بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم, يجلس مجموعة من مدعي الإسلام في مجلس خاص بهم , ويتضاحكون ويتغامزون ويتذاكرون كلاما فيه استهزاء بدين الله واستهتار بالنبي وبشعائر الإسلام , فلما أخبرهم الرسول بفعلهم بعد أن أطلعه الله عليه خافوا من العقوبة واعتذروا عن كل ما صدر منهم وقالوا "بأننا كنا نمزح ونضحك ولم نقل ذلك على سبيل الجد " ولكن الله سبحانه أنزل قرآنا حازما في شأنهم وفي شأن كل مسلم أو مدع للإسلام يفعل ذلك الفعل , معلنا أن ذات الله سبحانه وشعائره ودينه وكتابه ورسوله غير خاضعين للعب والمزاح , وأن هذا المزاح يؤدي بالمسلم للوقوع في دائرة الكفر فقال سبحانه ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ , لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) التوبة 65 ,66 .
فعندنا نحن المسلمين في ديننا خطوط حمراء لا نستطيع تجاوزها ولا الاقتراب منها بالسخرية والاستهزاء لا جدا ولا لعبا , ولا نقبل كمسلمين أن يتجاوزها أحد من المنتسبين للإسلام فضلا عن غيرهم ولا يمكننا قبول اعتذار من لم يقبل الله سبحانه منه اعتذارا .
فإذا كان هذا هو رد الفعل تجاه المسلم المنتسب للإسلام إذا خاض ولعب أو استهزأ فكيف برد فعل المسلمين إذا تولى كبر هذا الجرم من ينتسب لغير الإسلام , ويستهزئ بالإسلام أو شعائره أو رموزه أو معتقداته
وقد طالعتنا الأنباء التي حملت نشر ذلك المدعو نجيب ساويرس الذي ينتسب إلى النصرانية ديانة والليبرالية فكرا على صفحة خاصة به صورا مسيئة للإسلام مهينة لمظاهره , تصور ذا لحية على هيئة فأر شهير ( ميكي ماوس ) وبجانبه فأرة أيضا يلبسها النقاب الإسلامي في تهكم واضح وسخرية لا تقبل التشكيك في استهتاره بمشاعر المسلمين الأغلبية التي لا يحترمها ذلك السويرس ولا يريد أن يضعها في حسبان لأفعاله ظنا منهم أنهم لن يملكوا محاسبته على أي تصرف مسيء منه .
فتحركت وسائل إعلامية إسلامية – وهي ميدان مهم من ميادين الجهاد في عصرنا الحالي – مثل قناة الحكمة وأعلنت عن مهاجمة ذلك المتطاول على الدين مخاطبة كل الأطراف الغيورة على دينها وعلى وطنها وعلى مصالحه التي يتهددها دائما ساويرس وعصابته وإعلامه المتواطئ دوما مع قضاياه الخاصة حتى صار إعلاما موجها وموجها ومتحيزا بصورة لا يمكن إغفالها وفقد الكثير من مصداقيته نتيجة لتحيزه المستمر والواضح , وطالبت بتفعيل الرد المسلم الغيور على الدين بمقاطعة كل الشركات التي تنسب لهذا المتطاول والذي يتربح منها من دم وقوت هذا الشعب المسلم مقاطعة اقتصادية ليعلم أن المسلمين قادرون على الدفاع عن مقدساتهم وعقيدتهم وشريعة ربهم .
وتحرك عدد من العلماء والدعاة أمثال الدكتور صفوت حجازي والشيخ الزغبي وغيرهم مستلهمين دور العلماء مثل ابن تيمية والعز بن عبد السلام في قيادة الأمة إلى ما فيه صلاحها والذود عن دينها وهو الدور المفقود للعلماء والدعاة منذ زمن طويل حينما كان لا يسمح النظام لهم بذاك .
وتحرك عدد من القانونيين مثل الأستاذ ممدوح إسماعيل وأربعة عشر محاميا آخرين وتقدموا ببلاغ للنائب العام ضد ذلك المتطاول متهمين إياه بـ " تهديد السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين وازدراء الأديان".
وكان التحرك الأكثر شدة وقوة ومفاجأة هو تحرك الشباب الغيور على دينه الذي كشفت الثورة المصرية عن وجود عدد كبير منهم خلف الركام الهائل الذي أهاله عليهم نظام مبارك البائد , فهم الذين لا تبدو عليهم مظاهر الالتزام القوي بالأحكام في حين تجد فيهم غيرة شديدة على الدين وأنهم لا يقبلون أن يتعرض أحد لمقدساته أو يهين رموزه , فأنشئوا عددا كبيرا من الصفحات على موقع الفيسبوك للاعتراض ولشحذ الهمم للرد على هجوم ذلك المتطاول , وبلغ عدد رواد ومشتركي إحدى هذه الصفحات الجديدة أكثر من ثلاثة وعشرين ألفا في يومين فقط منادين فيها بمقاطعة كل مشروعات ذلك السويرس ومحطاته الفضائية التي نعتوها بالمغرضة وبمواقعه على شبكة الانترنت وبصحفه التي يمتلكها في حملة شعبية مسلمة لإشعاره بعدم قبول اعتذاره حيث أن الاستهانة بالمقدسات الإسلامية جريمة لا تغتفر ولا يصلح فيها ذلك الرد الساذج المستهين بنا مدعيا أنه كان يمزح .
وكان من نتائج تلك الحملة أن شهدت البورصة المصرية تأثرا كبيرا للأسهم وتراجعا في أسعار الأسهم للشركات المملوكة لذلك المتطاول مما ينبئ بتفاعل كبير مع تلك الحملة .
وفي لفتة رائعة لتلاحم المسلمين استجاب بعض الجزائريين لتلك الدعوة مقررين مقاطعة شركات ذلك المتطاول على الدين في الجزائر حتى يعلم انه لم يتطاول على دين أهل مصر فقط بل على دين كل مسلم ويجب أن يعلم أن المسلمين عقيدتهم واحدة ومشاعرهم واحدة ولا تفرقهم الحدود المصطنعة .
واللافت للنظر أن الموقف الأهم والتحرك الذي كان منتظرا لم يأت بعد وهو تحرك المؤسسات الدينية في مصر , فلم يصدر الأزهر الشريف استنكارا ولا شجبا ولا بيانا وكأن شأن المسلمين لا يعنيه وكأنه متفرغ فقط لمهاجمة السلفية والسلفيين فلا يصدر له صوت إلا في تلك القضايا أما القضايا الحقيقية التي تستحق الوقوف والرد بحزم فنجده يتقاعس فيها , ولم تصدر الكنيسة التي تتدخل في كل شئ في مصر الآن وتتحدث في القسمين معا ( ما لله وما لقيصر) وتخالف تعاليم دينها بذلك , نجدها أيضا لم تعلق على الأمر وكأن إحراق مصر في فوضى طائفية أمر لا يشغلها بل ربما أمر يرتب له منها
يحي البوليني