحديث كما قال الخضر «ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما يأخذ هذا العصفور بمنقاره من البحر» يعني أنه لا شيء فاعترض موسى عليه السلام، وهذه القصة ليبين لنا الله جل وعلا وليبين للعباد أن عدم العلم مدعاة لعدم الاعتراض، إذا لم تعلم فاسكت، واحد يجي يستفتي عالم فيجيبه له حق يعترض وهو لايعلم ما له حق لأنه ما يعلم فأفعال الله جل وعلا في ملكوته لا تعلم أنت الغايات من ورائها، فلذلك وجب عليك التسليم، فإذا اعترضت على علم الله وأنت لا تعلم حقيقة الحكمة، فإنه سبب لزيغ القلب وسبب للبعد. ولقد أحسن أحد العلماء إذ يقول في ذلك لما ذكر قصة موسى والخضر وذكر الحكمة وما يتعلق بها أحسن إذ قال: تسـلّ عن الـوفاق فـربنـا قد حـكى بين الملائكـة الخصامـا كذا الخضِر المكرّم والوجـيه الـ ــمكلّم إذ ألم به لمامــــا الوجيه المكلم من؟ موسى عليه السلام. تكدر صـفو جمعهــما مـرارا وعجل صاحـب السرّ الصرامـا [ففـارقه الكليـم كليـم قلـب وقـد ثنّى على الخضـر الملامـا] وماسبب الخلاف سوىاختلاف الـ ــعلوم هناك بعضـا أو تمامـا فكان من اللوازم أن يكون الإلـه مـخـالفـا فـيها الأنامـــا فـلا تجهـل لها قـدْرا وخـذها شـكورًا للـذي يحـيى الأناما(2) اللهم اجعلنا ممن يؤمن بقضائك وقدرك، اللهم يسر لنا الخير حيث كنا، وجنبنا الشر حيث كنا، واجعلنا ممن رضيت قوله وعمله، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا وأصلحنا وأصلح بنا ووفق ولاة أمورنا بما تحب وترضى واغفر لنا ولوالدينا ولمن له حق علينا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. |
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
الله., القدر |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc