... تبا لهذه الحياة التي أجد فيها نفسي وبعد حينا من الدهر في طلب العلم قد تخرجت الى الفراغ , والطبيعة والناس والعمر والعصر وكل شي يخشى الفراغ .. والجميع ينظر الي ولسان حالهم يقول : مسكين هذا الفتى كان يظن أنه يطلب السعادة بعلمه فوجد نفسه يتبع سرابا بحلمه ونسي أنه " اللي يقرا قرا بكري " .. تبا لهذا الحظ الذي أسعدني أمس بالديبلوم وخانني اليوم , كيف لا وأنا الذي كانت الدار تحيى لأجلي وتدللني لما آخذ عطلتي الدراسية وكلهم يرونني في المستقبل القريب اطارهم المبجل وكانا والديا يتزاحمان على اطعامي كل ما لذ وطاب , كيف لا وأنا الذي كان المجتمع :
بــــــــــــرجاله يجتمعون حولي لاستمالتي حتى يقال أن عندهم " معريفة " عن قريب .
بــــــــــــنسائه يتحدثن عني بافتخار حتى يقال أن عندهن " عريس " عن قريب .
بـــــــــــأطفاله يخجلون مني وبكل طاعة حتى يقال أن عندهم " أستاذ " عن قريب .
بـــــــــــمرضاه يسألون عني وبتفاؤل حتى يقال أن عندهم " طبيب " عن قريب .
والكل كان ينتظروني كاطارهم المبجل الذي سيكون له شأن عظيم درس في الجامعات وتعلم من الحياة ...
... واليوم وما أدراك ماليوم أصبحت أرى الناس ونظرات الشفقة تصوب نحوي وابتعدوا عني حتى لا يحرجوني , أصبحت أرى شماتة الأعداء ومسرة الحساد وسخرية الكسالى و " الجايحين " الذين راهنوا على كل شيء الا العلم وهم الآن يتمتعون بسياراتهم وذرياتهم , وفوق كل هذا أصبحت أتحسس همسات والديا وقلقهم علي ومني , حتى ثقلت علي الملعقة عند الأكل أو قل حتى ان أخذت اللقمة شعرت وكأنها لكمة تكاد تقول لي " لا خير في قوم يأكلون مما لا ينتجون " .
يــــــــــــــــاااااااه , اين أنا من الدار ووالديا والمجتمع ورجاله ونسائه وأطفاله ومرضاه ....؟؟؟
-- أصبحت مرفوضا لدى الشركات والادارات ولا أحد يكترث لديبلومي ..
-- أصبحت مرفوضا في سوق العمل ولا أنا أتقن البناء أو الفلاحة أو التجارة ...
-- أصبحت مرفوضا أيضا في الشارع ففي هذا العصر الانسان ابن بيئته ..
في الأخير لم يبقى لي الا أن علقت شهاداتي المبجلة بالغرفة , ورتبت دفاتري وكتبي ووثائقي المبجلة بالأرشيف , ولملمت أغراضي ومتاعي على كتفي واتجهت نحو أول سيارة في طريقي ولم يبق من ورائي الا مقولة ( من هنا مر اطار ولكنه طار ) ولما امتطيت السيارة ونظرت الى : الدار ووالديا والمجتمع ورجاله ونسائه وأطفاله و" جياحه " قيل لي : ... وعليك السلام .