من كتاب [ المرأة فى الاسلام بين التقاليد الراكدة والوافدة ] للشيخ محمد الغزالي رحمه الله :
جاءنى بضع فتيات يشكون لى أن مدرس الفلسفة يحاول إقناعهن بأفكار مضادة للدين وأنهن تَعبن من مجادلته، واقترحن عليه أن يلقانى ليتكلم معى بما عنده.
قلت: هاتوا به فى أى وقت !
وجاء الأستاذ فسألته: أأنت شيوعى ؟
قال: أنا ماركسى !
قلت له: تتبع ماركس فى إلحاده ؟
أم فى اقتصاده ؟.
فتريث قليلا ثم قال: بل فى إلحاده أولا، لا إله والحياة مادة !
قلت له ـ وأنا أنظر إلى جسمه العريض وقامته المديدة ـ كان وزنك عندما ولدت بضعة أرطال، وها أنت تزن أكثر من مئتى رطل فمن جاء بهذه الزيادة ؟
قال: طبيعة الأجسام !
قلت: الطبيعة حوّلت الأطعمة التى تناولتها إلى هذا الكيان الحى ؟
إنها أطعمة ميتة فكيف تحوّلت إلى لحم وشحم تسرى فيها الحياة ؟
الرغيف تقطعه بالسكين فلا يتألم وبعد أن تأكله ويتحوّل جزءاً من بدنك تشكه بدبوس فيضطرب بدنك من الألم !
من الذى أخرج الحى من الميت ؟
قال ببرود: قلت لك إنها الطبيعة !.
قلت حسنا، إنها طبيعة عالمة قادرة !
هل تصنع ذلك معك وحدك أم مع خمسة آلاف مليون من البشر يحيون على ظهر الأرض ؟
قال ـ وهو يتوجس خيفة ـ مع سكان الأرض جميعا !
قلت: لا ريب أنها طبيعة علمية قديرة حكيمة عظيمة تلك التى تتعهد الألوف المؤلفة من الطفولة إلى الصبا إلى اليفاعة إلى الشباب إلى الرجولة إلى الشيخوخة… الخ.
وفى هذه المراحل كلها تهيئ الألوف المؤلفة من الأجهزة للقضم والهضم والامتصاص وتوزيع الغذاء على الأعضاء، ودفع الرئات فى الصدور للحركة الدؤوب، ودفع الدم فى العروق مداً وجزراً، فى نبض مستمر آناء الليل وأطراف النهار.
إنها طبيعة حيّة تقوم على كل شئ !
ألا ترى ذلك معى ؟
قال وفى نبرته إحساس الوحش الذى يُقاد إلى خطر داهم : إن الطبيعة ذكية !
فأجبته، هذا الذكاء الملحوظ صفة عابرة، لا بد من موصوف تقوم به، وقد اعترفت بأنك وجميع الأحياء معك تم إيجادهم وإمدادهم بطريقة تنم عن علم وقدرة وحكمة وعظمة فهل التراب أو الهواء صاحب هذه الصفات الرائعة ؟
أم أن هناك موجوداً تلتقى فى ذاته هذه الصفات كلها ؟
قال : لا معنى للفِّ والدوران، قلت لك: إنها الطبيعة !
فسألته : أترى الطبيعة اسماً من أسماء الله الحسنى ؟
إن عالمنا الذى نعيش فيه مفعم بحياة متجدِّدة يدل سيرها كما قلت معى على العلم الواسع والحكمة البالغة والقدرة الفائقة والعظمة الباهرة فما الذات التى تنبثق منها هذه الصفات ؟
إن الصفات لا بد أن تكون لشئ !.
قال: يبدو أنك شيخ زاوية مجادل !
قلت: دعك منّى !
لأكن شيخ بادية ما يعنى هذا شيئا… إذا قلت: إنك ثخين فالصفة ملتصقة بذاتك أنت والصفات التى استقينا من أنها وراء الكون الكبير هى صفات إله أكبر لا محالة..
قال: هذا تفكير رجعىِّ بائد !
قلت ساخراً: مادام العقل اليقظان قد صار رجعية والغباء الصفيق قد صار تقدُّمية، فأنا رجعىّ أيها الماركسىّ المغفل.