لا يختلف اثنان عاقلان في تفسير سياسة النظام الجزائري العنصرية ألتي تمارس الفرقة والتمايز بين أفراد الشعب الواحد على أساس العرق والجهة والعمالة للمستعمر الفرنسي السابق, ومن هذا كانت الامتيازات التي تعطى للمواطنيين لا تقوم على مبدأ العدل والتنافس والمكافأة المنطقية وانما على مبدأ التجمعات والتكتلات لأقليات متنفذة في الحكم وفي تقاسم المنافع والريع البترولي بينها.
نحاول في هذا الموضوع التركيز على هذه القضية وربطها بحالتين حدثتا في نفس الوقت وبطالاها مواطنة جزائرية عادية كانت تحتاج وبشكل استعجالي مساعدة انسانية ضرورية وبين عميل جزائري ابن عميل عاث في أرض الجزائر فسادا يتصرف وعصابته في الجزائر وكأنها مزرعتهم الخاصة.
نقارن بين المواطنة الجزائرية السيدة نرجس من مدينة عنابة التي حملت بثماني توائم توفي كلهم بعد ساعة من الولادة.. فحالتها المستعصية كانت تتطلب متابعة لها ولأجنتها في الخارج.. لأن النظام المفسد الذي مارس ويمارس سياسة الأرض المحروقة لم يطور المستشفيات ويجعلها صالحة لعلاج البشر.. طلبت عائلتها عن طريق طبيبتها المختصة من وزير المرض ولد عباس ان تتحمل الدولة تكاليف العلاج والولادة خارج البلاد فرفض ذلك, وهكذا تركوها تواجه مصيرها لوحدها في مستشفى مصطفى باشا عديم الامكانات والأجهزة والخبرة.
وبين العميل المجرم والسفاح الكابران خالد نزار الذي اوقفته العدالة السويسرية في جنيف يوم 19 اكتوبر الجاري وحققت معه حول الجرائم ضد الانسانية التي ضلع فيها هو شخصيا ومعه النظام الجزائري المجرم, فقد صرح لجريدة جزائرية أنه كان متواجد في سويسرا للعلاج من آثار توقيف التدخين!!.
لم يسأله أحد سبب تواجده هناك.. ربما كانت له أسباب أخرى لا نعلمها.. لكن دعونا نعالج اعترافه هذا وربطه بحالة السيدة نرجس تلك الجزائرية المحترمة التي جنى عليها النظام وريث الاستعمار, لأنها جزائرية فقط.. ليست ابنة حركي ولا ابنة مسؤول فاسد مفسد, والتي نجزم أنها لو كانت تعيش في فلسطين المحتلة تحت سلطة اسرائيل وطلبت طبيبتها من وزارة الصحة الاسرائلية السماح لها بمتابعة العلاج والعناية بالخارج ما رفضت تلك الوزراة ذلك!!. لكن في الجزائر يرفض وزير الصحة ولد عباس عبد بوتفليقة عبد التوفيق بكل برودة واحتقار طلبها الانساني جدا, ففي رده على سؤال إحدى الصحفيات يوم الخميس 13 أكتوبر أي ثلاثة أيام قبل عملية الولادة حول ما إذا كان على دراية بقصة السيدة نرجس الحامل بسبع توائم والمتواجدة بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، أجاب ولد عباس بـاستهزاء قائلا للصحفيّة: “هل دخلت في كرشها وعلى بالك بلي فيه سبعة؟ (هل دخلت بطنها كي تعلمي بعدد الأجنة فيه)” !!, لو فيه عدالة في الجزائر لحوكم بسبب ارتكابه جريمة نكراء في حق الانسانية جمعاء.. ولو فيه حد ادنى من مراقبة تصرفات الوزراء لطرد من الحكومة فورا.. لكن لأننا في الجزائر بلاد العبث بالأرواح فكل شيء ممكن.
هذه السيدة التي ندعوا لها بالشفاء هي عبارة عن مثال بسيط عن اساليب العنصرية التي يعامل بها النظام المواطنين.. فهناك آلاف من حالات التعسف والاهانة المسجلة والتي تحدث سنويا لمواطنين لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا على أرض الجزائر.
