هل من مصلحة إسرائيل إسقاط النظام السوري؟ أصبحت موضة هذه الأيام المزايدة على سوريا وخصوصا في موضوع إسرائيل والجولان وليس فقط المزايدة على سوريا بل التركيز عليها وترك ماسواها من بلاد بطريقة إنتقائية عجيبة تجعلني أطرح سؤالا لا أجد له جوابا وهو لماذا؟ فإذا حاربت سوريا إسرائيل سوف يقولون أن الحكومة تحاول التغطية على الثورة في الداخل وهي ليس ثورة بل فوضى وتخريب, وإذا لم تحارب إسرائيل فسوف يقولون أن الجيش جبان وأن الرئيس السوري باع الجولان الى آخر هذا الكلام الفارغ.
يعني ينطبق على هؤلاء المزايدين المثل القائل: إحترنا يا قرعة من وين بدنا نبوسك. ويتجاهل الكثير الذين يكتبون في الشأن السوري تجاهلا متعمدا وجود حقائق ثابتة على الأرض منها تدفق أموال وأسلحة وهواتف ثريا ووجود تورط أجنبي وذالك بإعترافات هيثم مناع وغير على قناة الجزيرة وفي مقابلات موثقة, وهذا يجعلني أطرح نفس السؤال وهو لماذا؟ يحاولون تصوير تظاهرات المعارضة بأنها بريئة وسلمية خالية حتى من شخص يحمل شفرة حلاقة وهذا ما نفته العشرات من الفيديوهات والصور وحتى بيان مجلس الأمن الذي صدر بعد فترة من بدء الربيع الفيسبوكي في سوريا يدعو الحكومة والمعارضة الى وقف العنف المتبادل بينهما, يعني المعارضة تستخدم العنف وبإعتراف مجلس الأمن الدولي وهذا ينفي عنها صفة السلمية. يتجاهل الكثير من الذين يكتبون في الشأن السوري وجود مخطط إسرائيلي – ديني – توراتي ملخصه( أرضك يا إسرائيل من الفرات الى النيل) وأن إسرائيل تعمل على تنفيذه خطوة بخطوة بصبر شديد ويبغبغون(يكررون كالببغاوات) فكرة سخيفة ملخصها أن إسرائيل ليس من مصلحتها أن يسقط النظام السوري أو المصري أو غير ذالك من الأنظمة التي يصفونها بالعميلة.
أنا هنا لست لأدافع عن أنظمة أو روؤساء فهم فانون والوطن هو الباقي ومن يريد تدمير الوطن من أجل شخص جلس على كرسي أو تركه فهم الخائنون والعملاء وليس كل من دافع عن الوطن فتم إتهامه بأنه مخابرات وشبيح وعميل وغير ذالك من الألفاظ المراحيضية الغبية. يقول البعض ويتسائلون عن سبب توقف قطار الثورات العربية في سوريا؟ لماذا لا يستمر قطار الربيع العربي بنفس الوتيرة في باقي البلدان العربية ليسقط باقي الأنظمة الديكتاتورية؟ وأنا أقول لهم وأجيب بأن قطار الربيع العربي قد توقف في محطته الأخيرة وهي سوريا ولكن المشكلة أن أبواب القطار لم تفتح لمسافريه لأنه توقف ولم يجد محطته في سوريا بعد فالحرب سجال ومن يظن أن سوريا إنتهت أو أن نظامها إنتهى فهو مخطئ وعلى من ركبوا قطار الربيع العربي أن يعودوا من حيثو قدموا من قطر والسعودية وأمريكا وإسرائيل حيث توقف قطار الربيع العربي ليصعد راكبيه بائعي الأوطان ويرمي بهم في محطات الفوضى وتخريب الأوطان. حاولوا أن يجعلوا تلك المحطة في درعا ففشلوا ثم حاولوا أن يجعلوها في حمص ففشلوا ثم حاولوا أن يجعلوها في دير الزور ففشلوا وهلم جرا ففي كل مدينة يصلها قطار الربيع السوري ويحاول أن يفتح أبوابه لينزل ركابه فيفشل فلا أحد في إنتظارهم.
