" مجموعة أهم الأحداث" : في الحياة الدنيا أصناف من الناس من بينهم صنف "ظالمون" في حالة رفع ترفعهم ضمائر "سلطانهم ، ثروتهم ،جاههم ..." ،يستغلون تلك الضمائر لتوزيع ظلمهم على الآخرين. يقابل هذا الصنف من الناس ، صنف "ظالمين" ، دائما في حالة نصب أو جر ومع ذالك "يظلمون" في الحيز المتبقي لهم من ظلم "الظالمون".
الأمثلة على ذالك كثيرة ومتنوعة ومتشبعة ويحتار المرء أي مثال يستند عليه لشرح ما أراد قوله ... من الأسواق وذالك البائع المشتكي صباحا مساءا من الظلم المطاردة من الجميع تحاصره في جمع لقمة عيشه.
ومع ذالك عندما يأتي إليه زبونا ليشتري من عنده "كيلو من البطاطس" ( على سبيل المثال) ، يظلمه "وزنا ونوعية" في تلك الكمية البسيطة التي تعبر عن مقاس جيبه وحالته الاجتماعية لذالك الزبون ... وخذ ذالك كمثال عند الجزار وجيران الجزار ، وقيس على ذالك ...
وفي مصالح الإدارية ، تجد ذالك الموظف الصغير وبجانبه الحاجب يشتكيان بدون انقطاع عن حالتهما المزرية الناتجة من الظلم "الظالمون" ، يعنيان به الإدارة . ومع ذالك تجدهم "متفرعنين" في توزيع اليومي لظلمهم على المداومين على تلك المصالح وخاصة البسطاء منهم ، من الذين مظهرهم يدل على ذالك...
وقد أتذكر دائما قصة تؤلمني و تؤرقني دائما وقعت قبل عدة عقود . حادثة رغم أنها وقعت منذ كنت صغيرا لكنها مازالت مرسومة في مخيلتي و منبوشة في ذاكرتي. عندما كلفتني والدتي ، رحمها الله ، باستخراج لها وثائق إدارية من مكان ولادتها في إحدى المناطق البعيدة و النائية...
كنت ، وقبل أن تفتح المكاتب أبوابها حاضرا وإذ بحاجب واقفا بحزم بنظرات "استعلائية" وصرامة في المنظر ، لا يرد السلام ،وعندما علم بسبب وجودي ،ضحك ضحكة استهزاء وقال لي أنظر من خلفك كل هؤلاء لا يمكن لهم استخراج وثائقهم لأنهم لم يأتوا في الوقت المناسب ؟ فنظرت من خلفي وإذا أرى طابورا طويلا من الناس …سألته أي وقت مناسب ،منتصف الليل ... ! ، فرد بدون أن ينظر إلي ، هذا ليس "شغلي"…
المهم، تمكنت من تجاوز حاجز ذالك الحاجب "المتغطرس" ، واستخرجت تلك الوثائق ، وحظي إنني لم أعود بعد كل تلك المشقة خاويا اليدين … لكن ما حز في نفسي ضمن ذالك الطابور الطويل من الناس شيخا جليلا الذي عليه العودة من حيث أتى بدون أن يحصل على مبتغاه ...
لقد طلب مني ذالك الشيخ مساعدته ، عندما رآني كيف تجاوزت ذالك الحاجب ، شارحا لي كيف ومنذ أسابيع يقطع مسافات طويلة ليستخرج وثائق حفيدته من اجل الامتحانات لكن ذالك الحاجب يمنعه من الدخول في كل مرة ، بنفس الحجة الذي قالها لي...
ندمي و أسفي ، إنني كنت عاجزا أن أمد يد المساعدة إلى ذالك الشيخ الذي يبدو عليه المرض والتعب ، (كانت العين بصيرة ولكن اليد قصيرة ) ، لأني لو فعلت ذالك لكانت حجة قوية يستغلها ذالك الحاجب "المتجبر" لرد الاعتبار لشخصه بعد الاهانة التي تلقاها أمام الجميع ... ورغم ذالك تمنيت لو إني فعلتها .
وأنا على يقين ، جبروت وقسوة فرعون كانتا "ستخران ساجدتين " أمام حالة ذالك الشيخ... من ذالك فهمت ،عمليا ، لماذا الله عز وجل يسلط على عباده الجبابرة، من أمثال"فرعون" وعلى أشكال "فرعون" ، لأن ببساطة كلنا جبابرة ، (إلا من رحم ربي ) ، وكل واحد جبروت على حد "مقاسه" وفي ميدان اختصاصه ، بمعنى إما من "الظالمون" أو من "الظالمين" ...
حمدان العربي الإدريسي
(نبش في ذاكرة)
15.04.2011