ومرة بعد مرة ..تلطمني نفسي...لأجدني في واد سحيق..
بين دفاتري..أجلس محطّم الرؤية ..أتوق لكلمة بيضاء تنير صفحتي الحالكة...يكشر قلمي عن أنياب متوعدة..تتفتح صفحات التيه أمامي ..يتدفق ينبوع البرد ..يجرفني.. إلى وجوه بني لوني ..تأخدني ..تحاصرني ..تتوعدني....ترتفع درجة حنقي..أقذف القلم بعيدا..أمزق الورقة ممتعضا..أغور بوجهي مندحرا ...بعد أيام يعود وديعا..يستعطفني ..أحمله برهبة الوجوه النائمة تحته ..إلى ضياع في غياهب حرف ...وأكتب..
كان قدرا..أن يكتب..وكأنه أيضا ..كان قدرا أن يتعلق بأجراس الكلمة المعذبة ..يحمل في ذهنه فانوسا مظلما.. الكلمة عنده سوداء تتدثر بمعنى وتغرق في ألف تأويل..وتنوح تحت بوحها أيام التيه بلامعنى ....
..عن عذاب الحب..ومشانق النكران ..والوطن تابوت لأجساد زينها الطعن من الخلف والأمام..وتركها للريح والمآسي ..تنثر دمعا منسيا على حوافي الشفة الموؤودة ..تغترف من عالمها فوضوية الليل والجنون..
بأمانة ..بزيف..يترصد حكايات الليل والوطن..جرح مسجّى على جرح في تناغم فريد..ما أكبر الوطن..وما أكبر ليله ...سكنته كل جنائزالبشر ..يخطها عابرا لحظات ممزوجة بالخيبة ..باليأس..يجتر ذكريات مهترئة ..ومواقف شهدها بعين ..وألف رؤية..
ذات يوم.. نبت من دون أن يدري..سؤاله الملحمي...لماذا يكتب..؟ ولماذا يكشر له القلم ..وتنوء الكلمات في السواد والجنائز..
بين أكداس الواقع المبكي..حمل عود الثقاب -كما لم يحمله يوما-..كدّس أوراق عمره المنثور ..وقف مثل نيرون في وقفة احراق روما القديمة..انطلقت الشرارة ..شرارة ملحمته..لحظة فاصلة..لم يتوقف فيها الزمن..بين حلم الغوص في خرف الحروف..والعودة بخيبة من مداده..
ياابن لوني ..لست الذي ينطق صوتك المخنوق ..ياابن لوني ها أنا أدفع عن نفسي لعنة التعلق بجرس دموعك ..
ياابن لوني أنا فاشل في صعود كل الدروب.. فاقبلني مستقيلا وبجمر الدمع أمضي..