لكي نفهم المقصود من الإجابة على السؤال محور الموضوع يجب علينا أن نذكر البلدان التالية سريعا وهي جزء أساسي من خطة إسرائيل لتحقيق أسطورتها الدينية المزعومة:
* العراق: موقع إستراتيجي, موارد إقتصادية وبترولية, جيش وطني وصناعة حربية متقدمة, خصم مساند لبلدان أخرى في حالة صراعها مع إسرائيل.
* ليبيا: موارد مالية وبترولية هائلة, مساحة شاسعة, رئيس متقلب المزاج لا يمكن التنبئ بتصرفاته ويمكن أن يساند ماليا جهود حربية ضد إسرائيل * الأردن: موقع إستراتيجي حدودي مع فلسطين المحتلة وخصوصا رصد غارات الطيران الإسرائيلي من جهة جبال عجلون, شعب قومي واعي لديه شعور وطني معادي لإسرائيل, نسبة كبيرة من سكانه من أصل فلسطيني وهناك عدد من مخيمات اللاجئين لم تمحى منها ذكريات التشرد وهي متعطشة للإنتقام, جيش مدرب تدريب عالي ومسلح تسليح جيد ولديه قدرات قتالية مرتفعة وروحه المعنوية عالية وقادر على إلحاق الأذى بإسرائيل إذا توفرت لديه قيادة وطنية وتوجيه سياسي سليم.
* مصر: جيش هائل العدد متقدم التسليح ويحوز مهارات قتالية لافتة للنظر وشعور وطني معادي لإسرائيل وبشدة, صناعة حربية متقدمة بعض الشيئ, مساحة أرض هائلة يصعب السيطرة عليها بقدرات إسرائيل البشرية المحدودة, تعداد سكاني يمكنه من تجنيد عدد هائل من الإحتياط والمتطوعين في حالة الحرب مع إسرائيل, المدن الإسرائيلية في مدى صواريخ وطائرات الجيش المصري, شعور وطني عام معادي بشدة لإسرائيل, محاولة سابقة لتحرير أراضي محتلة قد نجحت نتيجة مفاوضات أعقبت حربا محدودة وإن كانت مصر لا تزال مقيدة بإتفاقية كامب ديفيد بخصوص التواجد العسكري في سيناء. * السودان: قدرات زراعية هائلة, عمق إستراتيجي لمصر, قدرات بشرية كبيرة, خطاب ديني معادي لإسرائيل. * اليمن: سيطرة على مضيق باب المندب وبالتالي الدخول والخروج من وإلى البحر الأحمر, تجربة وحدوية عربية ناجحة الى درجة ما, قدرات بشرية, خطاب ديني معادي لإسرائيل.
* تونس: كان لها دور وطني وقومي في مرحلة من المراحل وإحتضنت قيادات المقاومة الفلسطينية ثم بدأت بتصفيتهم أو المساعدة في ذالك بعد إستلام زين الهاربين الحكم في تونس بإنقلاب عسكري.
* سوريا: جيش وطني, قدرات بشرية يمكنها تجنيد عدد كبير من جنود الإحتياط والمتطوعين في حالة الحرب مع إسرائيل, قدرات تسليحية لا بأس بها, أراضي محتلة من قبل إسرائيل وهناك محاولة سابقة لتحريرها, قدرات صناعية وزراعية حققت الإكتفاء الذاتي في كثير من المجالات, شعور وطني(لا ديني ) معادي بشدة لإسرائيل, قرار سيادي مستقر نتيجة عدم وجود دين خارجي يؤثر على سياسة صنع القرار. إسرائيل دولة تعيش على الفوضى وتقتات من الخلافات العربية, فهي وإن لم يكن لها أعداء فسوف تجدهم كأمريكا تماما التي أوجدت القاعدة ودعمت زعيمها أسامة بن لادن وعندما زعمت أنها قتلته قالت أن القاعدة لها زعيم جديد ولن نرتاح حتى نقتله وهلم جرا من متوالية هندسية لا نهاية لها من تدمير بلدان معينة وتأديبها بعصا القاعدة الأمريكية.