العلاج من آثار التدخين كالذي حصل عليه هذا المجرم, تدفع نفقاته من أموال الدولة, كما تدفع من نفس الخزينة عملية تغيير الجنس.. عمليات التجميل.. التسوق.. تسريحة الشعر لنساء وبنات المفسدين وهلم جرا.
لكن تلك السيدة الجزائرية لا يحق لها انقاذ أرواح أولادها ولا حماية نفسها من الالتهابات والامراض المترتبة عن الولادة المستعصية.. حالها كحال ذلك الطفل البريء الذي ولد في بشار قبل بضعة سنوات بدون مثانة والذي كانت حالته النادرة والمستعصية تتطلب علاج خارج الجزائر, فلم يحصل على موافقة مصالح بوتفليقة عدو الأطفال .. أو ذلك الطفل أيوب من بلدية الخنق بولاية الأغواط ألذي يعاني منذ ميلاده في سبتمبر 2008 من تشوه خلقي متمثّل في افتقاره لفتحة الشرج على مستوى المؤخرة للتخلص من الفضلات. والتي اضطرت المصالح الصحية البدائية لإجراء عملية له لاستحداث فتحة ثانية على مستوى بطنه كحل مؤقت قصد إفراز الفضلات وتفادي تراكمها في البطن والأمعاء, فلم يجد مبلغ 20 مليون سنتيم التي اشترطتها من والده عيادة خاصة على مستوى الجزائر العاصمة (داخل البلاد وليس في الخارج!!) لاجراء لابنه فتحة في المؤخرة لكي يصبح يتخلص من فضلاته عاديا مثلما يفعل بوتفليقة وولد عباس وسعيد بركات والتوفيق واويحي وغيرهم!!. فما قيمة 20 مليون سنتيم في حياة مواطن بريء براءة الملائكة؟..
ربما كنا نحن ظالمين لأننا نحب الجزائر الحب العفيف وهو الحب الممنوع فرنسيا وأوروبيا وأمريكيا!, وربما أن الشباب الغرقى في البحر المتوسط أخطأوا الطريق لأنهم هربوا من جنة بوتفليقة الجهنمية, ربما كان كل هذا صحيحا, لكن ما ذنب الأطفال الذين يولدون على أرض الجزائر بعاهات وتشوهات خلقية, ما ذنب الذي يولد بورم سرطاني والذي بدون مثانة والذي لا يستطيع التخلص من فضلاته وغيرهم كثير؟ ما ذنبهم, وما ذنب النساء المعقدة حواملهن؟ لماذا لا يعالجون من أموال الرصيد في البنك المركزي المقدرة حاليا بأكثر من 170 مليار دولار أو من الـ60 مليار دولار مداخيل البترول السنوية؟ لماذا يحقد عليهم بوتفليقة ونظامه المخابراتي كل هذا الحقد؟
طبعا الاجابة نعرفها جميعا.. اساس الحكم في الجزائر والذي نعمل بدون هوادة لتغييره نحو الأحسن مبني على الظلم.. هذا الظلم الذي تفشى وأنتشر لأن افراد الشعب المطحون يفكرون بطريقة أنانية وحسب المصلحة الخاصة وليست العامة.. بمعنى أن هذه الأساليب كانت ومازالت أساس التعامل, لأننا نمارس سياسة جحا (المهم أن المصيبة تبقى بعيدة عني).. لا يوجد تكافل سياسي وتضامن من أجل تغيير المنكر.. فعمت المصائب في الوقت ألذي تباعد فيه التكافل (إذا عمت المصيبة خفت).
أنظر كبف يمارس علينا وبشكل يومي وروتيني النظام الأبارتيدي ألذي كان سائدا في جنوب إفريقيا..
أنظر كيف تستفيد العصابة الحاكمة والحاشية المحيطة ببوتفليقة من معاناتنا, لأنك مشتت في الأفكار ومشتت في الحلول.. تنأى بنفسك عن الخوض في مصيرك بدل البحث عن الاتحاد من أجل هدف واحد ووحيد.. فرض العدالة الحقوقية والعدالة الاجتماعية في الجزائر..
. نعم الى متى تبقى هذه الممارسات ممكنة في بلد أعطاه الله سبحانه وتعالى من الغنى المادي والبشري ما يستطيع به بناء حضارة بشرية تكون مثالا يحتذى به بين الأمم..
منقول