1. القـــدس: القبلة الأولى
القدس في الاعتقاد الإسلامي، لها مكانة دينية مرموقة، اتفق على ذلك المسلمون بجميع طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم، فهو إجماع الأمة كلها من أقصاها إلى أقصاها. ولا غرو أن يلتزم جميع المسلمين بوجوب الدفاع عن القـــدس، والغيرة عليها، والذود عن حماها، وحرماتها ومقدساتها، وبــذل النفـــس والنفــيس في سبيل حمايتها، ورد المعتدين عليها. وقد اختلف المسلمون، والعــرب، والفلسطينيون في الموقف من قضية السلام مع إسرائيل، هل يجوز أو لايجــوز ؟ وإن جاز، هـــل ينجح أو لا ينجح ؟ ولكنهم جميعا – مسلمين وعربًا و فلسطينيين- لم يختلفوا حول عروبة القـــدس، وإسلاميتها، وضرورة بقائها عربية إسلامية، وفرضية مقاومة المحاولات الإسرائيلية المستميتة لتهويدها، وتغير معالمها، ومسخ شخصيتها التاريخية، ومحو مظاهر العروبة والإسلام والمسيحية منها. فللقدس قدسية إسلامية مقدورة، وهي تمثل في حس المسلمين ووعيهم الإسلامي: القبلة الأولى، وأرض الإسراء والمعراج، وثالث المدن المعظمة، وأرض النـبوات و البركات، وأرض الرباط والجهاد كما سنبين ذلك فيما يلي:
القــدس: القبلة الأولى
أول ما تمثله القدس في حس المسلمين وفي وعيهم وفكرهم الديني، أنها (القبلة الأولى) التي ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتوجهون إليها في صلاتهم منذ فرضت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج في السنة العاشرة للبــــعثة المحمدية، أي قبل الهجرة بثلاث سنوات، وظلوا يصلون إليها في مكة، وبعد هجرتهم إلى المدينة، ســـــتة عشر شهرًا، حتى نزل القرآن يأمرهم بالتوجه إلى الكعبة، أو المسجد الحرام، كما قال تعالى:﴿ومن حيث خرجت فول وجهك شـــطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره﴾ البقرة:150. وفي المدينة المنورة معلم أثري بارز يؤكد هذه القضية، وهو مسجد القبلتين، الذي صلى فيه المسلمون صلاة واحدة بعضها إلى القدس، وبعضها إلى مكة. وهو لا يزال قائمًا وقد جدد وتُعهد، وهو يزار إلى اليوم ويصلى فيه.
وقد أثار اليهود في المدينة ضجة كبرى حول هذا التحول، ورد عليهم القرآن بأن الجهات كلها لله، وهو الذي يحدد أيها يكون القبلة لمن يصلى له، ﴿سيقول الســفهاء من الناس: ما ولاهم عن قبلـــتهم التي كانوا عليها ؟ قل : لله المشرق والمغرب، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾ إلى أن يقول: ﴿وما جعلنا القـبلة التي كنت عليها إلا لنــعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقــبيه، وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله، وما كان الله ليضيع إيمانكم﴾ البقرة:142،143. فقد قالوا: إن صلاة المسلمين تلك السنوات قد ضاعت وأهدرت، لأنها لم تكن إلى قبلة صحيحة، فــقال الله: ﴿وما كان الله ليضيع إيمانكم﴾ أي صلاتكم، لأنها كانت صلاة إلى قبلة صحيحة مرضية عنده.