سوف يسأل سائل وإن سأل مثل هذا السؤال فهو جاهل وسوف يسأل ماذا تجني إسرائيل وأمريكا من ذالك؟ إسرائيل سوف تجني إستمرار المساعدات الأمريكية المالية والعسكرية وأمريكا سوف تبرر إستمرار إرتفاع إنفاقها العسكري ومساعداتها لإسرائيل وتدخلها في شؤون العالم تحت مسمى مكافحة الإرهاب وسوف تجني أيضا فائدة لا يلاحظها الكثيرون ألا وهي تخفيض نسبة البطالة عن طريق تجنيد الشباب الأمريكي الفقير وإلقائه في ساحات الموت في أفعانستان والعراق وهاييتي وغيرها من الأماكن التي يمارس فيها الجيش الأمريكي التشبيح والبلطجة المسلحة بإسم الحرية والإنسانية. وحتى تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها المزعومة من الفرات الى النيل بمساعدة أمريكا فكان لا بد من إضعاف تلك البلدان وإصابتها بالشلل الكامل وتدميرها داخليا من دون غزو عسكري مباشر مكلف ماديا وبشريا وهو مستحيل لكل تلك الرقعة الجغرافية الكبيرة فكانت نظرية الفوضى الخلاقة.
فما هو تعريف نظرية الفوضى الخلاقة؟ هو مصطلح سياسي / عقدي يقصد به تكوين حالة سياسية أو إنسانية مريحة بعد مرحلة فوضى متعمدة الإحداث. كانت المرحلة الأول في تونس حيث كانت تجربة نظرية الفوضى الخلاقة وقد كان النجاح مذهلا فإنتقلت الى مصر ثم الى ليبيا ثم اليمن وهلم جرا حتى وصلت الى مرحلتها الأخيرة في سوريا, وللأمانة يقال أن السودان ظهرت فيه بوادر ربيع سوداني ولكن السودان فقد أهميته في المعادلة وأصبح وضعه تخصيل حاصل. لنستعرض الآن حالة البلدان التي ذكرت حتى نصل لإستنتاج النقطة الأهم في الموضوع والمتعلقة بمصلحة إسرائيل من إسقاط النظام أم عدمه: * العراق: محتل من قبل الأمريكان, حرب أهلية بالوكالة بين السعودية وإيران أدواتها القاعدة وميليشيات جيش المهدي وفيلق بدر وضحاياها الشعب العراقي, الجيش العراقي الذي نعرف أصبح في خبر كان, إقتصاد مدمر, بنية زراعية وصناعة مدمرة, صناعات عسكرية باي باي, بنية أساسية معدومة, حكومة يعني حدث ولا حرج. * ليبيا: أصبحت خارج المعادلة, النفط الليبي مرهون لفرنسا وأمريكا لمئات السنين القادمة, قيادة سياسية موالية للسياسيات الغربية بنسبة 200%, بنية أساسية تم تحطيم ما تبقى منها, مدن مدمرة محطمة وبنية إقتصادية وزراعية وصناعية تم تدمير ما كان قائما أصلا.
* الأردن: فقر, بطالة, فوضى سياسية, سياسات إقتصادية متخبطة, نسبة دين خارجي مرتفعة وقرار سياسي مرتبط بدول أخرى بنسبة 100%. * مصر: إنهيار إقتصادي وإجتماعي وسياسي, إنعدام الدخل من السياحة, إنعدام الأمن وغياب المظاهر الأمنية وإنتشار السرقات والبلطجة, شلل شبه كامل في مختلف نواحي الحياة اليومية, مظاهرات وإضرابات عطلت مصالح البلاد والعباد, إنتشار لافت للتيار السلفي والإخونجي الممول سعوديا, مشاكل طائفية إسلامية – قبطية, تصاعد اللهجة العدائية ضد أقباط مصر, جهات قبطية تطلب التدخل الخارجي وتهدد بإعلان دولة قبطية مستقلة في مصر. * السودان: إنفصال الجنوب, حرب أهلية في دارفور وكردفان, مشاكل إقتصادية وسياسية وإجتماعية, بوادر ربيع سوداني ولو أنه تحصيل حاصل يقوده أنصار حسن الترابي على الأخص. * اليمن: بوادر حرب أهلية, إضرابات وإعتصامات, شلل إقتصادي وصناعي وتجاري, إنتشار لافت لجماعات القاعدة المسلحة وسيطرتها على عدة مدن وطرد القوات الحكومية منها, حرب أهلية متجددة لم تنتهي مع الحوثيين, محاولة إغتيال الرئيس اليمني نجا منها بإعجوبة, إنتشار الجهل والفقر وسيطرة القانون القبلي وإنعدام سلطة الدولة ومظاهر الأمن في الكثير من الناطق. * تونس: شلل إقتصادي وصناعي, خسارة الدخل من السياحة, مشاكل وإضطرابات وإعتصامات, فقدان الأمن في الكثير من المناطق, تأثير المشاكل في الجارة ليبيا على مجريات الأمور في تونس.
