الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
- قال الإمام محمد بن الحسين الآجريّ-رحمه الله- :
( لم يختلف العلماء قديماً وحديثاً أنَّ الخوارج قوم سوء ، عصاة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن صلوا وصاموا ، واجتهدوا في العبادة ، فليس ذلك بنافع لهم ، وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وليس ذلك بنافع لهم ، لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون ، ويموهون على المسلمين . وقد حذرنا الله عز وجل منهم ، وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم ،وحذرناهم الخلفاء الراشدون بعده ،وحذرناهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان رحمة الله تعالى عليهم .
والخوارج هم الشراة الأنجاس الأرجاس ،ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج يتوارثون هذا المذهب قديماً وحديثاً ،ويخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمين .
وأول قرن طلع منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم ،وهو يقسم الغنائم بالجعرانة ، فقال : اعدل يا محمد ، فما أراك تعدل ، فقال صلى الله عليه وسلم : ويلك ، فمن يعدل إذا لم أكن أعدل ؟ فأراد عمر رضي الله عنه قتله ، فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم من قتله ، وأخبر عليه الصلاة والسلام : أن هذا وأصحاباً له يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يمرقون في الدين كما يمرق السهم من الرمية ، وأمر عليه الصلاة والسلام في غير حديث بقتالهم ، وبين فضل من قتلهم أو قتلوه .
ثم إنهم بعد ذلك خرجوا من بلدان شتى ، واجتمعوا وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حتى قدموا المدينة ، فقتلوا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه .
وقد اجتهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن كان في المدينة في أن لا يقتل عثمان ، فما أطاقوا ذلك .
ثم خرجوا بعد ذلك على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولم يرضوا بحكمه ، وأظهروا قولهم ، وقالوا : لا حكم إلا لله ، فقال علي رضي الله عنه : كلمة حق أرادوا بها الباطل ، فقاتلهم علي رضي الله عنه فأكرمه الله عز وجل بقتلهم ،وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بفضل من قتلهم أو قتلوه ، وقاتل معه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم . فصار سيف علي بن أبي طالب في الخوارج سيف حق إلى أن تقوم الساعة ) اهـ ( من كتاب الشريعة 1/325- ط الدميجي ).
خرجوا على عثمان ثم على علي ثم من بعدهم:
قال الشيخ المحدث ربيع بن هادي المدخلي في تعليقه على كلام الإمام الآجري:
"الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله وصحبه و من اتّبع هداه .
بدأ المؤلف كتابه هذا بدعوة المسلمين إلى الاعتصام بكتاب ربهم و سنة نبيهم صلى الله عليه و سلم و ساق في ذلك آيات و أحاديث , و ثنّى بوجوب لزوم السنة , وثلّث بتحريم الفرقة و الاختلاف , و الآن بدأ يذكر أول طائفة فارقت المنهج الإسلامي وخرجت على أمّة الإسلام و على ولاة أمور المسلمين , عثمان ثم عليّ ثم من بعدهم ."
تعلق الخوارج بقضايا الأموال منذ ذرّ قرنهم إلى اليوم:
قال الشيخ ربيع حفظه الله:
"فهذا ذو الخويصرة أول شيء أنكره على الرسول صلى الله عليه و سلم و طعن في عدالته قضية المال , والخوارج وخاصة في هذا العصر يتعلقون بقضايا الأموال , والرسول أخبر أنّ ولاة الأمر يستأثرون بالأموال و المناصب , فأمر بالصبر عليه الصلاة و السلام , أخبره الله أنّ الولاة يستأثرون بالمال و بالمناصب و أول ما وصّى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصبر على الأثرة أصحابه من الأنصار .
فأهل السنة ما يثيرون قضية مال , قضية عدالة ,و قضية شيء ...الخ , بل يصبرون حتى يروا الكفر البواح كما أمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم , فأول رئيس للخوارج بدأ يدندن حول الاقتصاد , والخوارج الآن في عصرنا : إحصائيات للأموال وعدّها من البترول وكذا وكذا وكذا ... و يُهَيِّجون الناس بهذه القضايا و يتظاهرون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما هو شأن الخوارج , هذه طريقتهم , أول ما خرجوا في عهد عثمان في مصر و في غيرها بدؤوا يهيّجون الناس على الخليفة بالمناصب وبالأموال و بكذا و بكذا و ... و يتظاهرون بالغيرة على الإسلام و الأمر بالمعروف , فالتاريخ يعيد نفسه كما يقال فالأمور و القضايا التي يدندن حولها الخوارج منذ ذرّ قرنُ فتنتهم , هي هي إلى يوم القيامة , هي نفسها الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قضايا المال و قضايا المناصب و هذه الأشياء ."
