فتاوى العلماء في تحريم المضاهرات والاعتصامات الرجالية والنسائية
بسم الله الرحمن الرحيم
1- فتوى الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله تعالى: قال رحمه الله "فالأسلوب الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق، والأسلوب السيء العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله أو إثارة القلاقل والظلم والعدوان والمضاربات ويلحق بهذا الباب ما يفعله بعض الناس من المظاهرات التي تسبب شرا عظيما على الدعاة، فالمسيرات في الشوارع والهتافات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبات بالتي هي أحسن فتنصح الرئيس، والأمير وشيخ القبيلة بهذه الطريقة، لا بالعنف والمظاهرة، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكث في مكة 13 سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم، ولا شك أن هذا الأسلوب يضر بالدعوة والدعاة، ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على معاداتها ومضادتها بكل ممكن، فهم يريدون الخير بهذا الأسلوب ولكن يحصل به ضده، فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم ولو طالت المدة أولى به من عمل يضر بالدعوة ويضايقها، أو يقضي عليها، ولا حول ولا قوة إلا بالله" أ. هـ مجلة "البحوث الإسلامية" العدد 38 ص 210.
وسئل ـ رحمه الله ـ هل المظاهرات الرجالية والنسائية ضد الحكام والولاة تعتبر وسيلة من وسائل الدعوة؟ وهل من يموت فيها يعتبر شهيدا في سبيل الله؟
فأجاب ـ رحمه الله تعالى "لا أرى المظاهرات النسائية والرجالية من العلاج ولكنها من أسباب الفتن، ومن أسباب الشرور ومن أسباب ظلم بعض الناس والتعدي على بعض الناس بغير حق. ولكن الأسباب الشرعية المكاتبة والنصيحة والدعوة إلى الخير بالطرق السلمية، هكذا سلك أهل العلم وهكذا أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأتباعهم بإحسان، بالمكاتبة والمشافهة مع المخطئين ومع الأمير والسلطان، بالاتصال به ومناصحته والمكاتبة له دون التشهير في المنابر وغيرها بأنه فعل كذا وصار منه كذا، والله المستعان" نقلا عن شريط بعنوان مقتطفات من أقوال العلماء.
2- فتوى فضيلة الشيخ العلامة محمد بن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ سئل ـ رحمه الله تعالى ـ هذا السؤال: هل تعتبر المظاهرات وسيلة من وسائل الدعوة الشرعية؟
فقال ـ رحمه الله ـ "الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن المظاهرات أمر حادث، لم يكن معروفا في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا في عهد الخلفاء الراشدين ولا عهد الصحابة ـ رضي الله عنهم.
ثم إن فيه من الفوضى والشغب ما يجعله أمرا ممنوعا حيث يحصل فيه تكسير الزجاج والأبواب وغيرها. ويحصل فيه أيضا اختلاط الرجال بالنساء والشباب بالشيوخ وما أشبه من المفاسد والمنكرات، وأما مسألة الضغط على الحكومة فهي إن كانت مسلمة فيكفيها واعظا كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا خير ما يعرض على المسلم، وإن كانت كافرة فإنها لا تبالي بهؤلاء المتظاهرين وسوف تجاملهم ظاهرا وهي ما هي عليه من الشر في الباطن، لذلك نرى أن المظاهرات أمر منكر.
وأما قولهم إن هذه المظاهرات سلمية فهي قد تكون سلمية في أول الأمر أو في أول مرة ثم تكون تخريبية، وأنصح الشباب أن يتبعوا سبيل من سلف فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أثنى على المهاجرين والأنصار وأثنى على الذين اتبعوهم بإحسان" انظر: "الجواب الأبهر" لفؤاد سراج ـ ص 75.
