كنت قد كتبت المشاركة التالية في موضوع بعنوان ما الذي يدفع الرجل للخيانة .
اقتباس:
"و نفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها قد افلح من زكاها و قد خاب من دساها" و الخيانة هي أحد مظاهر هذا الفجور التي جبلت النفوس عليه لأن الإنسان تحكمه جملة من الغرائز الحيوانية . و هذه الصفات و السلوكات هي نتيجة ملايين السنين من التطور الذي انتهى بخلق الإنسان . فالانتخاب الطبيعي داخل النوع أدى إلى ظهور مجموعة من السلوكات تزيد من فرص انتقال الصفات الوراثية . و بصورة أخرى تتنافس الجينات فيما بينها لتحافظ على بقائها . و لهذا السبب يسعى الذكور بشكل غريزي و غير واعي إلى الالتقاء بأكبر عدد من الإناث لزيادة فرص انتقال صفاتهم الوراثية . و هذا النوع من التنافس ملاحظ بوضوح عند معظم الثدييات . في حين يكون سلوك الإناث أكثر انتقائية لان الأنثى لا تملك فرصة نقل جيناتها إلى عدة ذكور لأنها تستقبل الجينات الذكرية و تحمل الجنين و ترضعه و تعتني به حتى يكبر . لهذا السبب فالخيانة هي أمر طبيعي جدا من الناحية البيولوجية لأنها تزيد من فرص انتقال الصفات الوراثية للذكر و هذا هو الدافع اللاشعوري وراء هذا السلوك . و لهذا السبب يكون الرجال اقل تحفظا حول تعدد العلاقات في حين تكون الإناث أكثر حذرا .
هذا الانتخاب الجنسي مسألة تثبتها الدراسات و العامل الأساس الذي يحكمه هو الجينات . إذ تبين أن أفراد النوع الواحد لا يميلون إلى الأفراد القريبين منهم جينيا لان هذا يؤدي غالبا إلى جيل ضعيف . و بينت الدراسات أن الأفراد الأكثر تباينا من الناحية الجينية أكثر انجذابا لبعض و يتم ذلك بشكل غريزي عبر حاسة الشم فالأجسام تفرز مواد كيميائية تدعى الفيرومونات و هذه الأخيرة تزيد أثناء فترة الإخصاب عند الإناث و تؤثر على السلوك الجنسي للذكور و تبين الدراسات على الحيوانات و على الإنسان انه كلما كانت الجينات متباينة بين الذكر و الأنثى كلما كانت تأثير الفيرومونات و الانجذاب اكبر مما يؤدي إلى سلالة أقوى . كما أن الجينات هي التي تحكم سلوكاتنا اللاشعورية نحو الميل نحو الجنس الأخر بصفات معينة فالحوض الواسع عند الإناث مؤشر على قدرة الأنثى على حمل أفضل و ولادة أسهل و كبر الثديين دلالة علة قدرة الأنثى على تغذية الصغار و نظارة البشرة دلالة على الصحة الجيدة إلى غيرها من عوامل الجذب اللفيزيونومية و بما أن الجينات تحكم سلوكنا و توجهنا نحو الأفراد الأكثر تناسبا فهي أيضا تدفعنا لخلق أكبر عدد من فرص التبادل الجيني .