الصبر على ولاة الأمر وإن جاروا هو أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو منهج أئمة السنّة بعده:
قال الشيخ ربيع حفظه الله:
"الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا بهذه الأشياء كلّها , الرسول الرحيم المجاهد الذي لا يطيق الباطل أبدا ينظر إلى ما يصلح المسلمين و إلى ما يفسدهم و يرجح بين المصالح والمفاسد , فظلم الحكام و انحرافهم مفسدة كبيرة لكن الرسول أمر بالصبر عليهم مهما بلغ فسادهم إلى أن يخرجوا من دائرة الإسلام خروجا واضحا لا غبار عليه و لا ضباب . الرسول غيور على الدين , بل هو أكثر الناس غيرة بعد الله على محارمه , و مع ذلك يأمر بالصبر عليه الصلاة و السلام , وأهل السنة و الجماعة من عهد الصحابة إلى يومنا هذا موقفهم لا يختلف ولا يخرج عن توجيهات الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام الذي أخبر بانحراف الحكام وأمر بالصبر عليهم .
فعن عوف بن مالك الأشجعي-رضي الله عنه- قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
(خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ,ويلعنونكم قالوا قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة لا ما أقاموا فيكم الصلاة ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة )
صحيح مسلم (3/1482) .
موقف السلف الصالح من أئمة الظلم:
قال الشيخ ربيع حفظه الله
"الصحابة -رضوان الله عليهم- رأوا انحراف الحجاج ,عبد الله بن عمر و جابر وأبو سعيد , وأنس بن مالك أمثالهم , و رأوا انحراف يزيد , فما كانوا يزيدون على أن يأمروا الأمّة بالصبر , وبعض الناس خالفوا الصحابة , خالفوهم و ثاروا , فأريقت الدّماء و انتهكت الأعراض و حصل من المفاسد ما لا يعلمه إلاّ الله تبارك و تعالى , حتى القراء خرجوا و لكنهم ندموا بعد ذلك ."
الخوارج يرمون أهل السنة بالعمالة للحكام والجوسسة و خزعبلات وكلام فارغ:
قال الشيخ ربيع حفظه الله
"تحريم الخروج ليس عمالة و لا جاسوسية كما يقوله الخوارج الآن , وإنّما هو امتثال لأوامر الله و سيراً على منهج الله و المنهج الذي شرعه هذا الرسول الكريم و سار عليه أئمة الهدى في كل زمان و مكان .
أحمد بن حنبل , الحاكم والخليفة في زمانه أعلن الدعوة إلى القول بخلق القرآن وهو كفر , يأتيه العلماء يستشيرونه في الخروج فيأبى , يقول هذا سيهلك المسلمين , سيضر بالمسلمين سيسفك دماءهم و ينتهك أعراضهم و كذا و كذا و أبى الخروج .
هل أحمد بن حنبل عميل ؟ هل هو جاسوس ؟ !
لقد سُجن و ضُرب , و سجن إخوانه , وامتحنوا أشدّ الامتحان , وقتل بعضهم وهو مع ذلك كلّه يأمر بالصبر .
هذا هو المنهج الصحيح , حتى لو ظهر الكفر البواح و في خروجك ضرر بالمسلمين لا تخرج , إذا كانت المفسدة أكبر من المصلحة و لو كان كافرا كفرا بواحا , مادام الخروج يضر بالمسلمين و يؤدي إلى سفك دمائهم و انتهاك أعراضهم فلا تتسبب في هذه المفاسد. فأهل السنة و الجماعة ملتزمون بهذا المنهج , لا من منطلق عمالة و جاسوسية وكلام فارغ كما يصفهم أعداء السنة و أعداء هذا المنهج . "
غلوّ خوارج زماننا في الحاكمية ورثوه من إمامهم ذي الخويصرة ومن خرج من ضئضئه :
قال الشيخ ربيع حفظه الله
"و الشعارات اليوم هي شعارات ذي الخويصرة ومن بعده .
