يحز في نفسي أن أرى أساتذة مثقفين يسهبون في المدح و الثناء على أنفسهم و لغيرهم فرحا ببطولات يزعمونها و ينسون أن ما أصابهم من نعمة فمن الله ، أتذكر حينها ما مروا به من محن و ضعف و عجز و قلة حيلة و يأس لم يجدوا معه إلا الالتجاء إلى الله ربهم يدعونه تضرعا و خيفة ، أو حينما من عليهم من فضله و أغدق عليهم من كرمه نسوا حق شكره ، آه يا عبد ما أكفرك ، أنسيت قول الله تعالى " و ما بكم من نعمة فمن الله " ، ألم تعلم أن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و هو ذو الفضل العظيم ؟ ، ألم تدرك أنه قد يبتليك بالنعمة كما يبتليك بالنقمة ؟ " ليبلوني أأشكر أم أكفر " ، ألم تقرأ حقيقة حالك في قوله تعالى : " فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم " أو قوله تعالى " و لئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي " .
فلم أجد إلا أن أشبه حال هؤلاء بحال قارون الذي كان من قوم موسى فبغى عليهم حيث آتاه الله من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ، ذكره قومه بفضل الله عليه فجحد و أنكر و قال " إنما أوتيته على علم عندي " فرد الله عليه : " أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة و أكثر جمعا و لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون " و كانت نهاية جحوده عقاب من الله " فخسفنا به و بداره الأرض "
و العبرة هنا إخوتي في النهي عن نسب العبد الفضل لنفسه و لحيلته و اجتهاده و نسيان أن ما قدمه لا يعدوا أن تكون سببا أرادها الله لحصول منه و كرمه عليه .
في النهاية قد أكون مخطئا لكنها نصيحة أردت أن أنصح بها نفسي و أذكر بها إخوتي إبراء لذمتي أمام الله " و ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين "