رم سليم
البرامكة وزراء العهد العباسي مثلما نعرف ، والبرامكة لازالوا في الذاكرة البغدادية ، فقد تعودنا ان نقول للكريم ( الخواردة ) برمكي ، وهي إشارة الى الغنى والكرم وطيبة النفس في آن واحد ، وما يُذكرني بالبرامكة هؤلاء هي غربتي والشعور بالوحدة وابتعاد الناس عن بعضهم بسبب وبدون سبب حيثُ تقطعت اوصال العلاقات الحميمية التي عهدناها في مجتمعنا ، وحينما عزمت على شراء دار للخلاص من عقدة الإيجار تفاجأت بأن العديد من ابناء آدم من الذين اعرفهم ومن آخرين سارعوا لعرض خدماتهم عليّ وكثُر الناصحون لي حتى ساقتني تلك المواقف النبيلة الى ان العن نفسي على سوء الظن ، واشتريت الدار وكنتُ زبوناً خفيفاً إقتنعت بما رأيت ومن ثم إقتنيت ، وما ان سكنت حتى جاء من أبدى حرصه على حياتي ورغبته بالتأمين عليها وكأني اديسون مخترع الضوء في زمانه ! ، وحينما قلت له لاداعي يا اخي فلم يبقى من العمر اكثر مما مضى أصرَّ عليّ قائلاً اذا لم يكن من اجلك فمن اجل اولادك من بعدك . . قلت مع نفسي هذه الحميمية التي أنشد . . الحمد لله لاغربة بعد اليوم ، وهناك من أخذ يحرص على تهنئتي في كل عيد ومناسبة جميلة ويحرص على ارسال الهدايا التي تُفرحني حقاً رغم بساطتها حيث كانت تعني لي الشئ الكثير ، وهناك مَنْ طرق الباب طالباً فحص كل نقطة كهرباء خوفاً عليّ من الصعقة الكهربائية ، وشكرت له موقفه هذا خوفاً من صعقة ( جيبية ) محدودة التأثير على الموازنة العامة للشهر، وهناك من عرض عليّ ان يُبدل السخّان رغم انه كان جديداً كما تثبت اوراق الدار ، ولكن قد يكون حريصاً عليّ ان اتنعم بماء دافء في شتاء كندا الطويل ، والقائمة تطول من تفاصيل ( النعومة ) في التعامل وفي عرض الخدمات الجليلة . . ولكن وللأسف إكتشفتُ ان هذه الخدمات والطريقة في توثيق العلاقات الاجتماعية ماهي إلا تطبيقاً حرفياً لدروس تؤخذ ضمن ( كورس ) البزنس ! يتلقاها مَنْ يطلب إجازة العمل في ذلك النوع من الاعمال ، حيث يُفترض ان الشخص الذي يطلب خدمة ما بالتأكيد له اولاد وله اصدقاء وله وله . . الخ لا بل هو ايضاً ممكن ان يطلب التغيير بعد فترة ليست بالطويلة وبهذا الشكل فأن ( البزنس ) سينمو ويكبر بعد ان إستعان صاحبه بتوثيق تلك العلاقات ولا شأن له بكل ما تعنيه عبارة العلاقات الإجتماعية والغربة وغيرها ، وان هذا التودد وهذه البرمكة لاشأن لها كذلك بذلك النوع من العلاقات التي اصبحت في نظر البعض ليست بأكثر من رومانسيةٍ رثّة ، وإنما ما يُحرك هذا التودد المزيف إنما هي تلك المصالح العنكبوتية المالية والتجارية ، وهي بعيدة كل البعد عن صفاء الروح البشرية ولاتنصت الى وجيب القلب وحرارة العاطفة ، انها حميمية من نوع آخر تُمارس في أمكنة باردة ومصطنعة ومجوفة من الداخل ، انه حب في مطار الدولار ، وهذا هو الكنز العاطفي الذي يحمله الكثيرون منا بين ضلوعهم خوفاً عليه من الضياع ، عندها تذكرت الشاعر البغدادي ملا عبود الكرخي حينما يقول :
مدعبل وتمشي عنبكي مخربط سفيه وحولكي
آني عبالي برمكي بياع شراي . . وفطن
أعزائي القراء : نعتذر عن عدم نشر ردودكم على جميع المقالات ! وذلك نتيجة تصرفات أحد المعتوهين مع الموقع حيث أصابه بخلل فني ، لذا إقتضى التنويه
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
2009-12-19, 12:58
من يعرف اصل برمكي
العرض العادي