ذو الخويصرة انتقد الرسول صلى الله عليه و سلم في المال و أتباعه الذين خرجوا من ضئضئه انتقدوا عليا في الحكم و المال , وخوارج اليوم حرّفوا الدين كله وحصروه في الحاكمية , التوحيد نسوه تماما و أنسوا الناس عنه , و أغفلوا الناس عن الشرك و عن السحر و البدع و الضلالات التي تنخر في كيان المسلمين وقد يهلك كثير منهم فيدخل النار -والعياذ بالله-.
و لا يمسّون هذه العقائد المنحرفة التي حاربها الرسل عليهم الصلاة والسلام , و بدؤوا بحربها. همّهم الوحيد الحاكمية , الحاكمية , وإذا حاربوا العلمانيين وغيرهم , إنّما يحاربونهم من أجل التنافس على الكراسي ,يحاربون من يصارعهم على الكراسي ,العلمانيون يريدون كراسي وهم يريدون كراسي ,فيشتدّون على العلمانيين إذا حاربوهم على الكراسي ,وإذا اتفقوا يتحالفون معهم و يتعاونون معهم ومع غيرهم من شيوعيين و نصارى و مع كل نحلة , هذا واقعهم الآن للأسف .
أمّا أهل السنة فثابتون على منهج معيّن , في عقيدتهم , في منهجهم , في تعاملهم مع أهل البدع , في تعاملهم مع الحكام , ينطلقون في ذلك كلّه من منهج صحيح , هذا كتاب الله وهذه سنة رسول الله و هذا فقه السلف الصالح بيننا و بينهم - بارك الله فيكم - . فالآن شغلتهم الحاكمية و الحكام , والذي يُبَصِّر المسلمين و يدلهم على المنهج الصحيح - الذي يَسْلَمُ فيه دينهم و تسلم فيه أعراضهم , و تصان فيه دماءهم - هو جاسوس وعميل للغرب . "
نحن ما عندنا إلاّ كتاب الله وسنة نبيه بفهم السلف الصالح:
قال الشيخ ربيع حفظه الله:
"فنحن ما عندنا إلاّ كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم و ما انبثق عنهما من حقّ ومن فقه , نعضّ على ذلك بالنّواجذ كما أمرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالآن لوثّوا أهل السنة و شوّهوهم بهذه الطعون الخبيثة التي ما كانت تصدر من الخوارج ولا من الروافض , الخوارج الآن و الروافض لا يؤذون أهل السنّة كما يؤذيهم هؤلاء , فهم ورّاث للخوارج و الروافض و المرجئة في حرب أهل السنة , و يسمّون أنفسهم أهل السنة , و يسمّون أنفسهم سلفييّن !! والله لا يجتمع منهج سيد قطب و البنا و المودودي مع المنهج السلفي أبدا ,لا يجتمعان أبدا , لا يجتمع الضلال والهدى - بارك الله فيكم -
فافهموا يا أيّها الشباب , و عليكم بمنهج السلف الصالح , و الله لا تخرج الأمّة من مشاكلها و ما تعيش فيه من ذلّ و هوان إلاّ بالرجوع إلى كتاب الله و سنة الرسول و فقه السلف الصالح , في قضايا الخوارج و قضايا غيرهم – بارك الله فيكم – ."
أهل السنة متشبثّون بهذا عاضّون عليه بالنّواجذ لا نتزحزح عنه
قال الشيخ ربيع حفظه الله:
"فالحق في هذا كلّه , في قضايا السياسة و الصراع السياسي القائم الآن , أن نرجع إلى توجيهات الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم , و إلى فقه سلفنا الصالح فنتشبث به مهما طعنوا و مهما شوهوا , و سيجعل الله للحقّ و أهله فرجا و مخرجا .
(و لينصرنّ الله من ينصره إنّ الله لقويّ عزيز )
و الله إننّا لنبرأ من أخطاء الحكام و غيرهم ,و نحب من يطبق شريعة الله ,ونكره مخالفة هذه الشريعة ,ولا نؤيّد أيّ خطأ أبدا ,والرسول الكريم عليه الصلاة والسلام يقول -كما في حديث أم سلمة-
ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف بَرِئ ومن أنكر سَلِمَ ولكن من رضي وتابع . قالوا : أفلا نقاتلهم ؟ قال : لا ما صلوا ) صحيح مسلم (3/1480) .
فنحن ننكر المنكرات إن شاء الله بقدر ما نستطيع , بقلوبنا و بألسنتنا و بأقلامنا في حدود طاقتنا , و إذا عجزنا عن شيء ننكره بقلوبنا و لا نرضاه أبدا " و لكن من رضي و تابع " .
