جزاك الله خيرا يا اختي جمانة
سئل سماحة الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى
س : مما يشاع بين طلاب العلم وخاصة في الكليات و المؤسسات العلمية قولهم : العلم ذهب مع أهله ، وأنه لا يوجد أحد يتعلم في المؤسسات العلمية إلا من أجل الشهادات والدنيا ، فبماذا يرد عليهم ؟ وما الحكم إذا اجتمع قصد الدنيا والشهادة مع نية طلب العلم لنفع نفسه ومجتمعه؟
*الجواب : هذا الكلام ليس بصحيح ، ولا ينبغي أن يقال هذا الكلام وأمثاله ، ومن قال : هلك الناس؛ فهو أهلكهم .
ولكن ينبغي التشجيع والتحريض على طلب العلم ، والتفرغ لذلك ، والصبر والمصابرة على ذلك ، وحسن الظن بطلبة العلم ، إلا من علم منه خلاف ذلك.
ولما حضرت المنية معاذا ـ فيما ذكر ـ أوصى من حوله بطلب العلم ، وقال : " إن العلم والإيمان مكانهما ، من أرادهما وجدهما " .
يعني : مكانهما في كتاب الله العظيم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الأمين ، وإنما العالم يقبض بعلمه ، فالعلم يقبض بموت العلماء ، ولكن لاتزال ـ بحمد الله ـ طائفة على الحق منصورة .
ولهذا قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : " أن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال ، ولكن يقبض العلم بموت العلماء ، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم ؛ فضلّوا وأضلّوا " رواه البخاري في صحيحه.
وهذا الذي يخاف منه ، أن يتقدم للإفتاء وتعليم الجهلة ، فيضلون ويضلون ، وهذا الكلام الذي يقال : ذهب العلم ولم يبق إلا كذا وكذا ، يخشى منه التثبيط لبعض الناس، وإن كان الحازم والبصير لا يثبطه ذلك، بل يدفعه إلى طلب العلم حتى يسد الثغرة.
والفاهم المخلص والصادق البصير بمثل هذا الكلام لا يثبطه ذلك ، بل يتقدم ويجتهد ويثابر ويتعلم ويسارع لشدة الحاجة للعلم ، وليسد الثغرة التي زعمها هؤلاء القائلون : إنه لم يبق أحد.
والحاصل : أنه وإن نقص العلم وذهب أكثر أهله فإنه ـ ولله الحمد ـ لا تزال طائفة على الحق منصورة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله " أخرجه مسلم.
فعلينا أن نجتهد في طلب العم ، وأن نشجع عليه ، وأن نحرص على سد الثغرة ، و القيام بالواجب في مصرنا وغيره ؛ عملا بالأدلة الشرعية المرغّبة في ذلك ، وحرصا على نفع المسلمين وتعليمهم ، كما ينبغي أن نشجع على الإخلاص والصدق في طلب العلم ، من أراد الشهادة ليتقوى بها على تبليغ العلم والدعوة إلى الخير فقد أحسن في ذلك ، وإن أراد المال ليتقوى به ؛ فلا بأس أن يدرس ليتعلم وينال الشهادة التي يستعين بها على نشر العلم وأن يقبل الناس منه هذا العلم و أن يأخذ المال الذي يعينه على ذلك ، فإنه لولا الله سبحانه ثم المال لم يستطع الكثير التعلم وتبليغ الدعوة.
فالمال يساعد المسلم على طلب العلم ، وعلى قضاء حلجته ، وعلى تبليغه للناس ، ولما ولي عمر رضي الله عنه أعمالا ، أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا ، قال : " أعطه من هو أفقر مني . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : خذ هذا المال فتموله أو تصدق به ، وما جاءك من هذا المال ، وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه ، وما لا فلا تتبعه نفسك " أخرجه مسلم في صحيحه.
وأعطى النبي عليه الصلاة والسلام المؤلفة قلوبهم، ورغّبهم حتى دخلوا في دين الله أفواجا ، ولو كان حراما لم يعطهم ، بل أعطاهم قبل الفتح وبعده.
وفي يوم الفتح أعطى الناس على مائة من الإبل ، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ـ عليه الصلاة والسلام ـ ترغيبا في الإسلام ودعوة إليه.
وقد جعل الله سبحانه ةتعالى للمؤلفة قلوبهم حقا في الزكاة ، وجعل في بيت المال حقا لهم ولغيرهم من المدرسين والقضاة ، وغيرهم من المسلمين ، والله ولي التوفيق.
من كتاب / (مسئولية طالب العلم ، ص 27ـ 31 لسماحة الإمام عبدالعزيز بن باز- رحمه الله تعالى -). ط دار الإمام أحمد.