* سوريا: توقف عجلة السياحة بشكل شبه كامل, تباطئ الإقتصاد, تدفق أموال وأسلحة من دول مجاورة وغير مجاورة لإحداث الفوضى والتخريب, إنتشار لافت للخطاب السلفي التكفيري يقوده عدنان العرعور وعبد الملك الزغبي ويوسف الأحمد, صحف ومحطات إذاعة وتلفاز تركز على الشأن السوري فقط, خطاب تحريضي طائفي خطير, مذابح على الهوية ضد جنود الجيش السوري والأجهزة الأمنية في جسر الشغور وحماة. هل إستمرار هذا الوضع في البلدان التي ذكرت يصب في مصلحة إسرائيل أم لا؟ هل من مصلحة إسرائيل سوريا قوية معافاة ومصر قوية معافاة وحزب الله في الجنوب اللبناني هذا غير حركات المقاومة الفلسطينية؟ هل من مصلحة إسرائيل وإستمرار وجودها أن تكون موجودة في محيط عربي قوي وخطاب ديني معادي لها وجيوش عربية وطنية قومية تتطلع لإزالتها من الوجود؟ في مصر وحدها قوات عاملة 450 ألف جندي و302 ألف تقريبا يبلغون سن الخدمة سنويا وهذا طبعا من عدا قوات الإحتياط والتي قد تبلغ 450 الف مقاتل. في سوريا وحدها قوات عاملة 320 ألف جندي وهناك 220 ألف تقريبا يبلغون سن الخدمة العسكرية هذا من عدا قوات الإحتياط التي قد تبلغ في سوريا ضعفي عدد الجيش العامل ولا تشمل الوحدات شبه العسكرية أو الجيش الشعبي.
في الأردن وحده هناك قوات عاملة 300 ألف تشمل الأجهزة الأمنية والشرطية ويقدر عدد قوات الجيش العاملة بين 100 ألف – 150 وهناك 57 ألفا تقريبا يبلغون سن الخدمة العسكرية سنويا وهذا من عدا قوات الإحتياط والقوات شبه العسكرية. تخيلوا لو أن كل هذه القوات تكون تحت قيادات وطنية وتتوحد كلمتها وتتوفر الظروف المناسبة والإرادة السياسية فماذا سوف يحصل لإسرائيل؟ هل تظنون أن إسرائيل تسمح بذالك؟ ماهو الحل إذا؟ إغراق المنطقة بالمظاهرات تحت مسمى الديمقراطية والحرية ووفق مبدأ الفوضى الخلاقة وإعطاء الوطنيين والقوميين العرب حبات مسكن مؤقتة تحت مسمى المخاض الثوري وأن مرحلة الفوضى لا بد منها وأنها سوف تأتي بقيادات وطنية سوف تحرر الأراضي السليبة وإلى آخر هذا الكلام الذي هدفه الوحيد هو حشي الداغ فقط لا غير. والسؤال الأهم هو هل تستطيع أي دولة من تلك الدول أن تشن منفردة حربا على إسرائيل؟ وهل الكرزايات الذي تريد أمريكا تنصيبهم بعد مرحلة الفوضى الخلاقة والمخاض الثوري سوف يقومون بأي عمل لإستعادة الأرض السليبة؟ سؤال أترك إجابته لكم. تحية الثورة الوطن أو الموت