فنحن على هذا المنهج الذي وضّحه لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم وتركنا -في كل القضايا بما فيها قضايا الأمراء و الحكام - على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك .
فنحن إن شاء الله متشبثّون بهذا عاضّون عليه بالنّواجذ لا نتزحزح عنه , و لو كثرت سهام هؤلاء فإنّها طائشة إن شاء الله , و لن تصيب - إن شاء الله - إلاّ نحورهم في الدنيا والآخرة . "
البدع الكبرى و المنكرات العظمى عند الخوارج ليست بشيء أمام الحاكمية :
قال الشيخ ربيع حفظه الله:
و ذكر - الإمام الآجري - من عيوبهم : "و يظهرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "
كما هو حال الخوارج الآن , يدندنون كثيرا حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, لكن البدع الكبرى ليست منكرا عندهم , البدع الشركية التي ركّز أهل السنة عليها أكثر من المعاصي و قضايا الحكام , وركزوا على البدع , لماذا ؟ لأنّ الذي يقع في البدع الشركية شرّ من الحاكم المنحرف و شرّ من العصاة , لماذا ؟ لأنّ هذا يفسد دين الله و يحرفه و يقدمه للنّاس على أنّه دين الله , بينما الحاكم يقول : و الله أنا هذا أخذته من أوروبا وهذا من أمريكا وهذا ... ولا يقول لك : أخذته من عند الله , لكن هؤلاء يقولون دينهم من عند الله .
و لهذا أنا لفتّ أنظار المسلمين غير مرّة إلى : أنّ الله تبارك و تعالى لمّا أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم ما كان يقول له : كسرى , قيصر , النجاشي ... كما يقول هؤلاء الآن فلان و فلان و فلان , ما يقول هذا الكلام , وإنّما صبّ غضبه على اليهود الذين حرّفوا الدين , و على النصارى الذين حرفوا الدين و أفسدوا الرسالات . فهؤلاء المبتدعون المنحرفون الذي تؤدّي بهم بدعهم إلى الخروج من الإسلام , هم أخطر الأخطار على الإسلام , هؤلاء الخوارج الآن على صلح معهم , مع الروافض , مع الخوارج , مع غلاة الصوفية الباطنية , مع القبورييّن , ما شاء الله على صلح ووفاق , وقلّ ما يتعرّضون لهم , اللهمّ إلاّ من باب ذرّ الرماد في العيون , حتى يبقى لهم ستارة من ملابس أهل السنة , و إلاّ هم سائرون على طريقة الخوارج , على المنهج الذي رسمه لهم سيد قطب الذي يفسّر لا إله إلاّ الله بـ : لا حاكم إلاّ الله , ليس هناك إلاّ الحاكمية . جاريناهم على الحاكمية , وقلنا لهم : إذا قلنا بالحاكمية يجب أن نبدأ بالعبادة , يجب أن نبيّن للنّاس توحيد العبادة , نحارب الشرك الذي يقع فيه الحاكم والمحكوم , و نوجّه دعوتنا إلى الحكام و المحكومين , أوّل ما نصلح عقائدهم قبل أن نصلح سياستهم , نبدأ بإصلاح عقائدهم قبل إصلاح سياستهم كما فعل الأنبياء عليهم الصلاة و السلام . الأنبياء جاءوا و الحكام منحرفون.
ليس عندهم شيء من شرائع الإسلام ليسوسوا به أممهم , إنّما يسوسونهم بالأباطيل و الضلالات و الانحرافات التي تخالف منهج الرسل , ما جاءوا يقولون : و الله أنتم عندكم انحراف في الحاكمية , ولا حكم إلاّ لله , و تعالوا نصارعكم على الحاكمية , لا , إنما يبدؤون بالعقائد , بهداية الحاكم هذا إلى العقيدة الصحيحة .
يا أخي :
إذا صلحت عقيدة الحاكم و صلحت عقيدة المحكوم , استقامت الأمور , إذا صلحت عقيدته التزم أمر الله , عرف قدر الله و عظمته و جلاله و حقّه عليه , ومن حقوقه على عباده أن يحكموا بشريعته .
