]أولا – فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليه :
السؤال : ما حكم الاضراب عن العمل من بلدٍ مسلم للمطالبة باسقاط النظام العلماني ؟
الاجابة : هذا السؤال لا شك أن له خطورته بالنسبة لتوجيه الشباب المسلم وذلك أن قضية الإضراب عن العمل سواء كان هذا العمل خاصاً أو بالمجال الحكومي لا أعلم له اصلاً من الشريعة ينبني عليه , ولاشك أنه يترتب عليه أضرار كثيرة حسب حجم هذا الإضراب شمولاً وحسب حجم هذا الإضراب ضرورة .
ولا شك أيضاً أنه من أساليب الضغط على الحكومات , والذي جاء في السؤال أن المقصود به إسقاط النظام العلماني, وهنا يجب علينا إثبات أن النظام علماني أولاً , ثم اذا كان الأمر كذلك فليعلم أن الخروج على السلطة لا يجوز إلا بشروط , بينها النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : (( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا واثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال : إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان ) أخرجه البخاري برقم 7056 في الفتن ومسلم برقم 1841.
الشرط الأول:
أن تروا بمعنى أن تعلموا علماً يقينياً بأن السلطة ارتكبت كفرا ً.
الشرط الثاني:
أن يكون الذي ارتكبته السلطة كفراً , فأما الفسق فلا يجوز الخروج عليهم بسببه مهماً عظم .
الشرط الثالث:
بواحاً أي معلناً صريحاً لا يحتمل التأويل .
الشرط الرابع:
عندكم فيه من الله برهان أي مبني على برهان قاطع من دلالة الكتاب والسنة أو إجماع الأمة .
ويضاف إليه الشرط الخامس :
وهو شرط يؤخذ من الأصول العامة للدين الاسلامي وهو قدرة هؤلاء المعارضين على إسقاط السلطة , لأنه إذا لم يكن لديهم قدرة الأمر عليهم لا لهم , فصار الضرر أكبر بكثير من الضرر المترتب على السكوت على هذه الولاية حتى تقوى الجبهة الأخرى المطالبة لدين الاسلام , فهذه الشروط الخمسة لابد منها لاسقاط الحكم العلماني في البلاد. فاذا تعين أن الاضراب يكون سبباً لاسقاط الدولة أو لاسقاط الحكم بعد الشروط التي ذكرناها , فإنها يكون لا باس به , واذا تخلف شرط من الشروط الاربعة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم ، والشرط الخامس الذي ذكرنا أن قواعد الشريعة تقتضيه فإنه تقتضيه , فإنه لا يجوز الاضراب ولا يجوز التحرك لاسقاط نظام الحكم .
السؤال : بعد الاضراب وفي حالة عدم الاستجابة لهذه المطالب هل يجوز مواجهة النظام بتفجير ثورة شعبية ؟
الاجابة : لا أرى أن تقام ثورة شعبية في هذه الحال لأن القوة المادية بيد الحكومة كما هو معروف والثورة الشعبية ليس بيدها إلا سكين المطبخ وعصر الراعي وهذا لا يقاوم الدبابات والأسلحة .
لكن يمكن أن يتوصل إلى هذا من طريق آخر إذا تمت الشروط السابقة ولا ينبغي أن نستعجل الأمر , لأن أي بلد عاش سنين طويلة من الاستعمار لا يمكن أن يتحول بين عشية وضحاها الى بلد اسلامي , بل لابد ان نتخذ طول النفس لنيل المآرب .
والانسان إذا بنى قصراً فقد أسس سواء سكنه أو فارق الدنيا قبل أن يسكنه فالمهم أن يبني الصرح الاسلامي وإن لم يتحقق المراد إلا بعد سنوات فالذي أرى ألا نتعجل في مثل هذه الأمور ولا أن نثير أو نفجر ثورة شعبية غالبها غوغائية لا تثبت على شيء ولو تأتي القوات الى حي من الأحياء وتقضي على بعضه لكان كل الآخرين يتراجعون عما هم عليه.
السؤال : قد يحدث اعتصام في الساحات من طرف الشباب , كأن يعتصموا في الساحات الحكومية ويبيتون ليالي في هذه الساحات فما حكم هذا الاعتصام وهل له أصل في الشرع ؟
الاجابة :
هذا الاعتصام من اساليب الضغط على الحكومة بلاشك , وهو فيما أعلم مستورد ولكن من المعلوم أن الوسائل تكون على حسب المقاصد , ولها حكم المقصد إن لم تكن من الوسيلة المحرمة . وهذا الاعتصام ينبني على ما سبق قلناه بالنسبة للاضراب .
( نقلاً من كتاب الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات لفضية الشيخ الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وغفر له ( ج1/ ص284 -285-286-287 ) .
ثانيا – فتوى العلامة الألباني رحمه الله :
وذلك ما جاء في سلسلة الهدى و النور شريط رقم -465- جواباً على سؤال : هل يجوز للعامة أو بعض العامة أن يصوموا أمام الحكام كي يلبوا لهم بعض الطلبات ؟
فأجاب رحمة الله عليه :
لا ، هذه عادة أجنبية كافرة لا يجوز للمسلم أن يتخذوها وسيلة لإظهار عدم رضاهم بشيء ما يصدر من قبل الدولة .
