مواقفه وتصريحاته
ظل مراد مدلسي يتوارى عن الأنظار كلما تطلب الأمر تدخلا من الديبلوماسية الجزائرية لتوضيح وتحديد موقف الجزائر من قضايا لا ينفع معها ولا يقنع الحياد الإيجابي أو ما يسمى بديبلوماسية الصمت، فأحداث تونس التي أطاحت بنظام بن علي لم تحرك في الرجل شيئا كي يقول للجزائريين موقف دولتهم من ثورة الشباب التونسي خاصة، وأننا على تماس مباشر مع الشقيقة تونس، يضرنا ما يضرها وينفعنا ما ينفعها، ولولا رسالة الرئيس بوتفليقة التي ألقى بها من طائرته وهو متوجه إلى شرم الشيخ، لما أحس الجزائريون بتفاعل دولتهم مع الزلزال السياسي الجارف الذي أطاح ببن علي، وخلال ثورة الشباب المصري تكلمت كل دبلوماسيات العالم وأبدت تعاطفها مع الثوار ورفضها لقمع المحتجين، بينما ظل مدلسي يختفي وراء ظله ويتحاشى إبداء أي موقف حتى تضاءل دور الجزائر، وكاد العالم ينسى أنها أكبر دولة في إفريقيا بعد تقسيم السودان.
ومما زاد الطينة بلة الموقف السلبي لمدلسي من أحداث ليبيا التي أقحمت فيها الجزائر بطريقة أساءت للشعب الجزائري، حينما شنت أطراف ليبية بإيعاز من لوبيات مغربية حملة تشويه تزعم دعم الجزائر للقذافي بطائرات عسكرية تنقل مرتزقته الذين يقتلون الليبيين، وظل مدلسي يتوارى عن الأنظار حتى عندما سأله الصحفيون عن الموضوع رد بكلمة واحدة زادت في تأجيج المشكلة عندما قال "كلام فارغ" عوض أن يقدم الموقف الجزائري بالدليل والبرهان لإسكات الألسن التي كانت تتحدث عن الإشاعة كأنها حقيقة.
وحتى عندما صوتت الجامعة العربية على طلب حظر جوي ضد القذافي، سكت الرجل وهو يرى الجزائر موضع اتهام ولم يستطع حتى شرح الاحتراز على القرار للعالم مثلما فعل نظيره السوري، حتى صار بعض الجزائريين يتوارون خجلا من إخوانهم الليبيين الذين اعتقدوا في لحظة ما أن الجزائريين يساندون الطاغية ضدهم.
عن أي حرب أهلية تتحدث يا مدلسي؟
مرة أخرى لم يتأخر مدلسي في إطلاق تصريحات من العيار الثقيل، في حوار له ببلاتو القناة البرلمانية الفرنسية بل أسابيع، بوصفه لما حدث خلال تسعينات القرن الماضي بالجزائر، بأنه "حرب أهلية" بدون تحديده لأطراف هذه "الحرب"، كما سماها، وهي المرة الأولى منذ اندلاع الأزمة بالجزائر التي يستعمل فيها دبلوماسي جزائري رفيع وصفا من هذا القبيل. بعد أن كانت الدولة الجزائرية وخلال العقدين الماضيين ترافع في المحافل الدولية ضد الإرهاب لتثبت أن الشعب الجزائري كان يواجه آلة التطرف ودفع ثمن هذه المواجهة بأكثر من 200 ألف ضحية، وكأننا بوزير الخارجية يعيد على العالم طرح السؤال الذي قصم ظهر الجزائر لسنوات من طرف القواعد الخلفية للإرهاب وفلول التطرف في العالم وهو "من يقتل من؟"، .. ويتساءل دبلوماسيون كيف لرئيس الجهاز الدبلوماسي يرتكب خطأ بهذا المستوى، يوحي بأن ذكاءه قليل حتى في استيعاب حجم المأساة التي مرت ببلاده، خاصة بعد أن تصالح الجزائريون وانتصروا على الفكر المتطرف الذي عصف باستقرار البلاد لسنوات.