لكن تأتي تناوشه في الحاكمية , وتجمّع الشعب من خلفك , هذا خرافي و هذا رافضي و يمكن هذا نصراني وهذا يهودي , وهذا شيوعي , تجمع الشعب و تحشد الأمة وراءك فقط حتى تسقط هذا الحاكم لتصل إلى الكرسيّ , و إذا وصلت لن تطبق شريعة الله . و هذا قائم الآن , موجود لماذا ؟ لأنّ البداية فاسدة و النهاية أفسد . قد يبدأ الإنسان بداية صحيحة و ينحرف , كيف إذا كان من البداية منحرفا , ماذا ينتظر منه ؟
فالانحراف عن دعوة الأنبياء انحراف خطير كبير جدّا . هل أنت أعلم من الله ؟ هل أنت أعلم من الأنبياء ؟ هل أنت أحرص على سعادة الأمة من ربّ العالمين و من رسول ربّ العالمين و من الأنبياء أجمعين ؟ هذا منهج واضح في القرآن , عرضه الله من عهد نوح إلى عهد محمد صلى الله عليه وسلم , ما اختلف فيه الأنبياء أبدا ( و ما أرسلنا من رسول إلاّ نوحي إليه أنّه لا إله إلاّ أنا فاعبدون ) .
حريصون على الكراسي وشعارهم أم الكفر من ديمقراطية وحرية :
قال الشيخ ربيع حفظه الله:
الآن هؤلاء كلهم حريصون على الكراسي , ويسلكون طرق فظيعة جدا للوصول إلى الكراسي بطريقة " ميكيافلي " وغيرها من الطرق السيّئة , فكيف يؤتمن هؤلاء على أموال المسلمين ودمائهم وأعراضهم وهذه هي أهدافهم ؟! وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه و سلم سوء نيّة من يبدأ من هذا المنطلق , فيجب أن يحذرهم الناس و يتهموهم , ولا يقولوا : و الله لا ندخل في نوايا الناس !! مادام أعماله هكذا واضحة مخالفة لمنهج الرسول صلى الله عليه و سلم , من الحرص الشديد على الكراسي والدعوة إلى الديمقراطية و تعدد الحزبية , و يؤيّد كلّ هذه الضلالات التي جاءت من الغرب الذي يتظاهرون بحربه !! بدع الغرب و ضلالاتهم , من ديمقراطية و غيرها , هم أول الناس ركضا إليها , وأكثر الناس حرصا عليها , وأكثر الناس تشبثا بها , أين حربكم للغرب ؟
أُمُّ الكفر هي الديمقراطية , وهم ما شاء الله , روح الإسلام عندهم .
كم من الكفريات تنبثق من الديمقراطية و هم يطبلون لها إرضاء للغرب , و تحقيقا لأهداف الغرب .
هم يروّجون الآن بضاعة الغرب في بلاد المسلمين , كيف تحاربون الحكام في السياسة المنحرفة و أنتم تدعون إلى قاعدة الانحراف هذه ؟!
هؤلاء الحكام المنحرفون الآن عندكم ما انحرفوا إلاّ بالديمقراطية هذه , فكيف تؤيّدونها ؟ كلام فارغ - بارك الله فيكم - ."
الخوارج الأوائل كان هدفهم المال والحكم والتاريخ يعيد نفسه:
قال الشيخ ربيع حفظه الله:
"الشاهد :
أنّ الخوارج الأوائل كان تعلقهم بالمال والحكم , و هؤلاء اليوم نفس الشيء متعلقون بالاقتصاد و بالحكم , فترى دندنتهم حول الاقتصاد , و يتخصصون في الاقتصاد ويتخصصون في السياسة , و لا يعرفون فقها إسلاميا , و لا يعرفون عقيدة , و إذا عرفوها همّشوها , و هكذا نفس البلاء . "
يقولون عن السلفيين عملاء وجواسيس لأنهم ينظرون إليهم من مذهب الخوارج:
قال الشيخ ربيع حفظه الله:
"لو أخذت بمنهج السلف الأولين , منهج أحمد و ابن تيمية و غيرهما , لالتقيت مع إخوانك الذين تسميهم جواسيس وعملاء , إذا نظرت إليهم من خلال هذا المنهج تبددت هذه التهم الكاذبة , ولكن أنت تنظر إلى السلفيين من خلال مذهب الخوارج , و تنظر إليهم من خلال سياسة الغرب و تنظر إليهم من مِنظارات خبيثة , فترى صورتهم شوهاء , لكن لو نظرت إليهم من منظار هدي محمد صلى الله عليه وسلم , ومن خلال ما كان عليه السلف لوجدتهم أحسن الناس صورة , و أنّهم هم أهل الحقّ , و أنّك أنت على ضلال وانحراف , سواء في العقيدة أو العقيدة و المنهج .