وفي سؤال ثان حول المظاهرات، ولو أذن بها الحاكم.؟
أجاب فضيلته: عليك باتباع السلف، إن كان هذاموجود عند السلف فهو خير، وإن لم يكن موجود فهو شر، ولا شك أن المظاهرات شر، لأنها تؤدي إلى الفوضى لا من المتظاهرين ولا من الآخرين،وربما يحصل فيها اعتداء إما على الأعراض وإما على الأموال، وإما على الأبدان لأن الناس في خضم هذه الفوضوية قد يكون الإنسان كالسكران ما يدري ما يقول ولا ما يفعل.فالمظاهرات كلها شر، سواء أذن بها الحاكم أو لم يأذن وإذن بعض الحكام بها ما هي إلا دعاية وإلا لو رجعت لما في قلبه لكان يكرهها أشد الكراهة، لكن يتظاهر كما يقولون إنه ديمقراطي. وأنه قد فتح باب الحرية للناس وهذا ليس من طريق السلف. (عن شريط / لقاء الباب المفتوح ( الجلسة الثانية )
3- وسئل الشيخ صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ هل من وسائل الدعوة القيام بالمظاهرات لحل مشاكل الأمة الإسلامية؟ الجواب: ديننا ليس دين فوضى، ديننا دين انضباط، دين نظام ودين سكينة، المظاهرات ليست من أعمال المسلمين وما كان المسلمون يعرفونها، ودين الإسلام دين هدوء ودين رحمة لا فوضى فيه، ولا تشويش ولا إثارة فتن، هذا هو دين الإسلام والحقوق يتوصل إليها دون هذه الطريقة بالمطالبة الشرعية والطرق الشرعية، هذه المظاهرات تحدث فتنا، وتحدث سفك دماء وتحدث تخريب أموال فلا تجوز هذه الأمور" أ. هـ "الإجابات المهمة في المشاكل الملمة" ص 100.
4- فضيلة الشيخ على حدادي وهو من طلبة العلم الأقوياء
هذه عبارة عن خطبة جمعة
أمابعد:
فإن من القضايا التي أشغلت الناس في هذه الأياموأخذت متابعتها كثيرا من أوقاتهم ومجالسهم ما يتعلق بثورة الشعوب على الحكومات منخلال المظاهرات والاحتجاجات.
ولما كانت هذه القضية من أخطر القضايا المعاصرة كانعلى المسلم أن يعلم الحكم الشرعي في مسالة علاقة المحكوم بالحاكم وكيفية التعامل معأخطائه حتى يعبد ربه على بصيرة ومساهمة في إيضاح هذه القضية اذكر نفسي وإياكم بمايلي:
أولاً: إن من أصول أهلالسنة والجماعة وعقيدتهم أنهم يرون السمع والطاعة لأولي الأمر في غير معصية اللهلقول الله تعالى (يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعواالرسول واولي الامر منكم) وأن هذه الطاعة واجبة له حتى لو كان في نفسهفاسقاً فاجراً وفي سياسته ظالما جائرا ما دام أنه في دائرة الإسلام لم يخرج منهابالكفر البواح وذلك لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ علىأصحابه البيعة أن يسمعوا ويطيعوا لأولي الأمر في المنشط والمكره واليسر والعسر وعلىأثرة عليهم وأن لا ينازعوا الأمر أهله ما لم يروا كفروا بواحا وفي صحيح مسلم(تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضربَ ظَهْركَ وَأخذَ مَالكَفَاسْمَعْ وَأَطِعْ) وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أمراء يمنعون الرعيةحقوقهم أي كيف يكون التعامل معهم فقال(اسْمَعُوا وَأَطِيعُوافَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ) رواهمسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم (إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةًوَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَأَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ) رواهالبخاري.وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ستكون أمراء يستأثرون علىالرعية بالحظوظ الدنيوية ثم أمر بالصبر على جورهم وظلمهم حتى يلاقوه علىالحوض.
وهذه الأحاديث الصحيحة يتلقاها أهل السنة والقلوب المطمئنة وأهل التسليملله ولرسوله صلى الله عليه وسلم بصدور منشرحة لا يعترضون عليها بارئاهم ولا بعقولهمولا بثقافاتهم لا يقولن إن هذا المنهج يربي على الذل والهوان والخنوع ولا يقولون إنهذا المنهج يجرئ الحكام على المزيد من الظلم ولا يقولون إن الشعوب الفلانية أخذتحقها بالقوة فنجحت وتطورت وترقت ..