و عودة للخيانة من الناحية البيولوجية و مظاهرها السلوكية . فالرجل بسبب طبيعة وظيفته الجنسية أكثر انتهازية في علاقاته و أقل انتقائية مع النساء في حين أن الأنثى و بما أنها ضعيفة و عاجزة عن حماية نفسها و تحتاج لمن يرعاها أثناء مدة الحمل و يرعى أبنائها بعد ذلك فهي تفضل التريث قبل اختيار الرجل/الذكر المناسب و تكون معايير الإنتقاء عندها متناسبة مع ذلك فالإناث تميل أكثر للذكور الأصحاء ذوي البنية العضلية القوية و الحجم الكبير أي الأفراد الأقدر على حمايتهن و توفير الغذاء للصغار و في المجتمعات الحديثة تميل النساء للرجل الغني و في كلتا الحالتين يكون المعيار الأساسي للاختيار توفير الأمان للصغار . و لهذا الغرض طورت الإناث أساليب و أسلحة و تقنيات للإيقاع بالشخص المرغوب فيه و للاحتفاظ به . و لهذا السبب لا تسلم الأنثى نفسها بسهوله لأنها تعمل على بناء علاقة عاطفية قوية مع الشخص المطلوب و تستخدم كل الطرق لكسب تعاطفه و حبه . كما أن العلاقة العاطفية القوية -المودة و الرحمة- تسمح بتنشئة أفضل للصغار أي فرصا أفضل لانتقال الجينات و لهذا السبب أيضا تختلف غيرة الرجل عن غيرة المرآة , فالذكر يحرص أشد الحرص على ان يقرب أي ذكر اخر من أنثاه/إناثه في حين قد تقبل الأنثى/المرأة تعدد العلاقات للذكر/الرجل شرط ان لا يتخلى هذا الأخير عنها . و غيرة المرآة تركز على الجانب العاطفي بشكل اكبر فاكثر ما يثيرها هو ميل الرجل العاطفي لامرأة أخرى أكثر منها . في حين تثبت الدراسات أن النساء أكثر تسامحا مع الخيانة الغير عاطفية . لأن الأهم بالنسبة لها هو الاحتفاظ بالرجل التي يوفر لها الامان . في حين ان الاهم بالنسبة للرجل وفقا لسلوكه اللاواعي الذي تحكمه جيناته هو ضمان استمرار نسله .
و مع كل هذا فالنفس البشرية ملهمة أيضا على التقوى و الالتزام كما أن التكاليف الدينية لا تكون فوق طاقة البشر . و البشر توصلوا إلى أنظمة تسير مجتمعاتهم تقوم على تحكم الفرد في غرائزه الجنسية و العدوانية و حب التملك لصالح المجتمع إذ أن هناك التزاما أخلاقيا ضمني على احترام خصوصيات الآخرين و من بينها مثلا تحريم السرقة لان الشخص الذي لا يسرق يتوقع ان يلتزم الآخرون بنفس الأمر . و منها عدم الاقتراب من زوجة غيره . لكن هناك دائما من يخرق هذا العقد الاجتماعي لان الجانب البيولوجي منه يتغلب على الجانب الأخلاقي و الضمير الذي تفرضه الحياة الاجتماعية . ذلك ان الإنسان كائن اجتماعي بالضرورة و لا يستطيع العيش منفردا . و لهذا السبب تعمل الثقافة بمفهومها الواسع على السيطرة على غرائز الأفراد و تهذيبها و لهذا السبب نجد المجتمعات البدائية أكثر عنفا و وحشية و عدوانية في حين تعمل الثقافة على تغيير الإنسان و تقلل من سلوكه العدواني و الغريزي . و مشكلة الإنسان هو هذا الصراع الدائم بين دوافعه الغريزية الأنانية و بين متطلبات الحياة الاجتماعية فإذا كانت الخيانة هي المظهر السلوكي للغريزة البشرية فالوفاء و الالتزام الأخلاقي تدعمه الثقافة التي تميز الإنسان عن بقية الحيوانات . و بما ان الحياة الدنيا امتحان فمهمة الإنسان هي الاختيار أي الطريقين يسلك . طريق الأخلاق و العمل على كبح غرائزه و دوافعه الأنانية التي هي جزء متأصل فيه أو طريق المراوغة و إطلاق العنان لرغباته و نزعاته الأنانية كلما سمحت له الفرصة .
و الإسلام م من هذه الناحية هو النظام الأكثر منهجية و منطقية في التعامل مع المشكلة إذ انه يقدم النظام الاجتماعي الذي يقلل من طغيان الغرائز و تدميرها للنسيج الاجتماعي كما انه لا يهمل الفروق الطبيعية بين الجنسين . و يدعونا لتبني سلوكات تتناسب مع التركيبة النفسية لكل من الذكر و الأنثى .