ويجب أن نستحضر في هذه المناسبة قوله عليه السلام في حديث معروف ( من تشبه بقوم فهو منهم ) و أحاديث كثيرة وكثيرة جداً جاءت كالتفصيل لهذا الحديث المجمل : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) .
ثالثا – فتوى الشيخ عبد الوهاب بن علي الحجوري :
وله بحثاً طيباً في هذه المسألة ، في كتابه " وقفات مع تنظيم الإخوان المسلمين " صفحة 155 ( باب تشبه الإخوان المسلمين للكفار في الإضرابات )
وخلاصته : أن الاضرابات والاعتصامات هي تشبه بالكفار ، وبدعة محدثة مخالفة لما عليه السلف .
وأنها محض أفعال يقوم بها الجهال فلا تضر في الخصوم ، ولا تنفع المظلوم ! و إنما تضره .
وقال :
" والإضرابات هذه سواء كانت من الأعمال أو عن الطعام ، أو عن الكلام فهي محرمة ، لو لم يكن فيها إلا أنها من أفعال الكفار المذمومة ، لكان هذا كافياً في تحريمها في حكم عموم الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات .
وسأل : شيخنا الفاضل إنّي أستاذ في قطاع التربية وفي الأيام المقبلة سيدخل عماله في إضراب من أجل مطالب موضوعية ، فما حكم الشرع في الإضراب ؟
الجواب : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد :
فالإضرابات والاعتصامات والمظاهرات بمختلف أنواعها :
من أساليب النظم الديمقراطية التي يمارس فيها الشعب مظاهر سيادته المطلقة .
وتعد تلك الأعمال السابقة – الاضراب ، الاعتصام - :
في عرف الديمقراطيين على الأوضاع القيمة ظاهرة صحة ، يصحح بها الوضع السياسي أو الاجتماعي أو المهني من السيئ إلى الحسن ، أو من الحسن إلى الأحسن .
أما المنظور الشرعي للنظم الديمقراطية بمختلف أساليبها :
فهي معدودة من أحد صور الشرك في التشريع ، حيث تقوم هذه النظم بإلغاء سيادة الخالق سبحانه وحقه في التشريع المطلق لتجعله من حقوق المخلوقين ، وهذا المنهج سارت عليه العلمانية الحديثة في فصل الدين عن الدولة والحياة ، والتي نقلت مصدرية الأحكام والتشريعات إلى الأمة بلا سلطان عليها ولا رقابة والله المستعان .
وهذا بخلاف سلطة الأمة في الإسلام فإن السيادة فيها للشرع ، وليس للأمة أن تشرع شيئًا من الدين لم يأذن به الله تعالى ، قال سبحانه : ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: 21].
وعليه ، فإن الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات وسائر أساليب الديمقراطية هي :
من عادات الكفار وطرق تعاملهم مع حكوماتهم ، وليست من الدين الإسلامي في شيء ، وليس من أعمال أهل الإيمان المطالبة بالحقوق ولو كانت مشروعة بسلوك طريق ترك العمل والاضراب والاعتصام ، أو بنشر الفوضى وتأييدها وإثارة الفتن والطعن في أعراض غير المشاركين فيها وغيرها مما ترفضه النصوص الشرعية ويأباه خلق المسلم تربيةً ومنهجًا وسلوكًا .
وإنما يتوصل إلى الحقوق المطلوبة بالطرق المشروعة :
وذلك بمراجعة المسؤولين وولاة الأمر ، فإن تحققت المطالب فذلك من فضل الله سبحانه ، وإن لم تتحقق فوجب الصبر والاحتساب والمطالبة من جديد حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين ، فقد صحَّ من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه ما يؤيد ذلك ، إذ قال :
« دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَبَايَعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ ، إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ» 0
رابعا – فتوى العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله :
وقد قال في لقاء مع مجلة الفرقان العدد (82)ص (12) مانصه :
(الخروج في المظاهرات والمسيرات ليس طيبا ، وليس من عادة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن تبعه بإحسان ، إنما النصيحة والتوجيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى ، وهذه هي الطريقة المتبعة ، قال الله عزوجل ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) ، وقال عزوجل : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) ، وقال سبحانه تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) ، وقال رسول الله صلى عليه وسلم : ( من رأى منكم منكرا فيلغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم .
فالإنكار بالفعل يكون من الإمام أو الأمير أو من الهيئة التي لها تعليمات ،
وأما أفراد الناس إذا أنكروا باليد فتكون الفتنة والنزاع والفرقة وتضييع الفائدة ، فيجب على كل شخص أن ينصح بالقول والتوجيه والترغيب والترهيب .
أما صاحب البيت على أولاده ، والهيئة في نظامها حسب طاقتها ، وكذلك الأمير فله الإنكار بالفعل ، أما أفراد الناس فعليهم الإنكار بالقول ، لأنه لايستطيع الإنكار بالفعل حتى لاتعظم المصيبة ويعظم الشر)
ويقول الشيخ ابن باز رحمة الله عليه في مجلة البحوث الإسلامية (38/210) :
( والأسلوب السيء العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله أو إثارة القلاقل والظلم والعدوان والمضاربات ، ويلحق بهذا الباب ما يفعله بعض الناس من المظاهرات والاعتصامات التى تسبب شرا عظيما على الدعاة ، فالمسيرات في الشوارع والهتافات ليست هي الطريق الصحيح للإصلاح والدعوة ، فالطريق الصحيح ، بالزيارة والمكاتبات بالتي هي أحسن ) .