بل يقولون كما أدبهم ربهم في قوله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُوَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْيَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا(36) [الأحزاب : 36]
وفي قوله تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَفِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّاقَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) [النساء : 65]
إن المؤمن الصادق هو الذييسلم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فإن أدرك الحكمة من الحكم زاده ذلك طمأنينهوإن لم يدرك الحكمة فإنه على يقين أنه لا حكم أحسن من حكم الله ولا أعدل ولا ارحممنه
( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون(
أما اهل الأهواء فلا يقبلون من النصوص والشرع إلا ما وافق أهواءهموأما ما يخالفها فيردونها بانواع الشبه والاعتراضات والعياذ بالله.
ثانياً:
لقد أمر الشرع ببذل النصحللحاكم حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله قاللله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم فالحاكم يخطيء ويجهل ويقصر جهلاً أوعمداً ومن حقه على رعيته أن تنصح له وأن تبصره بمواقع الخلل في دولته وسياسته ولكنبالطريقة الشرعية التي تقوم على الخفاء والإسرار لا بالتشهير والإعلان كما فيحديث (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية).ومقامالنصح للحاكم بين يديه لا من وراء ظهره وبقصد النصح لا بقصد منازعته للحكم من افضلالجهاد وفيه يقول صلى الله عليه وسلم (افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) رواهأبو داود وغيره.
فإن قبل الحاكم النصيحة فالحمد لله وإن لم يقبلها كان الناصحقد أدى الذي عليه ووقع أجره على الله إن كان صادقا مخلصا لله ومن ظلم واساء فله ربيحاسبه ويجازيه.
وبهذا المنهج نجمع بين مصلحتين الأولى تبرئ الذمة ببذل النصحوالثانية السلامة من اسباب الفتن التي تنشأ عن الإنكار العلني لأن الإنكار العلنييفضي إلى الاختلاف والشقاق والنزاع بين الراعي والرعية.
نسأل الله أن يديمأمننا واجتماع كلمتنا وأن يلح أحوال المسلمين في كل مكان أقول هذا القول وأستغفرالله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
أما بعد:
فقدسمعنا في الخطبة الأولى التوجيهات النبوية في طريقة الإصلاح ومن هنا ندرك أن اتخاذاسلوب العنف في الاعتراض على الحكام من خلال الاحتجاجات العلنية المسيراتوالمظاهرات أنه اسلوب غير مشروع وذلك لأسباب كثيرة:
منها أنه أسلوب لم يأمر بهالله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا سبق إليه السلف الصالح وما كان هذا صفته فلايكون خيرا
ثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمناالطريقة الشرعية لمناصحة الحاكم واستصلاحه ولم يذكر لنا هذا الأسلوب فدل على أنهعمل غير مشروع.
ثالثا:
أن هذا الأسلوب من أساليبالإنكار مأخوذ عن النصارى وأمثالهم فليس هو من طرق المسلمين وفي الحديث (ومن تشبهبقوم فهو منهم)
رابعاً:
أن المظاهرات يصحبها عددإضافي من المنكرات كما هو مشاهد في وسائل الإعلام من السب واللعن والصياح والتدميروالإفساد والتحريق واختلاط اجساد الرجال بالنساء، ثم ايضا قد يسقط فيها عدد منالقتلى والجرحى والمصابين إلى غير ذلك مما يطول وصفه ولايخفى على أكثركم.
خامساً:
أن هذه المظاهرات غالبا ما تكون وراءها جهات خفيةتحرك العوام والرعاع تحتى شعار الفقر والبطالة ونحوها وكل القصد أن يتسلقوا علىظهورهم إلى تحقيق ماربهم ولذا لا تجد في كثير من هذه المظاهرات نفعا يذكر لا بإحقاقحق ولا بإبطال باطل ولا ظفرٍ بمطلوب ولا تخلصٍ من مرهوب.
ولهذه المفاسد وغيرهاحذر أئمة السنة منها كالشيخ ابن باز وابن عثيمين والألباني رحمهم الله وغيرهم من أهل العلم المعاصرين كسماحة المفتي والشيخ صالح بن فوزان وغيرهم.
ولم نسمع أحدايؤيدها ويطبل لها إلا عددا من دعاة الفتن المتأثرين بالمناهج الحركية التي لا تسعى إلا إلى الوصول إلى الحكم بأي طريق ممكن، لذا لا تسمع في تأييدهم لها آية محكمة ولاسنة ثابتة ولا منهاج سلف صالح، فاحذروهم ولا تغتروابشبهاتهم.