و لهذا فالتحليل المادي لسلوك البشر يبين الطبيعة الانانية و الشريرة للبشر لكن إلى جانب ذلك خلق الله في البشر مع الذكاء الذي يتميزون به جانبا خيرا و قدرة على الالتزام الأخلاقي . لكن الالتزام بالأخلاق لا يكون لمجرد رغبة الفرد فيه بل أهم عنصر يعمل على تقويته هو ثقافة و قيم و معتقدات المجتمع . لان الشخص الملتزم في مجتمع محافظ هو عادة ملتزم لان حجم الرقابة الاجتماعية و فرض النبذ الاجتماعي عليه اكبر في حالة مخالفته لقيم مجتمعه . في حين يميل الفرد لتغيير سلوكه إذا انتقل على مجتمع اقل رقابة على سلوكه . و لهذا فقمة التقوى هو قدرة الإنسان على الحفاظ على قيمه و التزامه الأخلاقي بغض النظر عن البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها و هذا يتطلب شخصا يلتزم بالقيم الأخلاقية عن اقتناع و ليس عن وراثة . و ربما يكون هذا سبب الانحلال الأخلاقي الذي بدا يهدد مجتمعاتها بسبب احتكاكنا بالغرب المتقدم هو ان القيم الأخلاقية التي ندعيها هي قيم موروثة و ليست قناعات راسخة ناتجة عن تأمل و تعلم و تدبر . و لهذا يسود التدين المظهري و النفاق الاجتماعي في هذه الفترة و من بين مظاهره للأسف الخيانة الزوجية . و مع هذا أتوقع ان الأجيال القادمة من المسلمين ستكون أكثر التزاما بعد أن تكتوي بنار الفساد الأخلاقي و سيكون رجوعها للقيم الدينية أكثر رسوخا لانه سيكون عن قناعة و علم و فهم و تجربة . ذلك ان الفساد و الشر و الباطل مؤقتان مهما بدا لنا انها باقيان و راسخين كما تبين لنا قصة أصحاب الكهف العديد من آيات القرآن. و هو ما يمكن أن نستقرئه من دراسة التاريخ و الحضارة .
و عودة لموضوع الانتقاء . فبسبب الدور المتنامي للثقافة في حياتنا لم تعد الصفات السابقة التي تفرضها الغرائز وحدها معيار لإختيار الشريك . بل صار الذكاء و التعليم و الإلتزام الخلقي معايير جديدة . و لهذا يمكن القول ان الميل نحو المرأة الجميلة المثيرة أكثر تناسبا مع الغريزة في حين الميل للمرأة ذات الخلق و المتعلمة أكثر تناسبا مع مجتمع يزيد فيه دور الثقافة و الفكر و القيم . و كذلك بالنسبة لإختيار الزوج . اما من الناحية الميتافيزيقية الغيبية فيكفي ان أقول : كما تدين تدان .
|
كما يمكن أن نرى فالزواج كمؤسسة يقدم جملة من المزايا لكنه يقيد رغبات الإنسان , كما انه يمنح فرص محدودة لاختيار شريك الحياة . و هذا يؤدي أحيانا إلى البحث عن تحقيق جملة من الرغبات خارج مؤسسة الزواج . و في رأيي هناك عاملان رئيسيان للخيانة . الأول هو فتور العلاقة الزوجية و الثاني زيادة خروج المرأة و فرص احتكاكها برجال آخرين . كما أن الصور و النماذج التي تقدمها المسلسلات والأفلام و الروايات جعلت من الأفراد يرفعون من حجم تطلعاتهم و توقعاتهم من الطرف الأخر إلى درجة مثالية و غير واقعية . و هذا يزيد من إحباط بعض الزوجات لان أزواجهن لا يرقون إلى تطلعاتهن التي تحكمها الصور التي يبثها التلفاز مما يسهل سقوطهن في جريمة الخيانة الزوجية .