و الذي ينحرف في المنهج فقد وقع في انحراف خطير .
- وقلنا :
إنّ الخوارج الذين قتلهم علي -رضي الله عنه - و أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتلهم لم يكن عندهم تعطيل في الأسماء و الصفات , فهم في باب الأسماء والصفات على منهج السلف وعلى منهج الصحابة و على منهج القرآن .
وكذلك ما كانوا يعبدون القبور , فهم في توحيد العبادة و في مفهوم لا إله إلاّ الله على منهج السلف , و على ما جاء به القرآن , و مع ذلك لمّا انحرفوا في الفهم أمر الرسول صلى الله عليه و سلم بقتلهم , وسمّاهم شرّ الخلق والخليقة , و لو أدركهم لقتلهم قتل عاد و إرم , ووعد بالثواب الجزيل لمن قتلهم , و هم أقلّ انحرافا من هؤلاء , هؤلاء عندهم انحراف عقائدي و انحراف منهجي و انحرافات كثيرة - بارك الله فيكم - . "
اتباع الخوارج للهوى والتلبيس:
قال الشيخ ربيع حفظه الله:
"إعلانهم بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ليس بنافعهم , لماذا ؟ " لأنّهم يتأوّلون القرآن على ما يهوون " أي و الله هذا موجود " و يموهون على المسلمين " ما شاء الله , إيش يأتي تمويه الخوارج في العهد السابق من تمويه هؤلاء الآن .
المعاصرون تخصصوا في التمويه , و عندهم دربة هائلة في التمويه و التلبيس . نفس المرض موجود وهو : سوء الفهم لكتاب الله و سنّة الرسول صلى الله عليه و سلم والتمويه , وكل ذلك ناشئ عن الهوى – والعياذ بالله - . "
الخوارج توارثوا هذا المذهب قديما و حديثا :
قال الشيخ ربيع حفظه الله:
"فعرّف المصنف الخوارج فقال : " ... الخوارج و من سار على دربهم إلى يوم القيامة يتوارثون هذا المذهب قديما و حديثا , و يخرجون على الأئمّة و الأمراء , و يستحلّون قتل المؤمنين " .
يعني يقولون لك -خوارج العصر- : بني أميّة و بني العبّاس كانوا مسلمين , أما حكام اليوم فهم كفّار .
يا أخي :
أنت ربّ المسلمين على التّوحيد قبل مصادمة الحكام , كفّارا أو مسلمين , ربّ المسلمين عل منهج الأنبياء , و سيتربّى الحاكم و المحكوم على هذا المنهج , و غايتك التي تنشدها ( الوصول إلى الكرسيّ ) وإن كانت غير محمودة , يمكن أن تصل إليها بسهولة , أسهل من الطريق التي تسلكها أنت الآن .
أولا : تحقق شيئا ينفع المسلمين .
و ثانيا : تحقق غايتك التي أنت تطمح إليها , و هذا الطريق أسهل و أيسر . و أمّا من أول مرة تناوش الحاكم , فيحصل ما حصل في سوريا , و يحصل ما حصل في مصر و ما حصل في العراق و ما حصل في الجزائر و ما حصل من الدمار والدمار على هذه الأمّة , كلّ هذا الدمار لصالح أعداء الإسلام , لا ينفع الإسلام و المسلمين بشيء . ابتعدوا عن قاعدة الأنبياء , و قاعدة قواعدهم التوحيد , و كل ما جاء به الأنبياء عليهم الصلاة و السلام إنّما كان يخدم هذا التوحيد , فابدأ به يا أخي , سر على نهجهم و يحقق الله لك ما تريد
( وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم ... ) الآية .
فنسأل الله تبارك و تعالى أن يوفق المسلمين جميعا حكّاما و محكومين أن يهتدوا بهدي الكتاب و السنة و أن يتّبعوا سنن الخلفاء الرّاشدين المهدييّن و من سلك سبيلهم إلى يوم الدّين .
وصلى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ."
المصدر
من موقع الشيخ ربيع حفظه الله في التعليق على باب من كتاب الشريعة للإمام الآجريّ : ( ذمّ الخوارج وسوء مذاهبهم وإباحة قتالهم وثواب من قتلهم أو قتلوه )
https://rabee.net/show_book.aspx?pid=5&bid=165&gid=